روح الثورات والثورة الفرنسية 4
يستحيل تبديل عقيدة الناس قبل تبديل كيانهم
من المشهود أنه عندما يشيع معتقد جديد بين الناس يلتف حوله رجال لا يهمهم من أمره سوي أنهم يرون فيه وسيلة لارواء شهواتهم وأطماعهم .
ينتشر الإيمان بالاصلاح بالتوكيد والكرار والعدوي النفسية والنفوذ ويساعد الاظهاد علي الانتشار ، إذ ينشأ عن كل حادثة قتل دخول أناس في المذهب الجديد ، وفي فرنسا لما سيق القاضي اندنبرغ المحكوم عليه بالحرق إلي النار سار إليها وهو يحث الجماعة علي اعتناق مذهبه ، وقد قال أحد الرواة أن عدد البروتستان زاد بين طلاب المدارس بفعل جلده وصبره أكثر مما بكتب كالفن.
أثبتت الثورات أن عدم التسامح بين أنصار المعتقدات المتقاربة يكون أشد مما بين أنصار المعتقدات المتباعدة كلاسلام والنصرانية مثلا ، فإذا نظرنا إلي المعتقدات التي شطرت فرنسة زمناً طويلاً رأيناها لا تختلف إلأا في الأمور الثانوية
الوقوف علي نفسية عصر من خلال نفسية عصر آخر أمر متعذر.
العقائد المتناقضة لا تظل متقابلة من غير أن تتصادم عندما تشعر إحداها بقدرتها علي قهر الأخري.
لم تكن الثورات الدينية كلها سيئة مثل ثورة الإصلاح الديني ، بل كان تأثير الكثير منها في تقويم الناس وتهذيب نفوسهم عظيما جداً ، فهي بمنحها الشعب وحدة أدبية تزيد قوته المادية كثيراً ، وقد شوهد ذلك لما حول محمد صلي الله عليه وسلم بما جاء به من الايمان قبائل العرب الضعيفة إلي أمة عزيزة.
لا تعرف الأمم ذات المعتقدات القوية شيئاً من التسامح ، فالأمم المشركة هي التي كانت متسامحة في القرون القديمة، والأمم المتسامحة في القرون الأخيرة هي التي يمكن نعتها بأمم ذات أرباب متعددة ، فهي مثل الانجليز والامريكان مفترقة علي فرق دينية كثيرة وتعبد آلهة مختلفة بأسماء واحدة، غير أن تعدد المعتقدات الذي يجعلها متسامحة يضعفها في نهاية الأمر ، وهنا نري أنفسنا إزاء معضلة نفسية لم تحل حتي الآن وهي : حيازة معتقد قوي ومتسامح معاً
(إيهاب : اعترض علي كلام المؤلف فالاسلام الصحيح يمثل حل لتلك المعضلة وموقف النبي محمد صلي الله عليه وسلم من مخالفيه شديد الوضوح في تسامح الإسلام كعقيدة ودين قوي متسامح )
الثورات الدينية هي التي تقود التاريخ وهي التي تقي الأمم من أن تكون أشخاصاً ضعفاء لا تربطهم رابطة، وقد احتاج الانسان إليها في كل عصر ليوجه أفكاره نحو مطلب وما استطاعت أية فلسفة أن تقوم مقامها حتي الآن .
0 التعليقات:
إرسال تعليق