20‏/03‏/2016

روح السياسة

روح السياسة



اسم الكتاب : روح السياسة 
اسم المؤلف : غوستاف لوبون 
اسم المترجم : عادل زعيتر
دار النشر :  مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة 
عدد الصفحات : 259

الفهرس:

اﻟﺒﺎب اﻷول:المقصد واﻟﻄﺮﻳﻘﺔ
١-روح اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ 
٢-ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎد وﻧﻈﺮﻳﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ 
٣-ﻃﺮق اﻟﺒﺤﺚ ﰲ روح اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ 

اﻟﺒﺎب اﻟﺜﺎﻧﻲ:اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ 

١-ﻣﺼﺪراﻟﻘﻮاﻧين واﻷوﻫﺎم اﻻﺷﱰاﻋﻴﺔ 
٢-ﻣﺴﺎوئ اﻟﻘﻮاﻧين 
٣-ﺷﺄن اﻟﺨﻮف ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ 
٤-ﻧﺸﻮء اﻟﺤﻘﻮق اﻹﻟﻬﻴﺔ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ 
٥-اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﰲ المﻌﺎرك اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ 
٦-اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﰲ المﻌﺎرك اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ 
٧-ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت وﺗﺄﺛيره النفسي 

اﻟﺒﺎب اﻟﺜﺎﻟﺚ: اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ 
١-ﺻﻔﻮة اﻟﺮﺟﺎل واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت 
٢-اﻹﻗﻨﺎع 
٣-ﻣﺰاج اﻟﻌﻤﺎل النفسي
٤-اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﺮﻏﺎﺋﺐ اﻟﺸﻌﺐ 
٥-المﺰاﻳﺪة اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻴﺔ وﻣﻘﺖ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻨﻴﺎﺑﻲ
٦-ﺗﻔﺎﻗﻢ اﻻﺳﺘﺒﺪاد 

اﻟﺒﺎب اﻟﺮاﺑﻊ: اﻷوﻫﺎم اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ واﻷوﻫﺎم اﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ 
١-اﻷوﻫﺎم اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ 
٢-اﻷوﻫﺎم اﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ 
 ٣-ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ اﻟﻔﻮﺿﻮي 


اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺎﻣﺲ: أﻏﻼط روح اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﰲ ﻣﺎدة اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر 

١-ﻣﺒﺎدﺋﻨﺎ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ 
٢-ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﱰﺑﻴﺔ اﻷورﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﻮب المﺘﺄﺧﺮة 
٣-ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻄﺒﻴﻖ أﻧﻈﻤﺔ أورﺑﺎ وﻣﺒﺎدﺋﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﻮب المﺘﺄﺧﺮة 
٤-أﺳﺒﺎب ﻋﺠﺰ اﻟﺤﻀﺎرة اﻷورﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺸﻌﻮب المﺘﺄﺧﺮة 
٥-ﻃﺮق اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ 


اﻟﺒﺎب اﻟﺴﺎدس:ﺗﻄﻮر اﻟﻔﻮﴇ وﻣﺼﺎرﻋﺔ  اﻻﻧﺤﻼل  اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ 
١-اﻟﻔﻮﴇ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ 
٢-اﺳﺘﻔﺤﺎل اﻟﺠﺮاﺋﻢ 
٣-اﻟﻘﺘﻞ اﻟﺴﻴﺎﳼ 
٤-اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ 
٥-اﻟﻨﺰاع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ 
٦-المقادير اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ و ﺗﺒﺪﻳﺪ المقادير

٧-اﻟﺪﻓﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ


رابط تحميل الكتاب  
http://www.hindawi.org/books/29293972/


10‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين ؟ 18

ماذا حدث للمصريين ؟ 18

مصر وحضارة السوق

كتب الأستاذ كارل بولانى " Karl Polanyi   " كتابا عنوانه ( الإنقلاب الكبير ) ، " The Great Transformation "

 وهو ظهور نظام السوق ، ويقصد ظاهرة أخطر وأعمق ، وهى بداية شمول عملية البيع والشراء ، بما فى ذلك الأرض والعمل الإنسانى .

      هذه الخصيصة : جميع الأشياء تصبح شيئا فشيئا قابلة للتسعير وقابلة للبيع فى مقابل كمية من النقود ، وأن هذه الخصيصة أهم بكثير من الفرق بين الرأسمالية والإشتراكية .

وكل ما كان يستعصى على البيع والشراء تحول إلى سلعة أو خدمة ذات ثمن معلوم ، وحتى الأشياء التى كان لها ثمن فى الماضى ، ولكنك متى دفعت الثمن استطعت الحصول منها على أى كمية تشاء ، وقد أصبح لها " عداد " بحيث  تزيد تكلفتها كلما إزداد استهلاكك منها كخدمة الإتصال التليفونى مثلا .

كان الحل العبقرى الذى تفتق عنه ذهن المنتجين والبائعين الباحثين عن أقصى ربح هو إكتشاف طريقة لكى تحل محل هذه الحاجة الطبيعية  لدى الإنسان التى يمكن إشباعها مجانا أو بتكلفة زهيدة ، حاجة جديدة أخرى لا تتمتع وسائل إشباعها بنفس الدرجة من الوفرة .

أحد الأمثلة الصارخة لذلك ما حدث من تحويل الحاجة لمياه الشرب إلى حاجة للمشروبات الغازية ، بحيث يكاد يستقر فى الذهن أن هذه المشروبات الغازية هى طريقة رى الظمأ ، فيتذكرها المرء بمجرد الشعور بالعطش بدلا من أن يتذكر الماء الطبيعى ، وهى بالطبع أقل ندرة من الماء الطبيعى ، ومن ثم أكثر ربحا .

      واختراع نظام " الموضة " حيث يتم عن طريقها إقناع المستهلك ،باحتياجه لملابس وأشياء جديدة تتبع الموضة  وتتغير الموضة فى الموسم التالى.

كان من بين نعم الله على منتجى السلع وموزعيها ، المناسبات والمواسم المختلفة كالأعياد القومية أو أعياد الميلاد ، أو حلول عام جديد ، والمناسبات الدينية أو مواسم العطلة أو دخول المدارس ....إلخ

فاخترع المنتجون والموزعون عيد الأم ، وكأن الأم يمكن أن يتذكرها المرء فى يوم معين .

واخترعوا يوما للحب سموه يوم " فالنتين " .

والراجح أن هذا الأمر لن ينتهى حتى تتحول أيامنا كلها إلى أعياد .

إن الكريسماس الذى بدأ كمناسبة دينية وعائلية محضة ، وهو يزيد طولا عاما بعد عام .

فأصبحت المحلات فى أوربا وأمريكا تبدأ فى الإعلان عنه قبل موعده بشهرين أو أكثر .

ترتب على هذا الإنتشار السرطانى لنظام السوق ، ان أصبح فن  "التسويق " من أكثر الأنشطة الإقتصادية رواجا وإدرارا للربح ، بل وأصبح علما يدرس ، وكمية  لا يستهان بها من المواهب .

فأصبح الرسام أو الموسيقى أو المغنى أو الممثل لا يجد عملا أكثر ربحية من عمله فى خدمة التسويق .

        فمع الإرتفاع المفاجئ فى الأسعار فى أعقاب ثورة النفط فى 73 -1974 ، ومع سحب الدولة يدها بالتدريج من التدخل لحماية ذوى الدخل المحدود ، ومع تدفق كميات غير معهودة من الأموال على مصر بسبب الهجرة إلى بلاد النفط ، إرتفعت حرارة نظام التسوق ، واشتدت قوة الدافع إلى تحقيق الثراء .

وأذا بكثير من الممتلكات العامة  يتحول إلى ممتلكات خاصة ، ومن ثم تجرى عليها عمليات البيع والشراء ، وما كان يتمتع به الجميع بلا مقابل كالحدائق العامة أوشواطئ البحر أو النيل ، يتحول كثير منه إلى أراض للبناء ، إما بغرض الربح ، أو لقصرالإنتفاع بهذه الأراضى أو الشواطئ على فئة معينة من الناس دون غيرها .

وأقبلت النوادى الرياضية على التنازل عن جزء بعد آخرمن أراضيها ومبانيها التى كانت متاحة لاستخدام الأعضاء بلا مقابل للترفيه أو التريض ، لتتحول إلى مشروعات تجارية لا تستهدف إلا الربح ناهيك بالطبع عن جهاز التليفزيون ، إذ إن فرص الربح هنا لا حدود لها .

فإذا بهذا الجهاز الإعلامى بالدرجة الأولى قد تحول إلى جهاز إعلانى من الطراز الأول ، تتحكم الإعلانات ليس فقط فى توقيت إذاعة البرامج ، بل وفى مضمون هذه البرامج نفسها .

شهر رمضان ، هذا الشهر أيضا قد جرى عليه حكم نظام السوق ، وكاد فانوس رمضان أن يحتل مركزا مماثلا للمركز الذى تحتله الآن فى الغرب شجرة الكريسماس التى تحولت إلى رمز وشعار لا يمكن  أن يكتمل الإحتفال بالكريسماس بدونه .

       هكذا يتحول فانوس رمضان الآن شيئا فشيئا إلى أن يصبح  رمزا وشعارا لشهر رمضان ، وقريبا يصبح الفانوس ركنا من الأركان  التى لا يقبل الصوم بدونها ، مثلما حدث بالتدريج  لفوازير رمضان التى أصبحت بدورها سمة ثابتة من سمات هذا الشهر .

 هكذا ترى أن زحف نظام السوق قد أخذ يطبع حياتنا الدينية بطابع وثنى .

إن نفس الجريمة التى إرتكبها هذا النظام ضد المسيحية يرتكبها الآن ضد الإسلام .          


انتهي بحمد الله تلخيص الكتاب 

ماذا حدث للمصريين ؟ 17

ماذا حدث للمصريين ؟ 17

                     الإقصاديون المصريون

يصعب أن نعثر على متخصصين مصريين فى علم الإقتصاد قبل العشرينات من هذا القرن .

ومن ثم فمن الممكن إتخاذ مطلع العشرينات نقطة البداية لتتبع تطور الفكر الإقتصادى المصرى ، فى الجامعة المصرية التى تأسست فى مصر فى 1908.

كانت مصلحة الإحصاء والتعداد قد تكونت ، كإحدى مصالح وزارة المالية منذ 1905، وكانت مصر قد أجرت أول تعداد للسكان فى 1882 .

لم تكن تعتبر تنمية مصرالإقتصادية بالمعنى الذى نفهمه الآن واحدا من أهدافها ، بل كان الهدف هو " الإدارة الإستعمارية الكفء " وهو شئ مختلف تماما عن التنمية الإقتصادية .

إن أفضل من يقوم بهذه " الإدارة الإستعمارية الكفء " هم بالطبع السياسيون والخبراء البريطانيون أيضا المقيمون فى مصر دون حاجة تذكر إلى إقتصاديين مصريين .

ها هو ذا رجل يتطلع إلى المستقبل بدلا من الماضى ، ويشغله تطور الصناعة المصرية بدلا من الزراعة .

وعلى الرغم من أن طلعت حرب كان إقتصاديا عمليا وليس أكاديميا ، فإن كتاباته وخطبه ومقالاته ومذكراته وتقاريره الإقتصادية تشكل علامة مهمة فى تطور الفكر الإقتصادى المصرى ، وتذكر بشدة بكتابات التجاريين فى أوربا إبان عصر النهضة  .

فى 1960 تم إفتتاح إول كلية متخصصة فى الإقتصاد وهى كلية الإقتصاد والعوم السياسية بجامعة القاهرة .

ففى خلال الخمسة عشر عاما التى أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية ،

 شهدت مصر إزدهارا ملحوظا فى الحياة الثقافية والفنية يقارب إن لم يفق ما شهدته من إزدهار فى العقد التالى للحرب العالمية الأولى .

وتفسير ذلك فى رأيى إجتماع عدة ظروف فى نفس الوقت : حركة وطنية خلفت شعورا بالتفاؤل بالمستقبل ، 

ودرجة عالية من الاستقرار السياسى ومن التفاعل الصحى مع الثقافات الأجنبية ، مع توفر مستوى عال من التعليم والثقافة لهذا الجيل من الإقتصاديين والكتاب والفنانين بوجه عام .

        مع إزدياد تدخل الدولة فى الإقتصاد بعد منتصف الخمسينات زاد إلحاح الدولة على المثقفين بمن فى ذلك أساتذة الجامعات بأن يقوموا بالتعبير والترويج للأيدولوجية التى تتبناها الحكومة ، ولكن من حيث أن الحكومة فى البداية لم تكن هى نفسها تعرف بوضوح نوع هذه الأيدولوجية .

فإن التوجيهات الصادرة من الحكومة كثيرا ما كانت تتعرض للتغير المفاجئ ، وكثيرا ما تصبح متضاربة .
وقد سمح بعض الإقتصاديين لأنفسهم للأسف ، بمن فيهم بعض الأكاديميين ، بأن يستدرجوا إلى هذا المنحدر ، وبأن يولوا وجوههم إلى أى وجهة تحددها لهم السلطات .

هكذا بدأ الترويج للنظام التعاونى فى منتصف الخمسينات ، تلاه الترويج لأسلوب التخطيط الإقتصادى فى أواخر الخمسينات ، ثم للإشتراكية العربية إبتداء من 1961 ، ممزوجة ببعض ملامح الماركسية فى أعقاب 1964 .

بينما أسرع بعض الإقتصاديين الأكثر استعدادا للخضوع لرغبة السلطات إلى كتابة ما تريد السلطة أن تقرأه ،

 بدأ الإحباط يخيم على من كان منهم أكثر استقلالا فى الرأى خاصة وهم يرون قلة حظ من إختار التفرغ للبحث غير المنحاز ، وقد فضل بعض هذا الفريق أن يترك الجامعة برمتها ويبحث عن عمل خارج البلاد .

     سمير أمين ، عندما أراد سمير أمين أن يكتب نقدا لسياسة عبد الناصر الإقتصادية فى الستينات اضطر إلى استخدام اسم مستعار هو " حسن رياض " ، ولكنه حتى بعد وفاة عبد الناصر لم يستطع العودة إلى مصر ، فقد إحتاج ذلك إلى وفاة السادات أيضا .

تحول تمويل البعثات الدراسية فى الخارج شيئا فشيئا من الحكومة المصرية إلى الكومات أو المؤسسات الأجنبية .
 مكاتب الاستشارات الأجنية داخل مصر كان من الآثار المهمة لهذه التطورات ذلك الأثر الحتمى لطبيعة الهيئة المانحة للتمويل على نوع وإتجاه البحوث الممولة .

     كان لابد أن يترتب على ذلك فقدان الباحث لاستقلاله ، ليس فقط فى تحديد الموضوع الذى يقوم ببحثه وفى تحديد الإتجاه العام الذى يسلكه بل وفى النتائج التى يصل إليها ، إذ ليس من الصعب عادة أن يخمن المرء أى نوع من النتائج تحب الهيئة الأجنبية أو الدولية الممولة أن يصل إليه البحث فى النهاية .


   وهكذا فإن تحرر الباحث من تدخل الدولة وسيطرتها لم يكن يعنى فى الحقيقة استرداد الباحث لحريته واستقلاله ، بل كان يعنى فى كثير من الأحوال خضوعه لنوع آخر من السيطرة ، ليس بالضرورة أقل ضررا ، 

وهى سيطرة المؤسسة الأجنبية أو الدولية ، وإذا بالحياد المزعوم للبحث اللإقتصادى لا يزيد عن أن يكون حيادا ظاهريا وموهوما . 

ماذا حدث للمصريين ؟ 16

ماذا حدث للمصريين ؟ 16

الموسيقى والغناء

كان عبد الحليم حافظ موهوبا بالطبع ، ولكنه كان أيضا محظوظا ، إذ صادف نضج موهبته هذا التحول الإجتماعى الباهر .

        إذا أمعن المرء فى المقارنة بين وقتنا الراهن وبين الأربعينات  لوجد أوجه شبه أخرى مدهشة : فالإرهاب والتطرف موجودان  فى الحالين ، والشعور بالإحباط وقلة الحيلة موجود أيضا فى الحالين .

( بل إن من الممكن أن يذهب المرء إلى أبعد من هذا فى التاريخ ويعقد مقارنة مماثلة بين حالة الموسيقى والغناء قبل ثورة 1919 وبين ما شاع فيهما وفى مختلف جوانب الثقافة المصرية من إزدهار بعد تلك الثورة ) .

فهل لنا أن نأمل فى حدوث شئ مماثل يعيد الإزدهار والبهجة إلى الموسيقى والغناء وسائر جوانب الحياة الثقافية فى مصر كما حدث من قبل مرتين :
مرة فى أعقاب ثورة 1919 ، ومرة فى أعقاب ثورة 1952. 
                              
السينما

عندما أتذكرفيلم غزل البنات الذى ظهر فى نهاية الأربعينات ( 1949) والذى حقق نجاحا تجاريا هائلا بسبب عبقرية أنوروجدى التجارية التى جعلته يضم إلى الفيلم أكبر الممثلين والمغنيين ، ولو لدقيقة واحدة أو دقيقتين ، عندما أتذكره يبدو لى الفيلم وكأنه بمثابة حفل توديع ضخمة لعصر بأكمله.

لقد توفى نجيب الريحانى بطل الفيلم بمجرد أن إنتهى من تصويره ، وسرعان ما لحق به نجيب سليمان وأنور وجدى ، البطلان الآخران .
 وكان هو آخر فيلم يظهر فيه محم
د عبد الوهاب ، أما يوسف وهبى فكان من الواضح أن عصره الذهبى قد ولى ، لقد إنتهى فيلم الريحانى وهو يبكى عندما أدرك أن من يحبها (ليلى مراد) التى تصغره بكثير ، تحب شابا من عمرها (أنور وجدى ) .
.....
...........
أفلام السينما الإيطالية الواقعية التى كانت متربعة على عرش السينما العالمية فى الأربعينات والخمسينات .
أفلام فللينى وانطونيونى ، قامت الدنيا وقعدت لدى رؤية فيلم " الحياة الحلوة " لفللينى ، ثم فيلمى " الليل " ، و" المغامرة " لانطونيونى .

أفلام دى سيكا ، وأفلام انجمار برجمان السويدى .

وفى الهند ظهرت للمخرج العظيم " ساتيا جيت راى " (Satyajit Ray ) فى النصف الثانى من الخمسينات ، ثلاثيته الشهيرة الشهيرة " باثار بانشالى، والمنتصر وعالم أبو " التى تصور قصة حياة عائلة فقيرة فى البنجال ، والتى علق عليها المخرج اليابانى الشهير كوروساوا بقوله " إن من لم ير أفلام (راى) كمن عاش فى هذا العالم دون أن يرى الشمس أو القمر " .

واستمر " راى " ينتج فيلما عظيما بعد الآخر حتى التسعينات ، دون أن يبدر منه  أى شئ يدل على ضعف الولاء لثقافة الهند وقيمها .

أما فى الغرب فقد استمر الإتجاه الذى بدأ فى أوائل الستينات يزداد قوة عاما بعد آخر وهو الإتجاه الذى كان يعكس بوضوح تام ما كان يحدث فى الحضارة الغربية بوجه عام :

إتجاه متزايد نحو الإباحية والتسامح مع كل الأهواء وكل النزعات الفردية مهما كانت درجة جموحها ، وإهتمام متزايد بالتكنيك أو(أسلوب وطريقة الإنتاج ) على حساب المحتوى والفكرة ، والإتجاهان مترابطان بلا شك .

فالإهتمام المتزايد بالتكنيك والإهمال المتزايد للقصة والموضوع ، يعكسان إعتقادا متزايد القوة بنسبية كل الأفكار ، ليس هناك موقف ، أو أيدولوجية أفضل من غيرها ، كل شئ جائز ،

 وكل الآراء على قدم المساواة ، فلماذا نتحمس لأحدها على حساب الآخر ؟

 وكذلك كل الأهواء والنزعات الفردية مهما كانت غريبة وشاذة ، فلماذا لانسمح لها كلها بالتعبير عن نفسها ؟ وكلا الإتجاهين يعكسان الرخاء المتزايد والتقدم التكنولوجى البالغ السرعة .

ولكن السبعينات والثمانينات حملت إلينا ما لم نكن نتصور حدوثه ، فالإباحية فى الفن والحياة فاقت كل الحدود ، وإذا بمعظم الأفلام التى تحظى بأكبر قدر من التعظيم والتكريم ، يصعب التمييزفيها بين ما يمكن إعتباره عملا فنيا حقيقيا وبين ما تقتصر مهمته على مجرد الإثارة الجنسية مهما إقترن بالتظاهر بالعمق .

وبعد أن كان الشذوذ الجنسى يطل برأسه على استحياء فى الستينات ، كاد فى أواخر الثمانينات يصبح من الواجبات المفروضة على المخرج من أجل ضمان النجاح تسويق الفيلم.

كذلك سيطر التكنيك سيطرة أصبحت معها الفكرة غير لازمة على الإطلاق .

وقد عدت لأختبرأفكارى ومشاعرى، إلى رؤية بعض الأفلام  التى تحمست لها فى مطلع الستينات كفيلم " الحياة الحلوة " لفيللنى ،و"المغامرة " لأنطونيونى ، فراعنى ما فى الفيليمين من خواء وتفاهة ، وتعجبت كيف أمكن خداعنا بهذه السهولة عن طريق بعض الحيل البسيطة .

عثرت مثلا على أفلام وودى ألن Woody Allen الرائعة ،
التى تقوم الآن فى رأيى بدور مماثل لما كانت تقوم به سينما شارلى شابلن فى فترة ما ين الحربين العالميتين ، كلاهما نقد للعصر ، رائع ونافذ وواضح تمام الوضوح .


والطريف أن نلاحظ أن وودى ألن لا يبدأ فيلمه بأن ينسب الفيلم كله لنفسه ،
 بل يخبرنا فقط بما صنعه فيه ، حتى ولو كان صاحب قصة الفيلم وكاتب حواره فضلا عن إخراجه وتمثيله ، 

تماما كما كان يفعل شارلى شابلن ، الذى لم يصح بنا قط قائلا أنه فيلسوف عصره ، بل تركنا لنكتشف ذلك بأنفسنا. 

ماذا حدث للمصريين ؟ 15

ماذا حدث للمصريين ؟ 15

الإزدواجية الإجتماعية

إنقسام طبقى حاد : العاصمة المتضخمة والمزدحمة بسكانها والتى تسير فى شوارعها سيارات المرسيدس الفاخرة إلى جوار عربات الكارو .

الفتاة التى ترتدى أحدث موديلات الأزياء الغربية وهى تحاول عبور بركة من المجارى الطافحة .

أحدث أساليب تكنولوجيات الإعلام وهى تستخدم لبث أسخف البرامج التليفزيونية وأبعدها عن العقل ..إلخ .

ليس هناك أى ود حقيقى بين العالمين ، ولا يمكن أن يقوم ود حقيقى بينهما ، بل الأرجح ، كما يوحى الفيلم  -  المنسي - فى النهاية ، أن الصدام  بينهما حتمى ، وأن المسألة فقط هى مسألة وقت .

أول ما لفت نظرى هو نوع الشريحة الإجتماعية التى كانت تمثل الطبقة العليا عند الريحانى ، وما يقابلها عند عادل إمام.

       فهؤلاء "الذوات" عند الريحانى كانوا فى العادة ذوى بشرة ناصعة البياض تشوبها بعض الحمرة ، وتشير من طرف خفى أو صريح إلى العنصر التركى الكامن فى عروق هذه الطبقة .

بالمقارنة بهؤلاء تجد طبقة الذوات مصرية صميمة ( ككرم مطاوع مثلا ) ولولا نوع القماش الذى يرتديه أفراد هذه الطبقة ، والسيارات التى يركبونها لظننت أنهم مثلى ومثلك .

هى طبقة حديثة الثراء جدا ، إحتلت مراكزها الجديدة بسبب ظاهرة الحراك الإجتماعى السريع جدا الذى حدث خلال نصف القرن الماضى .

يرتبط بهذا الإختلاف الشديد فى مصدر الثروة والدخل ، فالذوات عند نجيب الريحانى هم تقريبا بدون استثناء ، ملاك أرض زراعية شاسعة ، أما عند عادل إمام فمصدر الثروة والدخل أمور مريبة بالفعل للغاية فكرم مطاوع فى فيلم "المنسى" مدين فى تكوين ثروته لأعمال تترواح بين أعمال السمسار والقواد والمسهلاتى .

عند نجيب الريحانى ربما كان ابن الذوات طفيليا حقا ، ولا ينتج بنفسه ، ولكن مصدر رزقه الواسع كان شيئا منتجا هو الأرض الزراعية  .

أما ابن الذوات عند عادل إمام ففضلا عن كونه طفيليا ، فإن مصدر رزقه الواسع أمور عليها ألف شائبة من الناحية الأخلاقية .

أضف إلى هذا الصعود السريع الذى أحرزه الذوات عند عادل إمام قد صبغ علاقتهم بأهل الشرائح الدنيا بسمات مهمة ، لم تكن موجودة عند ذوات نجيب الريحانى .

إن كرم مطاوع ( الذى يمثل الذوات الجدد ) ينظر إلى عادل إمام ( الذى يمثل مساكين اليوم ) بكراهية حقيقية ، 

وخوف مستطير ، إذ أن عادل إمام يمثل له ماضيه القريب جدا الذى يحاول نسيانه وينكره إنكارا ، بينما كان سليمان نجيب ( الذى يمثل الذوات القدامى ) ينظر إلى نجيب الريحانى ( الذى يمثل المساكين القدامى ) بعطف حقيقى مقترن بالإهمال والتجاهل .

كان الذوات عند نجيب الريحانى يشعرون رغم كل إرتباطهم بالثقافة الغربية ، بنوع من الإنتماء لبلدهم وثقافتهم الذى أصبح مفتقدا بشدة لدى ذوات عادل إمام .

كانت دخولهم بالجنيهات المصرية ، أما ذوات عادل إمام فلا يتعاملون إلا بالدولار .

كانت مصر فى نظر ذوات الريحانى هى مصدر رزقهم الحقيقى ، أما ذوات عادل إمام فمصدر رزقهم هم الأجانب.

ومن ثم فقد كان الملاك الكبار يعرفون فى داخل نفوسهم سواء إعترفوا بذلك أو لم يعترفوا ، أن الفلاح المصرى هو سبب نعمتهم الحقيقي .

أما الآن فالفلاح المصرى والعامل المصرى والموظف المصرى ، كلهم فى نظر ابن الذوات الجديد ، وجودهم كعدمهم ، بل ربما كان عدمهم أفضل ، إذ هم يأكلون ويشربون ويطالبون بدعم الرغيف .
على أن هناك نقطة تستحق الإنتباه ، فالظاهر أنه وإن كانت الإزدواجية مستمرة وآخذة فى التفاقم ، فإن هناك درجة معينة من الإزدواجية لا يستطيع المجتمع تحملها .

يظل السلام ممكنا بين الفريقين طالما أن الإزدواجية لم تبلغ هذا الحد ، ولكن السلام يصبح مستحيلا متى تجاوزته .


بل تنتهى والفريقان متربصان أحدهما بالآخر ، والأمر ينبئ أن المعركة  قادمة لا محالة ، بل لعلها قاب قوسين أو أدنى .