07‏/11‏/2015

الموافقات 3

الموافقات 3


القسم الأول: المقدمات
مقدمات المؤلف


فنحمده سبحانه والحمد نعمة منه مستفادة، ونشكر له والشكر أول الزيادة


أن أدهى ما يلقاه السالك للطريق فقد الدليل


لم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده تفاصيل وجُملا، وأسوق من شواهده في مصادر الحُكم وموارده مبينا لا مجملا، معتمدا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة، ثم استخرت الله تعالى في نظم تلك الفرائد، وجمع تلك الفوائد، إلى تراجم تردها إلى أصولها، وتكون عونا على تعقلها وتحصيلها؛ فانضمت إلى تراجم الأصول الفقهيه، وانتظمت في أسلاكها السَّنِية البهية؛ فصار كتابا منحصرا في خمسة أقسام:

الأول:
في المقدمات العلمية المحتاج إليها في تمهيد المقصود.

والثاني:
في الأحكام وما يتعلق بها من حيث تصورها والحكم بها أو عليها، كانت من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف.

والثالث: 

في المقاصد الشرعية في الشريعة وما يتعلق بها من الأحكام.

والرابع:
في حصر الأدلة الشرعية وبيان ما ينضاف إلى ذلك فيها على الجملة وعلى التفصيل، وذكر مآخذها، وعلى أي وجه يُحكم بها على أفعال المكلفين.

والخامس:
في أحكام الاجتهاد والتقليد، والمتصفين بكل واحد منهما، وما يتعلق بذلك من التعارض والترجيح والسؤال والجواب.


وفي كل قسم من هذه الأقسام مسائل وتمهيدات، وأطراف وتفصيلات؛
 يتقرر بها الغرض المطلوب، ويقرب بسببها تحصيله للقلوب.

ولأجل ما أودع فيه من الأسرار التكليفية المتعلقة بهذه الشريعة الحنيفية، سميته بـ"عنوان التعريف بأسرار التكليف"، ثم انتقلت عن هذه السيماء لسند غريب، يقضي العجب منه الفطن الأريب، وحاصله أني لقيت يوما بعض الشيوخ الذين أحللتهم مني محل الإفادة، وجعلت مجالسهم العلمية محطا للرحل ومُناخا للوفادة، وقد شرعت في ترتيب الكتاب وتصنيفه، ونابذت الشواغل دون تهذيبه وتأليفه؛ فقال لي: رأيتك البارحة في النوم، وفي يدك كتاب
ألفته فسألتك عنه، فأخبرتني أنه كتاب "الموافقات"، قال: فكنت أسألك عن معنى هذه التسمية الظريفة، فتخبرني أنك وفقت به بين مذهبي ابن القاسم1 وأبي حنيفة. فقلت له: لقد أصبتم الغرض بسهم من الرؤيا الصالحة مُصيب، وأخذتم من المبشرات النبوية بجزء صالح ونصيب؛ فإني شرعت في تأليف هذه المعاني، عازما على تأسيس تلك المباني، فإنها الأصول المعتبرة عند العلماء، والقواعد المبني عليها عند القدماء. فعجب الشيخ من غرابة هذا الاتفاق

0 التعليقات: