07‏/11‏/2015

الموافقات 6


الموافقات 6






المقدمة الثامنة
العلم الذي هو العلم المعتبر شرعا -أعني الذي مدح الله ورسوله [صلى الله عليه وسلم] أهله على الإطلاق- هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يُخلي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها، ومعنى هذه الجملة أن أهل العلم في طلبه وتحصيله على ثلاث مراتب1:

الرسوخ في العلم يأبى أن يخالفه بالأدلة المتقدمة، وبدليل التجربة العادية؛ لأن ما صار كالوصف الثابت لا يتصرف صاحبه إلا على وفقه اعتيادا3، فإن تخلف؛ فعلى أحد ثلاثة
أوجه1:
الأول: مجرد العناد، فقد يُخالف فيه مقتضى الطبع الجبلي؛ فغيره أولى، وعلى ذلك دل قوله تعالى: [ {وَجَحَدُوا بِهَا} الآية [النمل: 14]، وقوله تعالى]2: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ] } 3 [البقرة: 109] وأشباه ذلك.
والغالب على هذا الوجه أن لا يقع إلا لغلبة هوى، من حب دنيا أو جاه أو غير ذلك، بحيث يكون وصف الهوى قد غمر القلب، حتى لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.

والثاني: الفلتات الناشئة عن الغفلات التي لا ينجو منها البشر؛ فقد يصير العالم بدخول الغفلة غير عالم، وعليه يدل -عند جماعة- قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} 4 الآية [النساء: 17]


.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 102].

والثالث: كونه ليس من أهل هذه المرتبة؛ فلم يصر العلم له وصفا،


فأما من خلا عن هذه الأوجه الثلاثة؛ فهو الداخل تحت حفظ العلم، حسبما نصته الأدلة، وفي هذا المعنى من كلام السلف كثير.


وقال الثوري: "العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شُغلوا، فإذا شُغلوا فُقدوا، فإذا فُقدوا طُلبوا، فإذا طُلبوا هَربوا"1.

على أن المثابرة على طلب العلم، والتفقه فيه، وعدم الاجتزاء باليسير منه؛ يجرُّ إلى العمل به ويُلجئ إليه، كما تقدم بيانه، وهو معنى قول الحسن: "كنا نطلب العلم للدنيا؛ فجرَّنا إلى الآخرة"2

0 التعليقات: