غياث الأمم في التياث الظلم 8
فأما الجهاد فيتعلق به أمر كُلِّيٌّ، وقد يغفل
المتجردُ للفقه عنه ، فأقول:
ابتعث
الله محمداً إلى الثقلين، وحتم على
المستقلين بأعباء شريعته دعوتين:
إحداهما:
الدعوة المقرونة بالأدلة والبراهين، والمقصدُ منها إزالة الشبهات، وإيضاح البينات
والدعاءِ إلى الحق بأوضح الدلالات.
والأخرى:
الدعوةُ القهريَّة المؤيدةُ بالسيف المسلول على المارقين الذين أبَوا واستكبروا
بعد وضوح الحق المبين.
فأما البراهين فقد ظهرت ولاحت ومُهدت، والكفار بعد
شيوعها في رتب المعاندين؛ فيجب وضع السيف فيهم، حتى لا يبقى عليها إلا مسلم أو
مسالم.
فيجب
إدامةُ الدعوة القهرية فيهم على حسب الإمكان، ولا يتخصص ذلك بأمَدٍ معلوم بالزمان،
فإن اتفق جهادٌ في جهةٍ، ثم صادف الإمام من أهل تلك الناحية غِرَّةً واستمكن من
فُرصة، وتيسر إنهاضُ عسكرٍ إليهم، تعين على الإمام أن يفعل ذلك.
ولو
استشعر من رجال المسلمين ضعفاً، ورأى أن يهادن الكفارَ عشرَ سنين، ساغَ ذلك ؛
فالمتبع في ذلك الإمكان، لا الزمان.
ومما
يجب الإحاطة به أن معظمَ فروض الكفاية مما لا يتخصص بإقامتها الأئمة، بل يجب على
كافة أهل الإمكان أن لا يغفلوه ولا يغفلوا عنه، كتجهيز الموتى ودفنهم، والصلاة
عليهم.
وأما
الجهاد فموكول إلى الإمام، ثم يتعين عليه إدامةُ النظر فيه على ما قدمنا ذكرَه،
فيصيرُ أمرُ الجهاد في حقِّه بمثابة فرائض الأعيان، والسبب فيه أنه تطوَّق أمور
المسلمين وصار مع اتحاد شخصه كأنه المسلمون بأجمعهم، فمن حيث انتاط جرُّ الجنود
وعقد الألوية والبنود بالإمام، وهو نائبٌ عن كافة أهل الإسلام، صار قيامُه بها على
أقصى الإمكان به كصلواته المفروضة التي يقيمها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق