غياث الأمم في التياث الظلم 4
الطوارئ التي توجب
الخلع والانخلاع :
1- الإسلام: هو الأصل ،
فلو فرض انسلال الإمام عن الدين لم يخف إنخلاعه، وإرتفاع منصبه، وإنقطاعه، فلو جدد
إسلاما لم يعد إماما إلا أن يجدد اختياره.
2- العقل: لو جن جنونا
مطبقا انخلع
وكذلك لو ظهر خبل في
عقله ، وعته في رأيه بين ، واضطرب نظره اضطرابا لايخفي دركه، ولايحتاج في الوقوف
عليه إلي فضل نظر وعسر بهذا السبب استقلاله بالأمور، وسقطت نجدته وكفايته، فإنه
ينعزل كما ينعزل المجنون.
3- أما إذا تواصل منه
العصيان – مخالفة الشرع – وفشا منه العدوان . وظهر الفساد وزال السداد وتعطلت
الحقوق والحدود ، وارتفعت الصيانة ووضحت الخيانة، واستجرأ الظلمة ولم يجد المظلوم
منتصفاً ممن ظلمه، وتداعي الخلل والخطل إلي عظائم الأمور وتعطيل الثغور ، فلا بد
من استدراك هذا الأمر المتفاقم.
فإن عسر القبض على يده الممتدة لاستظهاره بالشوكة العتيدة، والعُدد
المعدَّة، فقد شغر الزمان عن القائم بالحق، ودُفع إلى مصابرة المحن طبقاتُ الخلق،
ووقع الكلام في أحد مقصودي الكتاب؛ إذ هذا المجموع مطلوبه أمران:
أحدهما: بيان أحكام الله عند خلو
الزمن عن الأئمة
والثاني: إيضاح متعلق العباد عند عُرُوِّ البلاد عن المفتين المستجمعين لشرائط
الاجتهاد.
فإن تيسر نصبُ إمامٍ
مستجمعٍ للخصال المرْضِيَّة والخلال المعتبرة في رعاية الرعية، تعيَّن البدارُ إلى
اختياره، فإذا انعقدت له الإمامة واتسقت له الطاعة على الاستقامة، فهو إذ ذاك يدرأ
من كان، وقد بان الآن أن تقديم درئه من مهمات أموره، فإن أذعن فذاك، وإن تأبَّى
عامله معاملةَ الطُّغاة، وقاتله مقتالة البغاة.
وإن علمنا أنه لا يتأتى نصب إمام دون اقتحام داهية دهياء وإراقة دماء
ومصادمة أحوال جمَّة الأهوال، وإهلاك أنفُس ونزْف أموال، فالوجه أن يقاس ما الناس
مدفوعون إليه مبتلون به بما يُفرض وقوعه في محاولة دفعه، فإن كان الواقع الناجز
أكثرَ مما يقدَّر وقوعُه في روم الدفع، فيجب احتمال المتوقع له لدفع البلاءِ
الناجز.
وإن كان
المرتقَب المتطلَّع يزيد في ظاهر الظنون على ما الخلق مدفوعون إليه، فلا يسوغ التشاغل
بالدفع، بل يتعين الاستمرار على الأمر الواقع، وقد يقدم الإمام مُهِمًّا، ويؤخر
آخر.
ومما يتصل بإتمام الغرض في ذلك أن المتصدي للإمامة إذا عظمت جنايتُه، وكثرت
عاديتُه، وفشي احتكامُه واهتضامُه، وبدت فضاحتُه وتتابعت عثراتُه، وخيف بسببه
ضياعُ البيضة، وتبدُّدُ دعائم الإسلام، ولم نجد من ننصبه للإمامة حتى ينتهض لدفعه
حسب ما يدفع البغاة، فلا نطلق للآحاد في أطراف البلاد أن يثوروا؛ فإنهم لو فعلوا
ذلك لاصْطُلِموا وأُبيدوا، وكان ذلك سببا في ازدياد المحن، وإثارة الفتن، ولكن إن
اتفق رجل مطاع ذو أتباعٍ وأشياع، ويقوم محتسباً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر،
وانتصب لكفاية المسلمين ما دُفعوا إليه، فليمض في ذلك قُدُماً والله نصيره على
الشرط المقدم في رعاية المصالح، والنظر في المناجح، وموازنة ما يندفع ويرتفع بما
يتوقع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق