21‏/06‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 56

 قوانين الطبيعة البشرية 56


كشف الظل: السلوك المتناقض

 

تصادف في مسیرة حیاتك أناسًا من أصحاب السمات اللافتة للغایة، تجعلهم ممیزین بها، وتوحي بأنها مصدر قوتهم من قبیل المبالغة على نحو غیر معهود في: الثقة بالنفس، والطیبة والدماثة، والاستقامة الأخلاقیة العظیمة وهالة الورع والتقى، والصفات الرجولیة القاسیة والخشنة،والذكاء والمكر؛ فإذا نظرت إلیهم عن كثب فلعلك تلاحظ شیئًا طفیفًا من تلك المبالغة في هذه السمات؛ وكأنهم یصطنعونها، أو یتمادون فیها كثیرًا، والواجب فیك وأنت تدرس الطبیعة البشریة أن تفهم الواقع؛ فالسمات اللافتة للغایة تستقرُّ عادة على قمة سنام السمات المضادة لها، لتصرف الانتباه عن تلك، وتخفیها عن مرأى الناس.

وفي وسعنا أن نرى صورتین من هذا الأمر؛ فبعض الناس یحس في مقتبل العمر بأنه بغوٌ طري العود، هشٌّ جَزُوع النفس، قلق مُرتاع الفؤاد؛ فیجعله ذلك في حالة من الإحراج أو الانزعاج، فیقوم في عقله الباطن ببناء السمة المضادة، من الجلَد، أو القسوة التي تغطي مظهره كأنها درع یحمیه؛ أما الصورة الأخرى: فعندما یشعر أحدهم بأنه ربما كان غیر اجتماعي؛ ومثال ذلك أن یكون صاحب طموحات كثیرة، أو تستهویه الأنانیة، فیقوم ببناء الخصلة المضادة، فیكون اجتماعیا إیجابیا للغایة بطریقة من الطرق. وفي كلتا الحالتین، وبمرور السنین، ینمِّق أولئك الناس هذه الصورة المعلنة أمام الناس، ویزیدون في صقلها، وتكون سمة الضعیف أو غیر الاجتماعي الكامنة من المكوِّنات الأساسیة في (ظلالهم) فتكون شیئًا ینكرونه ویكبتونه؛ لكن مما تفرضه قوانین الطبیعة البشریة أنه كلما زاد الكبت زادت قوة تفجُّر (الظل)، فإذا تقدم أولئك في العمر، أو مروا بضغوط ومحن، تصدعت صورتهم الخارجیة؛ فهم یصطنعون دورًا یبلغون به

أقصى مدًى یستطیعونه، وذلك یرهقهم، وینهك قواهم. فتتمرد نفوسهم الحقیقیة ویظهر منها مزاجات، وهواجس، ومفاسد مستترة، وسلوكیات تناقض تمامًا صورتهم أمام الناس؛ وغالبًا ما تكون سلوكیات مدمرة للنفس.

 

ومهمتك بسیطة: فعلیك أن تحترس أشد الاحتراس ممن یُبدون سمات لافتة للغایة كتلك، فمن السهل جدا أن تؤخذ بالمظاهر والانطباعات الأولى، فانتبه مع مرور الزمن لعلامات السمات المضادة، واحذر انبثاق تلك السمات من عقالها. ومن السهل جدا أن تتعامل مع هذا الصنف من الناس إذا فهمته، وسأذكر لك فیما یأتي أكثر السمات اللافتة شیوعًا التي علیك أن تدركها، وتُداوِرَها بطریقة ملائمة.

 

1-  القاسي: تراه یبرز صفات رجولیة خشنة یبتغي بها التهویل، وفیه تِیه وعُجْب، وله

مظهر یدلك على أنه لیس شخصًا یمكن العبث معه، ویغلب علیه التباهي بأعماله )البطولیة(؛ فیذكر لك عدد النساء اللاتي أسر قلوبهن، والشجارات التي خاض غمارها، والمرات التي بزَّ فیها محاوریه، وعلى الرغم من أنه یبدو مقنعًا للغایة وهو یروي هذه الحكایات، إلا أن حكایاته تشعرك بأن فیها مبالغة، لدرجة أنه یصعب علیك غالبًا تصدیقها؛ فلا تنخدع بالمظهر؛ فهؤلاء الناس تعلموا إخفاء طراوة العود القابعة فیهم، إنها هشاشة عاطفیة في أعماقهم، تفزعهم وترعبهم، وسترى فیهم أحیانًا هذا الجانب الحساس؛ فربما تجد أحدهم یذرف الدموع، أو تعتریه نوبة غضب، أو یُظهر فجأة حُنُوا ورأفة، ونتیجة شعوره بالحرج من ذلك تراه یسارع إلى إخفاء ما بدر منه بالخشن أو حتى العنیف من الأفعال أو الأقوال.

 

وهذا الصنف من الرجال غالبًا ما یتخذ قرارات مریعة، بتأثیر العواطف التي یحاول إخفاءها

وكبتها؛ لكنها تظهر علیه لا محالة، وعلى الرغم من أن أحدهم یحب السیطرة على النساء فإنه غالبًا ما ینتهي به الأمر إلى اتخاذ زوجة تسیطر علیه بكل وضوح؛ فتلك رغبة مستترة فیه.

 

فعلیك ألا تدع نفسك وقد هالها مظهر أحدهم فأرهبها، وعلیك أیضًا أن تحترس من أن تثیر مخاوفه العمیقة بأن یَظهر علیك أنك مرتاب في حكایاته أو في طبیعته الرجولیة الخشنة، فهو مرهف الإحساس، ورقیقُه؛ ولعلك إذا أثرت مخاوفه تكشف في وجهه أسًى خفیفًا قبل أن یبادر فیخفیه بتقطیب وعبوس، وإذا دخل في منافسة فمن السهل أن ینجرَّ إلى ردود فعل مفرطة، یكشف فیها شیئًا غیر قسوته وصلابته.

 

2-  الورِع: ترى في هذا الصنف من الناس نموذجًا للصلاح والنقاء، وترى أصحابه 

یناصرون معظم القضایا التقدمیة وأفضلها، ویمكن أن یكون أحدهم متدینًا جدا إذا كان  یدور في حلقات المتدینین؛ أو یكون فوق مستوى الفساد والتسویات إذا كان في دوائر السیاسیین؛ أو یكون عنده حنوٌّ دائم على أي ضحیة من أي نوع كانت، وتطور عنده هذا المظهر الخارجي الورع في سنوات حیاته الأولى لیكون طریقته في التمویه على توقه الشدید إلى السلطة ولفت الانتباه، أو بسبب شبق شهواته الحسیة، والمفارقة هي أنه إذا أبرز هالة الورع إلى أقصى حدٍّ فإنه غالبًا ما یكسب سلطة عظیمة، تجعله یتزعم طائفة أو حزبًا سیاسیا، فإذا امتلك السلطة، فإن ظله سیجد مجالًا أوسع یعمل فیه، فيصبح ذلك المرء متزمتًا، یشجب أصحاب النقائص والمفاسد، ویعاقبهم عند الضرورة.

 

3-  العفیف  : وكان من هذا الصنف من الناس ماكسمیلیان روبسبیر الذي كان لقبُه وكان قد ارتقى إلى مراتب السلطة أیام الثورة الفرنسیة، وكان الإعدام بالمقصلة في عهده على أشُدِّه.

كذلك تراه ینجذب سرًا إلى السفاد، أو إلى المال، أو إلى الشهرة، أو إلى ما هو محرَّم صراحةً في ورعه الشدید، ویكون إجهاده عظیمًا، ومغریاته كثیرة؛ فهو المعلم المرشد الذي ینام مع طلابه، ویبدو أمام الناس بمظهر الورع، لكن أسرته، أو زوجته، ترى الجانب الشیطاني منه في خصوصیاته وهناك بین الناس من هم من أصحاب الورع والتقى الصادقین، إلا أن أولئك لا یشعرون بحاجة إلى نشر أفعالهم على الملأ، ولا إرب لهم في السلطة. ولتمیز صاحب الورع

الحقیقي من المزیف علیك أن تتجاهل كلماته والهالةَ التي تحیط به، وتصب اهتمامك على أفعاله وتفاصیل حیاته؛ فإلى أي حدٍّ یبدو علیه الاستمتاع بحیازة السلطة ولفت الانتباه؟ وما هي الدرجة العظیمة من الغنى والثروات التي جمعها؟ وما هو عدد عشیقاته؟ وما هو مستوى استغراقه في نفسه؟! فإذا عرفت أحدًا من هذا الصنف من الناس من أصحاب الورع الزائف فلا تكن تابعًا ساذجًا له؛ بل ابتعد بنفسك عنه بعض البعد، وإذا كان من أعدائك فما علیك إلا أن تسلط الضوء على العلامات الواضحة على نفاقه.

 

 

4-  الآسر مستتر العداء: إذا التقیت بصاحب هذا الصنف من الناس لأول مرة فستراه مجاملًا ولطیفًا إلى أبعد الحدود، إلى درجة تذهلك وتجعلك تمیل إلى إدخاله في حیاتك بلا إبطاء؛ فهو كثیر الابتسام، وهو متفائل مبتهج، ویرغب دائمًا في تقدیم المساعدة، وفي مرحلة

معینة لعلك ترد له الجمیل باستئجاره للقیام بعمل من أعمالك، أو مساعدتك في حیاتك المهنیة، لكنك ستلاحظ بمرور الأیام بعض التصدعات في هذا المظهر؛ فلعله یبدي انتقادًا بغتةً بلا مقدمات، أو لعلك تسمع من بعض الأصدقاء أنه یطعن فیك في غیابك، ثم یحدث شيء بشع إنه انفجار( تصرف تخریبي أو خیانة) فیكون على نقیض الإنسان الآسر اللطیف الذي صادقته فیما سلف.

 

والحقیقة أن هذا الصنف من الناس یدرك في مقتبل حیاته أن لدیه نزعات عدوانیة حاسدة یصعب علیه التحكم بها؛ فهو یرید الوصول إلى السلطة، إنه یحس بأن تلك المیول ستصعب علیه حیاته، فیبني مع مرور السنین الكثیرة مظهرًا نقیضًا، فطیبته لها جانب عدواني؛ شدید العدوانیة، ویتمكن بهذه الحیلة من الحصول على القوة الاجتماعیة؛ إلا أنه في قرارة نفسه یمتعض من أن علیه أن یمثل هذا الدور، وأن یحترم مشاعر الآخرین، ولا یستطیع البقاء على ذلك؛ فتراه ینفجر في وجهك فیؤذیك؛ إذا شعر بالتوتر، أو بمجرد أن ینهكه بذله الجهد في تمثیل ذلك الدور المصطنع، وهو یتقن القیام بذلك بعد أن یكون قد أصبح على درایة بك، وبمواطن الضعف فیك، وطبعًا سیلومك أنت على ما یتبع ذلك.

 

وأفضل ما تحمي به نفسك هو أن تحترس من الناس الذین یأسرونك بسرعة، ویصادقونك بسرعة، أولئك الذین یكثرون من اللطف والمجاملة في البدایة؛ فهذه الطیبة المفرطة لیست طبیعیة أبدًا، فانأ بنفسك عنه شیئًا من النأي، وانظر في بعض العلامات المبكرة، من قبیل تعلیقات العدوانیة المستترة ، فإذا لاحظت بأنه خارج من طبعه، یخوض في النمیمة الخبیثة على إنسان من الناس، فلك أن تكون واثقًا من أن ظله یتحدث، وأنك أنت ستكون هدف نمیمته في أحد الأیام.

 

5-  المتحمِّس: یؤثر فیك اتقاده ونصرته لأي قضیة كانت؛ إنه یتحدث بحزم وقوة، ولیس

عنده مجال للتسویات، إنه یعید الأمور إلى نصابها، فیستعید لها أُبَّهتها، إنه یشع ثقة وثباتًا، ولأجل ذلك یتبعه المریدون، ویكون صاحب موهبة في التمثیل ولفت الانتباه، لكنه في اللحظة الحاسمة التي قد یستطیع فیها أن یفي بوعوده یتملص منها على نحو غیر متوقع، فیصبح مترددًا في اللحظة الحرجة، أو ینهك نفسه لیسقط مریضًا، أو یقوم بتصرفات طائشة تتداعى كلها، ویبدو الأمر كأنه فقد إیمانه فجأة، أو أنه یسعى في سریرته إلى الإخفاق والسقوط.

 

والحقیقة هي أن الواحد من هذا الصنف من الناس یعاني مخاوف هائلة منذ بدایات حیاته، فلدیه شك في قیمته الذاتیة، ولم یشعر أبدًا بأنه حصل على ما یكفیه من الحب والتقدیر، ونظرًا إلى أنه یعج بالمخاوف والشكوك فإنه یستر ذلك بقناع الإیمان القوي بنفسه وقضیته، وتلاحظ في ماضیه بعض التحولات في منظومة معتقداته، ویكون أحیانًا متطرفًا؛ وذلك لأنه لا تهمه المعتقدات بحد ذاتها؛ بل الاقتناع العمیق بها، فیتنقَّل بین معتقداته بما یلائم أوقاته؛ فالإیمان بشيء أشبه بتعاطي المخدرات عنده، لكن الشكوك تعود إلیه، وهو یعلم في قرارة نفسه أنه لا یمكنه الوفاء بمعتقداته؛ لذلك تراه تحت الضغط یصبح نقیض ما هو علیه؛ فیكون مترددًا، وتساوره الشكوك في سریرته، وتراه فجأة یطرد من یعمل عنده من مساعدین ومدیرین، لیعطي انطباعًا بأنه صاحب أفعال؛ لكنه في عقله الباطن یتلف نفسه بالقیام بتغییرٍ لا ضرورة له، فلا بد له من أن ینسف كل

شيء بطریقة من الطرق، ومع ذلك یلقي باللائمة على الآخرین.

فلا تؤخذْ أبدًا بقوة اقتناعات الناس، وموهبتهم في التمثیل؛ بل اعمل دائمًا على قاعدة:

أنه كلما زادت حدة أقوالهم زاد عمق مخاوفهم الكامنة وشكوكهم. ولا تتَّبع أحدًا منهم فسیهزؤون بك في یوم من الأیام.

 

6-  العقلاني الصارم: هناك میول عند الناس إلى اللاعقلانیة، وهو إرثٌ باقٍ من الأصول

الأولى للبشر، ولن نستطیع یومًا التخلص منها؛ فالناس میالون إلى الخرافات، میالون إلى رؤیة روابط بین أحداث لا رابطة بینها، ویفتنون بالمصادفات، ویُلبِسون مشاعرهم، ویبرزونها في الآخرین وفي العالم من حولهم، ویراجعون سرا ما یقوله المنجِّمون، ولا بد لنا أن نقبل بهذا الواقع بكل بساطة. والحق أننا كثیرًا ما نلوذ باللاعقلانیة لنجد فیها شیئًا من التخفیف عن أنفسنا من الدعابات السخیفة، إلى الأنشطة الفارغة، إلى الانشغال بین الحین والآخر بأمور غیبیة؛ فبقاؤنا دائمًا على منهج العقلانیة یمكن أن یكون مرهقًا لنا، لكن بعض الناس یزعجهم الخروج عن العقلانیة غایة الإزعاج، فهم یرون في التفكیر البدائي (غیر العقلاني) شیئًا رخوًا باطنیا یناقض العلم والتكنولوجیا؛ فكل شيء عندهم لا بد له أن یكون واضحًا ومدروسًا إلى أقصى الحدود؛ فیصبحون ملحدین متعصبین.

 

لكن الكبت یعود دائمًا؛ فإیمانهم بالعلم والتكنولوجیا فیه نفحة دینیة، وإذا جادلوك فرضوا علیك أفكارًا ذات ثقل فكري مفرط، وفیها أیضًا شيء من الغضب؛ وهو ما یكشف ما یهیج التفكیر البدائي فیهم، ویكشف حاجتهم العاطفیة للتنمر، فإذا بلغوا مبالغ التطرف ترى أحدهم یدخل في علاقة غرامیة تغلب علیها اللاعقلانیة، فتناقض الصورة التي یظهر بها، مثال ذلك هروب أستاذ جامعي مع شابة حسناء، أو اتجاه أحدهم إلى  خیارات ردیئة في حیاته المهنیة، أو انخداعه بمشروع مالي تافه، أو خوضه في نظریة من نظریات المؤامرة، وتراه أیضًا عرضة للتحولات الغریبة في المزاج، والفورات العاطفیة؛ كلما اهتاج فیه (ظله) فلتستدرجه إلى رد فعل مبالَغ فیه، لتنخز فیه فقاعة تفوقه الفكري؛ فالعقلاني الحق (الإنسان الرشید) یجدر به أن یكون متزنًا رصینًا، ویشكك في قدرات العقلانیة؛ ولا یقوم بالدعایة لها.

 

7-  المختال: الواحد من هذا الصنف من الناس لدیه رغبة هائلة في أن یكون مختلفًا عن

الآخرین، فیفرض صورة من صور التفوق على جماهیر البشر؛ فعنده أفضل الأذواق الجمالیة النقیة إذا خاض في الفن، أو في انتقاد الأفلام السینمائیة، أو في الخمور المعتقة، أو في أطایب الأطعمة، أو في التسجیلات الموسیقیة الصاخبة القدیمة؛ فلدیه أكوام من المعرفة المثیرة بهذه الأشیاء، وهو یهتم كثیرًا بالمظاهر؛ فهو (انتقائي) أكثر من الآخرین، فثیابه یكاد یعز نظیرها، وفي حالات كثیرة یبدو علیه أنه أتى من بیئة مهمة جدا، ولعل له أسلافًا یثیرون انتباه الناس، وكل شيء یحیط به هو شيء مذهل غیر عادي، ویتبین لك لاحقًا أنه كان یبالغ فیما یقوله، أو أن حدیثه عن بیئته كان كذبًا.

والحق أن التفاهة جزء من حیاة الناس، فترى الناس یمضون أكثر حیاتهم في القیام بمهمات رتیبة مملة، والغالب في أحدهم أن یعمل أبواه أعمالًا عادیة؛ لیس فیها إبهار، وجمیع الناس لدیهم نواحٍ متواضعة في طباعهم ومهاراتهم، والمختال یحس بذلك إحساسًا مرهفًا، فهو قلق جدا من أصوله وتواضعها المحتمل، وطریقته في التعامل مع هذا الأمر هو بصرف انتباه الآخرین عنه، وخداعهم بمظهره لیكون نقیض ما هو علیه حقا ویحیط نفسه بما هو غیر عادي، ویطالع معارف خاصة یتمیز بها، وتحت كل ذلك تقبع حقیقته، تنتظر الخروج، حقیقته العادیة جدا، وغیر المختلفة كثیرًا عن غیره وعلى كل حال، نرى الناس الصادقین حقا، والمختلفین فعلًا، لیسوا بحاجة إلى استعراض كبیر یعرضون فیه ما یمیزهم؛ فالحق أن أولئك غالبًا ما یكونون محرَجین بسبب تمیزهم الكبیر، فیتعلمون الظهور بمظهر متواضع، فكن شدید الحرص والحذر ممن یبذلون قصارى جهدهم في استعراض تمیزهم، واختلافهم عن غیرهم.

 

8-  المسرف في عمله: یبدو هذا الصنف من الناس لأول وهلة متمیزًا بخصال إیجابیة جدا، وبخاصة في العمل؛ فالواحد منهم یحافظ على معاییر عالیة جدا في عمله، وینتبه غایة الانتباه للتفاصیل؛ إنه مستعد للقیام بغالبیة العمل بنفسه، وإذا رافقته المهارة أدى به

ذلك إلى النجاح في وقت مبكر من حیاته، لكن تحت هذا المظهر تتجذر بذور الإخفاق،وهي تظهر أول ما تظهر في عجزه عن الاستماع إلى الآخرین، فهو لا یستطیع الأخذ بنصیحة أحد، إنه مستغنٍ عن كل الناس، والحق أنه لا یثق بالآخرین الذین تعوزهم المعاییر العالیة نفسها في العمل؛ فإذا ارتقى في سلم النجاح أُجبِر على تولي مسؤولیات إضافیة أكثر فأكثر فیتولاها وحده مستغنیًا عن الآخرین.

ولو أنه كان یعتمد على نفسه بحق لكان علم أهمیة تفویض المهمات على المستوى الأدنى لیكفل السیطرة على المستوى الأعلى، إلا أن شیئًا آخر یختلج في نفسه إنه (ظلُّه)، فما أسرع أن یصبح أمره فوضى، ولا بد أن یأتي الآخرون ویستولوا على عمله، وتتلف صحته، ویذهب ماله، ویصحب معتمدًا كل الاعتماد على الأطباء وعلى الممولین، فیهوي من مراتب السیطرة الكاملة، إلى مراتب الاتكال على الآخرین.

 

وغالبًا ما یكون الاستعراض الظاهري في الاعتماد على النفس تمویها على رغبة مكتومة بالحصول على الرعایة من الآخرین؛ ارتدادًا إلى اتكالیة الطفولة، وهو لا یعترف بذلك مطلقًا للآخرین، ولا یبدي أي علامات على هذا الضعف، إلا أنه في عقله الباطن ینجذب إلى إنشاء فوضى كبیرة من حوله تجعله ینهار، فیُجبَر على شيء من الاتكالیة؛ إلا أن هناك علامات مسبقة على ذلك تراها في مشكلات صحیة متكررة، واحتیاجات صغیرة مفاجئة للحصول على الدلال من الناس في حیاته الیومیة، وتجد أكبر تلك العلامات في فقدانه السیطرة، وإخفاقه في اتخاذ إجراءات لإیقاف ذلك، فخیرٌ لك ألا تقترب كثیرًا من أصحاب هذا الصنف من الناس في حیاتهم المهنیة بعد ذلك بعدما تبین لك من العلامات السابقة؛ وبخاصة الأخیرة منها، فلدیهم میل للوقوع في مصائب أخرى كثیرة.

 


0 التعليقات: