05‏/08‏/2014

غياث الأمم في التياث الظلم 10

غياث الأمم في التياث الظلم 10



فائدة:
دخل بعض العلماء على بعض الملوك، فسأله الملك عن الوقاع في نهار رمضان، فقال محبيبا: على من يصدر ذلك منه صومُ شهرين متتابعين.
فقيل للعالم ـ بعد انفصاله عن المجلس ـ أليس إعتاقُ الرقبة مقدما على الصيام في حقِّ المقتدرِ عليه؟ والسائل كان ملكَ الزمان الذي يركع له التيجان. فقال: لو ذكرت له الإعتاقَ، لاستهان بالوقاع في رمضان، ولأعتق عبداً على الفور في المكان. فإذ علمتُ أنه يثقل عليه صومُ شهرين تباعا ذكرته ليُفيدُه ارعواءً وامتناعاً. 
   
 وأنا أقول: إن صح هذا من معتزٍ إلى العلماء، فقد كذب على دين الله وافترى، وظلم نفسَه واعتدى، وتبوأَ مقعده من النار في هذه الفتوى، ودل على انتهائه في الخزي إلى الأمد الأقصى، ثكلته أُمُّه لو أراد مسلكاً رادعاً، وقولاً وازعاً فاجعاً، لذكر ما يتعرض لصاحب الواقعة من سخط الله، وأليم عقابه، وحاقّ عذابِه، وأبان له أن الكفاراتِ وإن أتت على خزائن الدنيا، واستوعبت ذخائر من غَبَر ومضى، لما قابَلت همَّ الخطيئة في شهر الله المعظم وحماه المحرم. وذكر له أن الكفارات لم تثبت مُمَحِّصات للسيئات. وكان يُغْنيه الحقُّ عن التصريف والتحريف.     

فائدة:
ـ ولو ذهبنا نَكْذِبُ الملوكَ ونطبق أجوبة مسائلهم على حسب استصلاحهم طلباً لما نظنه من فلاحهم لغَيَّرْنا دين الله بالرأي، ثم لم نثق بتحصيل صلاح وتحقيق نجاح، فإنه قد يشيع في ذوي الأمر أن علماء العصر يحرفون الشرعَ بسببهم؛ فلا يعتمدونهم، وإن صَدَقُوهم. فلا يستفيدون من أمرهم إلا الكذبَ على الله وعلى رسوله، والسقوطَ عن مراتب الصادقين، والالتحاقَ بمناصب المُمَخْرِقين المنافقين. 
   
 فإن قيل أليس روي أن حد الشرب كان أربعين جلدة في زمن أبي بكر الصديق رضي اللع عنه، ثم رأى عمر رضي الله عنه لما تتابع الناسُ في شرب الخمر، واستقلوا ذلك القدرَ من الجلد، أن يجلدَ الشارب ثمانين، وساعده علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قلنا: هذا قول من يأخذ العلم من بُعد!!! ليعلم هذا السائل؟ أن عُقوبة الشارب لم تثبت مقدرةً محدودةً في زمن رسول الله صل الله عليه وسلم ، بل روي أنه رُفع إلى مجلسه شارب بعد تحريم الخمر، فأَمر الحاضرين بأن يضربوه بالنعال، وأطراف الثياب، ويبَكِّتوه، ويحثوا الترابَ عليه.
ثم رأى أبو بكر الجلدَ، فكان يجلد أربعين. مجتهداً غيرَ بانٍ على توقيف وتقديرٍ في الحد، ثم رأى عمر ما رأى.
وقد قال علي رضي الله عنه: "لا أَحُدُّ رجلاً فيموت، فأجد في نفسي منه شيئاً من أنَّ الحقَّ قتله إلا شاربَ الخمر: فإنه شيءٌ رأيناه بعد رسول الله صل الله عليه وسلم"
فكأن عقوبةَ الشارب تضاهي التعزيراتِ المفوضةَ إلى رأي الأئمة في مقدارها. وإن كان لا يسوغ الصفح عنها.
فكيف يستجيز السائل أن يتخذ قصة مُشكلةً على الصحابة ملاذَه في تغيير دين المصطفى؟

0 التعليقات: