17‏/02‏/2015

العقد الإجتماعي 8

العقد الإجتماعي 8


         إن الحكماء الذين يتحدثون الى العامة بلغتهم لن يفهمهم العامة .

فهناك الالاف الكثيرة من الافكار التى لا يمكن ترجمتها الى لغة الشعب .

 كما أن التطرف فى التعميم ووجهات النظر البعيدة تسمو أيضا على إدراك الناس : إذ لا يتذوق كل فرد غير نظام الحكم الذى يتفق مع مصلحته الخاصة , ولا يقدر إلا بصعوبة المزايا التى تعود عليه من الحرمان المستمر الذى تفرضه القوانين الطيبه .

ولكى يتذوق شعب ناشئ المبادىء السليمة فى السياسة ويتبع القواعد الأساسية لمصلحة الدولة , يجب أن ينقلب الأمر فيصير المعلول علة , أى أن يسبق النظام تلك الروح الاجتماعية التى يجب أن تكون من صنع هذا النظام ؛ وأن يفعل الناس قبل وجود القوانين ما ستدفعهم هذه القوانين الى فعله . 

ومن هنا كان المشرع لا يستطيع أن يستعمل القوة ولا الإقناع , وعليه بالضرورة أن يلجأ الى سلطة من نوع أخر , سلطة تقود بلا عنف وتقنع بلا حجة .

                               

   الشعب

        كما أن المهندس المعمارى يفحص الأرض التى سيقيم عليها بناءه ويختبرها قبل ان يشيد بناء كبيرا حتى يرى إذا كانت ستحمل ثقله , كذلك يجب على المشرع الحكيم ألا يبدأ بوضع القوانين الصالحة فى ذاتها , ولكنه يبحث أولا ما إذا كان الشعب الذى يضعها من أجله يستطيع أن يتحملها .


         إن الاف الشعوب العظيمة ظهرت على وجه البسيطة ولكنها لم تستطع أن تتحمل قوانين صالحة ؛ وحتى تلك الشعوب التى استطاعت ذلك لم تداوم عليه سوى فترة قصيرة جدا من تاريخها الطويل .

 فمعظم الشعوب , مثل الأفراد , لا تكون مرنة إلا فى شبابها ؛ ولكنها عندما تتقدم فى السن يتعذر تقويمها .

والعادات متى استقرت وألوان التحيز متى تأصلت , تكون محاولة إصلاحها مهمة خطرة ولا طائل من ورائها ؛ والشعب لا يقبل حتى أن تمس مواطن ضعفه للقضاء عليها , مثل أولئك المرضى الأغبياء والجبناء الذين يرتجفون لرؤية الطبيب .



          فالشعب عندما يكون بدائيا قد يستطيع أن يجد سبيله الى الحرية , ولكنه لا يستطيع ذلك عندما تكون الأجهزة المدنية بليت .

 ومن ثم فإن الاضطرابات قد تقضى على الشعب دون أن تستطيع الثورات ان تعيده الى الحياة ؛ و بمجرد أن تتمزق روابطه يتفرق شذرا ولا يعود له وجود : وما يحتاج اليه عندئذ هو سيد وليس محررا .

 أيتها الشعوب الحرة , تذكرى هذه الحكمة ( الحرية قد تكتسب , ولكنها لا تسترد ابدا ) .

0 التعليقات: