غياث الأمم في التياث الظلم 9
وأما اعتناء الإمام بسد الثغور فهو من أهم الأمور، وذلك بأن يُحَصِّن أساسَ
الحصون والقلاع ويستظهر لها بذخائر الأطعمة، ومستنقعات المياه، واحتفارِ الخنادق، وضروب الوثائق
وإعداد الأسلحة والعتاد، وآلات الصدّ والدفع، ويُرَتِّب في كل ثغر من الرجال ما
يليق به. ولا ينبغي أن يكثروا فيجوعوا، أو يقلوا فيضيعوا.
والمعتبر
في كل ثغر أن يكون بحيث لو أمه جيش، لاستقل أهلُه بالدفاع إلى أن يبلغ خبرُهم
الإمام، أو من يليه من أمراء الإسلام. وإن رأى أن يرتب في ناحيةٍ جُنداً ضخماً
يستقلون بالدفع لو قُصدوا، ويشنون الغاراتِ على أطراف ديار الكفار، فيقدّم من ذلك
ما يراه الأصوبَ والأصلحَ والأقربَ إلى تحصيل الغرض. والأنجح مُعوَّلاً بعد جِدِّه
على فضل ربِّه لا على جِدِّه.
وأما نفضُ أهل العرامة من خِطة الإسلام، ففيه انتظام الأحكام، ولا تصفو نعمةٌ عن
الأقذاء ما لم يأمن أهل الإقامة والأسفار من الأخطار والأغرار، فإذا اضطربت الطرق
وانقطعت الرفاق، وانحصر الناس في البلاد، وظهرت دواعي الفساد، ترتب عليه غلاءُ
الأسعار وخرابُ الديار، وهواجسُ الخطوبِ الكبار، فالأمن والعافية قاعدتا النعم
كلِّها، ولا يتهنا بشيء منها دونها؛ فلينتهض الإمام لهذا المهمِّ، وليُوَكِّل بذلك
الذين يخِفُّون وإذا جرى خطب لا يتواكلون، ولا يتخاذلون، ولا يركنون إلى الدَّعة
والسكون، ويتسارعون إلى لقاء الأشرار بدار الفَرَاش إلى النار، فليس للناجمين من
المتلصصين مثل أن يبادَروا قبل أن يتجمعوا ويتألبوا، وتتحد كلمتهم، ويستقرَّ
قدمُهم. ثم يندُب لكل صُقع من ذوي البأس من يستقل بكفاية هذا المهمّ.
وأما زجرُه الغواة، وردعُ الطغاة، بضروب العقوبات فنبسطُ القول فيه قليلا في
أحكام الإيالات، فنقول: القول في ذلك ينقسم إلى الزجر بنصب القتال، وإلى إقامة
عقوبات ونكال على آحاد الرجال. فأما القتال فالقول فيه يتعلق بقتال أهل البغي،
وتفصيلِ صفاتهم وحالاتهم، ودفعهم عن البلاد التي احتوَوا عليها بتقديم العذر أولا.
وبالمباحثة عما نَقَموه، وإسعافِهم بمناهم، إن دَعَوْا إلى حق، وادّعَوْا على صدق
وإبانةِ حيدهم عن سَنَن الصواب، إن عَرَتهم شائبةُ الارتياب.
فإن
أبوا آذنهم بحرب. كل ذلك مذكور مشهور.
ويتعلق
القتال بقطاع الطرق والراصدين للطارقين والمجاهرين بحمل الأسلحة، وذلك مقرر في باب
القطّاع بما فيه أكملُ إقناع.
وكل
من امتنع عن الاستسلام للإمام والإذعان لجريان الأحكام، فإن لم يكن مع الامتناع
منعة وشوكة، اقتُهِر على الطاعة وموافقة الجماعة.
وإن
استظهر الممتنعون بشوكة دُعوا إلى الطاعة، فإن عادوا فذاك؛ وإلا صَدَمهم الإمام
بشوكة تفض صَدْمَتهم، وتَفُل غَرْبَهم ومنعتَهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق