أسرار الصلاة 5
سنن الآذان الخمس
و نظير هذا ما شرع لمن سمع الآذان :
أن يقول كما يقول المؤذن.
و أن يقول رضيت بالله ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولاً.
و أن يسأل الله لرسوله الوسيلة و الفضيلة، و أن يبعثه المقام المحمود.
ثم ليصل عليه .
ثم يسأل حاجته.
فهذه خمس سنن في إجابة المؤذن لا ينبغي الغفلة عنها.
فصلٌ
سرّ الصلاة الإقبال على الله
و سرُّ الصلاة و روحها و لبُّها، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها، فكما أنه
لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه
عن ربِّه إلى غيره فيها.
بل يجعل الكعبة ـ التي هي بيت الله ـ قبلة وجهه و بدنه، و رب البيت تبارك و تعالى
قبلة قلبه و روحه، و على حسب إقبال العبد على الله في صلاته، يكون إقبال الله عليه،
و إذا أعرضَ أعرض الله عنه، كما تدين تُدان.
للإقبال على الله في الصلاة ثلاث منازل
و الإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل:
*إقبال العبد على قلبه فيحفظه و يصلحه من أمراض الشهوات و الوساوس، و الخطرات
المُبطلة لثواب صلاته أو المنقصة لها.
* و الثاني : إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كأنه يراه.
*و الثالث : إقباله على معاني كلام الله، و تفاصيله و عبودية الصلاة ليعطيها حقها
من الخشوع و الطمأنينة و غير ذلك.
فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقاً، و يكون إقبال الله على
المصلي بحسب ذلك.
كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة؟
فإذا انتصب العبد قائماً بين يديه، فإقباله على قيُّومية الله و عظمته فلا يتفلت
يمنة و لا يسرة.
و إذا كبَّر الله تعالى كان إقباله على كبريائه و إجلاله و عظمته.
و كان إقباله على الله في استفتاحه على تسبيحه و الثناء
عليه و على سُبحات وجهه، و تنزيهه عمَّا لا يليق به، و يثني عليه بأوصافه و كماله.
فإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، كان إقباله على ركنه الشديد، و سلطانه و
انتصاره لعبده، و منعه له منه و حفظه من عدوه.
و إذا تلى كلامه كان إقباله على معرفته في كلامه كأنه يراه و يشاهده في كلامه، فهو
في هذه الحال ينبغي له أن يكون مقبلاً على ذاته و صفاته و أفعاله و أمره و نهيه و
أحكامه و أسمائه.
و إذا ركع كان إقباله على عظمة ربه، و إجلاله و عزه و كبريائه، و لهذا شرع له في
ركوعه أن يقول :
" سبحان ربي
العظيم " .
فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على حمد ربه و الثناء عليه و تمجيده و عبوديته
له و تفرده بالعطاء و المنع.
فإذا سجد، كان إقباله على قربه، و الدنو منه، و الخضوع له و التذلل له، و الافتقار
إليه و الانكسار بين يديه، و التملق له.
فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه، و كان إقباله على غنائه وجوده، و كرمه و
شدة حاجته إليه، و تضرعه بين يديه و الانكسار ؛ أن يغفر له و يرحمه، و يعافيه و
يهديه و يرزقه.
و يعلم أنه ينصرف من مناجاة مَن كلّ السعادة في مناجته، إلى مناجاة من كان الأذى و الهم و الغم و النكد في مناجاته، و لا يشعر بهذا و هذا إلا من قلبه حي معمور بذكر الله و محبته، و الأنس به، و من هو عالم بما في مناجاة الخلق و رؤيتهم، و مخالطتهم من الأذى و النكد، و ضيق الصدر و ظلمة القلب، و فوات الحسنات، و اكتساب السيئات، و تشتيت الذهن عن مناجاة الله تعالى عز و جل .
الكلام على التسليم
و لما كان العبد بين أمرين من ربه عز و جل :
أحدهما : حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهرا و باطنا، و اقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه، فإن لكلّ حكم عبودية تخصه، أعني الحكم الكوني القدري.
و الثاني : فعل، يفعله العبد عبودية لربه، و هو موجب حكمه الديني الأمري.
و كلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه، و لهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري، و لحكمه الكوني القدري، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى، و الشهوات، و المعاصي، و يقول : قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل له : مسلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق