30‏/06‏/2017

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4


الباب الثاني في أركان الأمر بالمعروف وشروطه
أعلم أن الأركان في الحسبة التي هي عبارة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربعة المحتسب والمحتسب عليه والمحتسب فيه ونفس الاحتساب
فهذه أربعة اركان ولكل واحد منها شروطه الركن الأول المحتسب
وله شروط وهو أن يكون مكلفا مسلما قادرا فيخرج منه المجنون والصبي والكافر والعاجز ويدخل فيه آحاد الرعايا وإن لم يكونوا مأذونين ويدخل فيه الفاسق والرقيق والمرأة
فلنذكر وجه اشتراط ما اشترطناه ووجه اطراح ما أطرحناه
أما الشرط الأول وهو التكليف فلا يخفى وجه اشتراطه فإن غير المكلف لا يلزمه أمر وما ذكرناه أردنا به شرط الوجوب فأما إمكان الفعل وجوازه فلا يستدعي إلا العقل حتى إن الصبي المراهق للبلوغ المميز وإن لم يكن مكلفا فله إنكار المنكر وله أن يريق الخمر ويكسر الملاهي وإذا فعل ذلك نال به ثوابا ولم يكن لأحد منعه من حيث إنه ليس بمكلف
فإن هذه قربة وهو من أهلها كالصلاة والإمامة وسائر القربات وليس حكمه حكم الولايات حتى يشترط فيه التكليف ولذلك اثبتناه للعبد وآحاد الرعية
نعم في المنع بالفعل وإبطال المنكر نوع ولاية وسلطنة ولكنها تستفاد بمجرد الإيمان كقتل المشرك وإبطال أسبابه وسلب أسلحته
فإن للصبي أن يفعل ذلك حيث لا يستضر به فالمنع من الفسق كالمنع من الكفر

وأما الشرط الثاني وهو الإيمان فلا يخفى وجه اشتراطه لأن هذا نصرة للدين فكيف يكون من أهله من هو جاحد لاصل الدين وعدو له

وأما الشرط الثالث وهو العدالة فقد اعتبرها قوم وقالوا ليس للفاسق أن يحتسب وربما استدلوا فيه بالنكير الوارد على من يأمر بما لا يفعله مثل قوله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم " .                                                                                                                 وقوله تعالى " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " .                                                              وبما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال " مررت ليلة اسرى بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من انتم فقالوا كنا نأمر بالخير ولا نأتيه وننهى عن الشر ونأتيه " .                                                                                                                                
 
وبما روى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى صلى الله عليه و سلم " عظ نفسك فان أتعظت فعظ الناس وألا فاستحي مني " .   
وربما استدلوا من طريق القياس بأن هداية الغير فرع للإهتداء وكذلك تقويم الغير فرع للاستقامة والإصلاح زكاة عن نصاب الصلاح فمن ليس بصالح في نفسه فكيف يصلح غيره ومتى يستقيم الظل والعود أعوج وكل ما ذكروه خيالات وانما الحق أن للفاسق أن يحتسب وبرهانه هو أن نقول هل يشترط في الإحتساب أن يكون متعاطيه معصوما عن المعاصي كلها فان شرط ذلك فهو خرق للاجماع ثم حسم لباب الاحتساب إذ لا عصمة للصحابة فضلا عمن دونهم والأنبياء عليهم السلام قد اختلف في عصمتهم عن الخطايا
والقرآن العزيز دال على نسبة آدم عليه السلام إلى المعصية وكذا جماعة من الأنبياء ولهذا قال سعيد بن جبير إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء فأعجب مالكا ذلك من سعيد بن جبير .

وإن زعموا أن ذلك لا يشترط عن الصغائر حتى يجوز للابس الحرير أن يمنع من الزنا وشرب الخمر فنقول
وهل لشارب الخمر أن يغزو الكفار ويحتسب عليهم بالمنع من الكفر فإن قالوا لا خرقوا الإجماع إذ جنود المسلمين لم تزل مشتملة على البر والفاجر وشارب الخمر وظالم الايتام ولم يمنعوا من الغزو لا في عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا بعده
فإن قالوا نعم فنقول شارب الخمر هل له المنع من القتل أم لا فإن قالوا لا قلنا
فما الفرق بينه وبين لابس الحرير إذ جاز له المنع من الخمر والقتل كبيرة بالنسبة إلى الشرب كالشرب بالنسبة إلى لبس الحرير فلا فرق
وإن قالوا نعم وفصلوا الأمر فيه بأن كل مقدم على شيء فلا يمنع عن مثله ولا عما دونه وإنما يمنع عما فوقه فهذا تحكم فإنه كما لا يبعد أن يمنع الشارب من الزنا والقتل فمن أين يبعد أن يمنع الزاني من الشرب بل من أين يبعد أن يشرب ويمنع غلمانه وخدمه من الشرب ويقول يجب على الانتهاء والنهي فمن أين يلزمني من العصيان بأحدهما أن أعصى الله تعالى بالثاني وإذا كان النهي واجبا على فمن أين يسقط وجوبه بإقدامي إذ يستحيل أن يقال يجب النهي عن شرب الخمر عليه ما لم يشرب فإذا شرب سقط النهى .

فإن قيل فيلزم على هذا أن يقال إذا زنى الرجل بإمرأة وهي مكرهة مستورة الوجه فكشفت وجهها باختيارها فأخذ الرجل يحتسب في أثناء الزنا ويقول أنت مكرهة في الزنا ومختارة في كشف الوجه لغير محرم وها أنا غير محرم لك فاستري وجهك فهذا احتساب شنيع يستنكره قلب كل عاقل ويستشنعه كل طبع سليم فالجواب أن الحق قد يكون شنيعا وأن الباطل قد يكون مستحسنا بالطباع والمتبع الدليل دون نفرة الاوهام والخيالات فإنا نقول قوله لها في تلك الحالة لا تكشفي وجهك واجب أو مباح أو حرام فإن قلتم إنه واجب فهو الغرض لأن الكشف معصية والنهي عن المعصية حق
وإن قلتم إنه مباح فإذن له أن يقول ما هو مباح فما معنى قولكم ليس للفاسق الحسبة وإن قلتم إنه حرام فنقول وكان هذا واجبا فمن أين حرم بإقدامه على الزنا ومن الغريب أن يصير الواجب حراما بسبب ارتكاب حرام آخر
وأما نفرة الطباع عنه واستنكارها له فهو لسببين :
أحدهما أنه ترك الاهم واشتغل بما هو مهم
وكما أن الطباع تنفر عن ترك المهم إلى ما لا يعني فتنفر عن ترك الأهم                               والاشتغال بالمهم كما تنفر عمن يتحرج عن تناول طعام مغصوب وهو مواظب على الربا وكما تنفر عمن يتصاون عن الغيبة ويشهد بالزور لأن الشهادة بالزور أفحش وأشد من الغيبة التي هي إخبار عن كائن يصدق فيه المخبر وهذا الاستبعاد في النفوس لا يدل على أن ترك الغيبة ليس بواجب وأنه لو اغتاب أو أكل لقمة من حرام لم تزد بذلك عقوبته فكذلك ضرره في الآخرة من معصيته أكثر من ضرره من معصية غيره فاشتغاله عن الأقل بالاكثر مستنكر في الطبع من حيث إنه ترك الأكثر لا من حيث إنه أتى بالاقل فمن غصب فرسه ولجام فرسه فاشتغل بطلب اللجام وترك الفرس نفرت عنه الطباع ويرى مسيئا إذ قد صدر منه طلب اللجام وهو غير منكر ولكن المنكر تركه لطلب الفرس بطلب اللجام فاشتد الإنكار عليه لتركه الاهم بما دونه فكذلك حسبة الفاسق تستبعد من هذا الوجه وهذا لا يدل على أن حسبته من حيث إنها حسبة مستنكرة
الثاني أن الحسبة تارة تكون بالنهي بالوعظ وتارة بالقهر ولا ينجع وعظ من لا يتعظ أولا ونحن نقول من علم أن قوله لا يقبل في الحسبة لعلم الناس بفسقه فليس عليه الحسبة بالوعظ إذ لا فائدة في وعظه فالفسق يؤثر في إسقاط فائدة كلامه ثم إذا سقطت فائدة كلامه سقط وجوب الكلام فأما إذا كانت الحسبة بالمنع فالمراد منه القهر وتمام القهر أن يكون بالفعل والحجة جميعا وإذا كان فاسقا فإن قهر بالفعل فقد قهر بالحجة إذ يتوجه عليه أن يقال له فأنت لم تقدم عليه فتنفر الطباع عن قهره بالفعل مع كونه مقهورا بالحجة وذلك لا يخرج الفعل عن كونه حقا كما أن يذب الظالم عن آحاد المسلمين ويهمل أباه وهو مظلوم معهم تنفر الطباع عنه ولا يخرج دفعه عن المسلم عن كونه حقا
فخرج من هذا أن الفاسق ليس عليه الحسبة بالوعظ على من يعرف فسقه لأنه لا يتعظ وإذا لم يكن عليه ذلك وعلم أنه يفضى إلى تطويل اللسان في عرضه بالإنكار فنقول ليس له ذلك أيضا
فرجع الكلام إلى أن أحد نوعي الاحتساب وهو الوعظ قد بطل بالفسق وصارت العدالة مشروطة فيه وأما الحسبة القهرية فلا يشترط فيها ذلك فلا حرج على الفاسق في إراقة الخمور وكسر الملاهي وغيرها إذا قدر وهذا غاية الإنصاف والكشف في المسألة وأما الآيات التي استدلوا بها فهو إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف لا من حيث أمرهم
ولكن أمرهم دل على قوة علمهم وعقاب العالم أشد لأنه لا عذر له مع قوة علمه وقوله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون المراد به الوعد الكاذب وقوله عز و جل وتنسون انفسكم إنكار من حيث إنهم نسوا أنفسهم لا من حيث إنهم أمروا غيرهم ولكن ذكر أمر الغير استدلالا به على علمهم وتأكيدا للحجة عليهم
وقوله يا ابن مريم عظ نفسك الحديث هو في الحسبة بالوعظ
وقد سلمنا أن وعظ الفاسق ساقط الجدوى عند من يعرف فسقه
ثم قوله فاستحي مني لا يدل على تحريم وعظ الغير بل معناه استحى مني فلا تترك الأهم وتشتغل بالمهم كما يقال احفظ اباك ثم جارك وإلا فاستحي
فإن قيل فليجز للكافر الذمي أن يحتسب على المسلم إذا رآه يزني لأن قوله لا تزن حق في نفسه فمحال أن يكون حراما عليه بل ينبغي أن يكون مباحا أو واجبا
قلنا الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسلط عليه فيمنع من حيث إنه تسلط وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
وأما مجرد قوله لا تزن فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهي عن الزنا ولكن من حيث إنه إظهار دالة الاحتكام على المسلم وفيه إذلال للمحتكم عليه والفاسق يستحق الإذلال ولكن لا من الكافر الذي هو أولى بالذل منه
فهذا وجه منعنا إياه من الحسبة وإلا فلسنا نقول إن الكافر يعاقب بسبب قوله لا تزن من حيث إنه نهى بل نقول إنه إذا لم يقل لا تزن يعاقب عليه إن رأينا خطاب الكافر بفروع الدين وفيه نظر

الشرط الرابع كونه مأذونا من جهة الإمام والوالي
فقد شرط قوم هذا الشرط ولم يثبتوا للآحاد من الرعية الحسبة وهذا الاشتراط فاسد
 فإن الآيات والاخبار التي اوردناها تدل على أن كل من رأى منكرا فسكت عليه عصى إذ يجب نهيه اينما رآه وكيفما رآه على العموم فالتخصيص بشرط التفويض من الإمام تحكم لا أصل له
والعجب أن الروافض زادوا على هذا فقالوا لا يجوز الأمر بالمعروف ما لم يخرج الإمام المعصوم وهو الإمام الحق عندهم
وهؤلاء أخس رتبة من أن يكلموا بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى القضاء طالبين لحقوقهم في دمائهم وأموالهم إن نصرتكم أمر بالمعروف واستخراج حقوقكم من أيدي من ظلمكم نهى عن المنكر وطلبكم لحقكم من جملة المعروف وما هذا زمان النهي عن الظلم وطلب الحقوق لأن الإمام الحق بعد لم يخرج
فإن قيل في الأمر بالمعروف إثبات سلطنة وولاية واحتكام على المحكوم عليه ولذلك لم يثبت للكافر على المسلم مع كونه حقا فينبغي أن لا يثبت لآحاد الرعية إلا بتفويض من الوالي وصاحب الأمر فنقول أما الكافر فممنوع لما فيه من السلطنة وعز الاحتكام والكافر ذليل فلا يستحق أن ينال عز التحكم على المسلم وأما آحاد المسلمين فيستحقون هذا العز بالدين والمعرفة وما فيه من عز السلطنة والاحتكام لا يحوج إلى تفويض كعز التعليم والتعريف إذ لا خلاف في أن تعريف التحريم والايجاب لمن هو جاهل ومقدم على المنكر بجهله لا يحتاج إلى إذن الوالي وفيه عز الارشاد وعلى المعرف ذلك التجهيل وذلك يكفي فيه مجرد الدين وكذلك النهي
وشرح القول في هذا أن الحسبة لها خمس مراتب كما سيأتي
أولها التعريف .
والثاني الوعظ بالكلام اللطيف .
والثالث السب والتعنيف ولست أعنى بالسب الفحش بل أن يقول يا جاهل يا أحمق ألا تخاف الله وما يجري هذا المجرى .
والرابع المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف الثوب الحرير من لابسه واستلاب الثوب المغصوب منه ورده على صاحبه .
والخامس التخويف والتهديد بالضرب ومباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه كالمواظب على الغيبة والقذف فإن سلب لسانه غير ممكن ولكن يحمل على اختيار السكوت بالضرب
وهذا قد يحوج إلى استعانة وجمع أعوان من الجانبين ويجر ذلك إلى قتال وسائر المراتب لا يخفى وجه استغنائها عن إذن الإمام إلا المرتبة الخامسة فإن فيها نظرا سيأتي
أما التعريف والوعظ فكيف يحتاج إلى إذن الإمام
 وأما التجهيل والتحميق والنسبة إلى الفسق وقلة الخوف من الله وما يجري مجراه فهو كلام صدق والصدق مستحق بل أفضل الدرجات كلمة حق عند إمام جائر
 " حديث " أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر" .                                                 أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري " .
كما ورد في الحديث فإذا جاز الحكم على الإمام على مراغمته فكيف يحتاج إلى إذنه وكذلك كسر الملاهي وإراقة الخمور فإنه تعاطي ما يعرف كونه حقا من غير اجتهاد فلم يفتقر إلى الإمام

وأما جمع الاعوان وشهر الاسلحة فذلك قد يجر إلى فتنة عامة ففيه نظر سيأتي
واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى اذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة

كما روي أن مروان بن الحكم خطب قبل صلاة العيد فقال له رجل إنما الخطبة بعد الصلاة فقال له مروان اترك ذلك يا فلان فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه .
قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم " من رأى منكم منكرا فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " .                                                                          " حديث إن مروان خطب قبل الصلاة في العيد الحديث وفيه حديث أبي سعيد مرفوعا من رأى منكرا الحديث رواه مسلم "  

فلقد كانوا فهموا من هذه العمومات دخول السلاطين تحتها فكيف يحتاج إلى إذنهم
وروى أن المهدي لما قدم مكة لبث بها ما شاء الله فلما أخذ في الطواف نحى الناس عن البيت فوثب عبد الله بن مرزوق فلببه بردائه ثم هزه وقال له انظر ما تصنع من جعلك بهذا البيت أحق ممن أتاه من البعد حتى إذا صار عنده حلت بينه وبينه وقد قال الله تعالى " سواء العاكف فيه والباد ".  من جعل لك هذا فنظر في وجهه وكان يعرفه لأنه من مواليهم فقال أعبد الله ابن مرزوق قال نعم فأخذ فجىء به إلى بغداد فكره أن يعاقبه عقوبة يشنع بها عليه في العامة فجعله في اصطبل الدواب ليسوس الدواب وضموا إليه فرسا عضوضا سيىء الخلق ليعقره الفرس فلين الله تعالى له الفرس قال ثم صيروه إلى بيت وأغلق عليه وأخذ المهدي المفتاح عنده فإذا هو قد خرج بعد ثلاث إلى البستان يأكل البقل فأوذن به المهدي فقال له من أخرجك فقال الذي حبسني فضج المهدي وصاح وقال ما تخاف أن أقتلك فرفع عبد الله إليه رأسه يضحك وهو يقول لو كنت تملك حياة أو موتا فما زال محبوسا حتى مات المهدي ثم خلوا عنه فرجع إلى مكة 

قال وكان قد جعل على نفسه نذرا إن خلصه الله من أيديهم أن ينحر مائة بدنة فكان يعمل في ذلك حتى نحرها 


قال الله تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف " . الآية
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ". متفق عليه من حديث أبي موسى.  

فإن قيل أفتثبت ولاية الحسبة للولد على الوالد والعبد على المولى والزوجة على الزوج والتلميذ على الأستاذ ، والرعية على الوالي مطلقا كما يثبت للوالد على الولد والسيد على العبد والزوج على الزوجة والأستاذ على التلميذ والسلطان على الرعية أو بينهما فرق فاعلم أن الذي نراه أنه يثبت أصل الولاية ولكن بينهما فرق في التفصيل
ولنفرض ذلك في الولد مع الوالد فنقول قد رتبنا للحسبة خمس مراتب وللولد الحسبة بالرتبتين الاوليين وهما التعريف ثم الوعظ والنصح باللطف
وليس له الحسبة بالسب والتعنيف والتهديد ولا بمباشرة الضرب وهما الرتبتان الأخيرتان وهل له الحسبة بالرتبة الثالثة حيث تؤدي إلى أذى الوالد وسخطه هذا فيه نظر وهو بأن يكسر مثلا عوده ويريق خمره ويحل الخيوط عن ثيابه المنسوجة من الحرير ويرد إلى الملاك ما يجده في بيته من المال الحرام الذي غصبه أو سرقه أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين إذا كان صاحبه معينا ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه والمنقورة في خشب بيته ويكسر أواني الذهب والفضة فإن فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب بخلاف الضرب والسب ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلا أن فعل الولد حق وسخط الاب منشؤه حبه للباطل وللحرام والأظهر في القياس انه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك ولا يبعد أن ينظر فيه إلى قبح المنكر والى مقدار الأذى والسخط
فإن كان المنكر فاحشا وسخطه عليه قريبا كإراقة خمر من لا يشتد غضبه فذلك ظاهر وإن كان المنكر قريبا والسخط شديدا كما لو كانت له آنية من بلور أو زجاج على صور حيوان وفي كسرها خسران مال كثير فهذا مما يشتد فيه الغضب وليس تجري هذه المعصية مجرى الخمر وغيره فهذا كله مجال النظر

وهذا الترتيب أيضا ينبغي أن يجري في العبد والزوجة مع السيد والزوج فهما قريبان من الولد في لزوم الحق وإن كان ملك اليمين آكد من ملك النكاح
ولكن في الخبر أنه لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها

وأما الرعية مع السلطان فالأمر فيها أشد من الولد فليس لها معه إلا التعريف والنصح فأما الرتبة الثالثة ففيها نظر من حيث إن الهجوم على أخذ الأموال من خزانته وردها إلى الملاك وعلى تحليل الخيوط من ثيابه الحرير وكسر آنية الخمور في بيته يكاد يفضي إلى خرق هيبته واسقاط حشمته وذلك محظور ورد النهي عنه كما ورد النهي عن السكوت على المنكر " حديث النهي عن الإنكار على السلطان جهرة بحيث يؤدي إلى خرق هيبته أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عياض بن غنم ألاشعري " من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية وليأخذه بيده فليخل به فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له قال " .                                                                                                                صحيح الإسناد وللترمذي وحسنه من حديث أبي بكرة من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله في الأرض " .  
فقد تعارض فيه أيضا محذوران والأمر فيه موكول إلى اجتهاد منشؤه النظر في تفاحش المنكر ومقدار ما يسقط من حشمته بسبب الهجوم عليه وذلك مما لا يمكن ضبطه
وأما التلميذ والاستاذ فالأمر فيما بينهما أخف لأن المحترم هو الأستاذ المفيد للعلم من حيث الدين ولا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه فله أن يعامله بموجب علمه الذي تعلمه منه
وروى انه سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال يعظه ما لم يغضب فإن غضب سكت عنه
 





0 التعليقات: