17‏/02‏/2016

روح التربية 19

روح التربية 19

الفصل التاسع
التربية بواسطة الجيش

أثر الخدمة العسكرية فى التربية

الإرادة والابتكار وضبط النفس والقدرة على احتمال المكروه ومضاء العزم كل هذه الخلال لا يمكن أن نطلبها إلى الجامعة لأنها لا تمنحنا إياها بل تمحوها من نفوس الشبان إذا أخذوا منها بنصيب .
فهل توجد وسيلة أخرى لكسب هذه الخلال غير الجامعة ؟

    نعم ، هى الجيش ، والجيش وحده قادر على أن يصلح ما أفسدت الجامعة .

     يضاف إلى قانون الخدمة العسكرية الإجبارية التى تمتد إلى ثلاث سنوات قانون آخر يقضى بأن لايصل إلى مناصب الدولة مهما تكن من أحد إلا إذا أمضى فى الجيش خمس سنين فى رتبة صف ضابط .

     إن طبقة الأساتذة والمفكرين تكره الجيش وتمقت الخدمة العسكرية التى تسلبها امتيازاتها وهى تحتج بذلك بأن الخدمة العسكرية تضيع على الطلاب ثلاث سنين وتنسى أن هذه السنين الثلاث أنفع للطالب وأجدى عليه من سنين ثلاث يقضيها فى قراءة الكتب واستظهار ما لا يفيد ،

وتنسى شيئا آخر وهو أن غير الطلاب من العمال والزراع يضحون فى سبيل الخدمة العسكرية بثلاث سنين من عملهم وزراعتهم ولا يأسفون لهذه التضحية وهم ليسوا أقل خطرا من الطلاب ولا الأساتذة المفكرين . 
      فكرة احتقار الجيش التى انتشرت فى هذه الطبقة المفكرة خطرة كل الخطر ، يكفى أن تنتشر فى الشعب لتفقد الأمة الفرنسية وجودها السياسى .


النتائج الاجتماعية للقوانين العسكرية القديمة

إنهم فى الجيش يجدون ما هم فى حاجة إليه من النظام وحبه والخضوع له ، ومن التضامن والتعاون وضبط النفس وأخذها باحتمال المكروه ، ومن حسن التصرف فى الحياة والتغلب على المصاعب .

أثر الضباط فى التربية

الضباط كل شئ فى الجيش فإذا صلحوا صلح الجيش ويجب ليصلح الضباط أن يفهموا أنهم مربون من جهة وأن يحسنوا الأمر من جهة أخرى ، أما فهم أنهم مربون فموقوف على المدرسة الحربية ، 

يجب أن يتعلموا فيها من مناهج التربية ما يمكنهم من أن يحسنوا التأثير فى نفوس رجالهم ، وأما إجادة الأمر فموقوفة على إجادة الطاعة ، وإذن فيجب أن يعمل الضباط عمل الجندى مثلا سنة ليعرف كيف يطيع ، فهو إذا أحسن الطاعة أحسن الأمر .

         إذا وصل الفساد والاضطراب وعدم الاكتراث إلى الجيش من أمة من الأمم فقد دنت ساعة الانحطاط .

        التربية خليقة أن  تمنح الشعب الذى يرد الحياة ماهو فى حاجة إليه من الخلال  ، وقد عرف الجيش والجامعة فى ألمانيا كيف يتعاونان على إصلاح التربية ووفقا إلى ذلك ولم يوفقا فى فرنسا .
            
           
الآراء التى يبذرها القلم تنتهى دائما إلى الإنبات مهما تكن الأرض التى بذرت فيها صخرية مجدبة . 

        اختيار مناهج التعليم أشد أثرا وأجل خطرا بالقياس إلى الشعوب من تغيير نظمها السياسية والاجتماعية .

     مستقبل فرنسا رهين بالحل الذى ستنتهى إليه مسألة التربية .

     إن تطور العالم سريع وإذا لم نلائم بين حياتنا وبين هذا التطور فنحن هالكون ، كانت البلاغة والدقة النحوية والذوق الأدبى والفنى كافية فى وقت من الأوقات تتيح لبعض الشعوب أن يتقدم غيره فى الحضارة حين كان هذا الشعب يلقى بأموره إلى أيدى الآلهة أو الملوك ،

 أما اليوم فقد ماتت الآلهة ولا تكاد تجد شعبا يسلم نفسه حقا لسيد من السادة ، فليس للحكومات فى الحوادث إلا أثر قليل وقد خضعت إرادة المستبدين لقوانين اقتصادية واجتماعية ليس لهم فيها تأثير ، 

وأصبح الإنسان الذى كانت تحكمه الآلهة أو يحكمه الملوك خاضعا لطائفة من الضرورات ليس له منها مفر ولا مخلص ، وأصبحت نظم الحياة العامة لشعب من الشعوب رهينة بقوانين مصدرها العلاقات التجارية والصناعية والإقتصادية بوجه عام .

      وقد وصلنا إلى طور من الحياة تجعل خطر الأخلاق أجل من خطر الذكاء فليس للذكاء قيمة إذا لم يعتمد على القوة والإرادة وضبط النفس ، والتربية وحدها خليقة أن توجد هذه الأخلاق إذا لم تكلفها الوراثة .

        كل إصلاح لا خير فيه إذا لم تتغير نفسية المعلمين .

فقد أتممت عملى ولم أكن  أريد إلا أن أضئ السيبل لقوم مترددين مضطربين

                                                                                 تم اختصار الكتاب  
                                                                                   اللهم لك الحمد

روح التربية 18

روح التربية 18


الفصل الثامن
تربية أبناء المستعمرات

نقلنا مناهجنا التعليمية السيئة إلى المستعمرات التى نحكمها فأنتجت هذه المناهج بحكم الضرورة أقبح النتائج وأردأها ، ولقد تفضل المسيو "بول جبران " حاكم الهند الصينية فبين لنا فى هذه الصحف ما يجب أن تكون عليه مناهج التعليم فى المستعمرات فأنا أترك له الكلام :

      "تظهر التجربة أن الشعوب المستعمرة ولا سيما الشعب الفرنسى قد فشلت فى تربيتها 
للمستعمرات ، ذلك أن تربية أمة لأمة قد تنجح وتؤتى ثمارها إذا استطاعت الأمة المربية أن تنسى مثلها الاعلى الخاص وأن تضع أمام الأمة التلميذة مثلا أرقى قليلا من مثلها الأعلى الذى ألفته ،

وقد أراد تكوننا العقلى أن نعتقد أن جميع الشعوب المنحطة تشبهنا وتعدلنا فأخذنا أنفسنا بأن نربى هذه الشعوب كما نربى أنفسنا ونضع أمامها غايتنا الاجتماعية الخاصة فنضطر إلى تغييرعادات  هذه الشعوب وأخلاقها ونظمها المختلفة ونفسيتها نضطر إلى محاولة ما لا سبيل إليه.
    نغير النظم ونزعم اننا نغير العقل ، نؤثر فى العقل بالتعليم ونزعم أننا نؤثر فى الأخلاق ،نبتدئ البناء من أعلاه نؤثر فى النتيجة ونزعم أننا نؤثر فى العلة فنغير بهذا منهج الطبيعة ، ولا ينتج لنا هذا إلا نتائج سلبية .


    هذه اللغات الأوربية بعيدة كل البعد عن عقول هؤلاء الناس ، ومصدر هذا أن هناك صلة قوية بين اللغة وبين تكوين المخ فى الأمم التى تتكلمها ،

 وإذا كان العقل فى تطور مستمر يخلف باختلاف العصور والأمكنة فاللغة خاضعة لهذا التطور نفسه وإذن فلغة الفرنسييين لا تلائم عقل الهنود بل إن هناك ألفاظا تدل على معانى يظهر أنها مشتركة بين الناس جميعا والحق أنها مختلفة كل الاختلاف .

     إلغاء الجامعة الهندية الصينية التى أنشأناها لنشر العلوم والمناهج الأوربية باللغة الفرنسية فى الشرق الأقصى والتى كانت تتألف من أقسام مختلفة للحقوق والإدارة والعلم والأدب ألغينا هذه الجامعة لأننا رأينا لم تخرج إلا شبابا متهوسيين خطرين علينا وعلى أمتهم.

       مسيو" فوييه "يقول إننا  نرى فى القوانين عصا سحرية تمس النظم فتصلحها ، يكفى أننا نصدر القانون لتغيير الأخلاق والعادات والملكات .

      المادة الأولى : الفرنسيون جميعهم فضلاء .

      المادة الثانية : الفرنسيون جميعهم سعداء .

وقد أظهرت التجربة ألا نفع للتربية إذا لم تكن ملائمة لما استقر عليه من الأخلاق والعادات والنظم .

   ويجب أن يكون هذا التعليم ملائما لأطوار هذه المستعمرات وإذا حققنا النظر فى أمور هذه المستعمرات عرفنا أن التعليم الأولى وحده يكفى لحاجتها فهى غير محتاجة إلى التعليم الثانوى والعالى بل غير قادرة على تحملهما ،

يجب أن يكتفى بالتعليم الأولى وبالتعليم الفنى بل وأن نسير فى هذا التعليم الفنى على حذر شديد ،فليس ينبغى أن ننقل لهذه المستعمرات من التعليم الفنى إلا ماهى محتاجة إليه ، التعليم الزراعى فى البلد الزراعى ، والتعليم الصناعى فى البلد الصناعى ،

بل يجب أن نقتصد فى هذا أيضا فلا نعلم أهل البلاد الحارة زراعة البلاد المعتدلة ، يجب أن نبدأ فى هذا التعليم مقتصدين فنغير فى هدوء ولطف ما ألف هؤلاء الناس من مناهج الزراعة والصناعة قليلا قليلا ،

فإذا رأينا أن ندخل عليهم من الزراعة والصناعة ما لم يألفوا فلنترفق فى ذلك ولنقتصد فيه ولنتبع هذه القاعدة حتى مع المستعمرات التى تسكنها أمم متحضرة كألأناميين والعرب ،

 هذه الأمم ليست فى حاجة إلى المهندس ولا  الطبيب من أبناءها وإنما هى فى حاجة قبل كل شئ إلى الزارع والعامل فى هذا النحو من التعليم نفعها وفيه نفعنا أيضا ،

 فإذا جاء الوقت وتمكنت هذه الأمم بحكم التطور البعيد الطويل من أن ترقى إلى التعليم الثانوى أو العالى فلتأخذ بنصيبها منه ، يجب أن نتقى الإسراف فى كل شئ . 


  الأمم القوية لا تستطيع أن تستغل مستعمراتها إلا  إذا بثت فيهم فكرة الحرية والطموح إلى الاستقلال فالاستعمار يهدم نفسه بنفسه وكذلك الأمر فى كل شر وفى كل جور.

روح التربية 17

روح التربية 17

الفصل الرابع
تعليم التاريخ والآداب

ربما كان الوجه أيضا أن نسلك فى هذا النحو من التعليم السبيل العملى فتعرض على التلاميذ صورا فوتوغرفية لآثار الحضارة  ويطوف بهم الأساتذة فى المتاحف فهم إذا رأوا آثار الحضارة استطاعوا أن يفهموها ويفكروا فيها بنوع ما ، بينما الاستظهار والحفظ عن ظهر قلب لا يفيدان إلا التعب والكد .

الفصل الخامس
تعليم اللغات

يجب أن تقرأ تراجم ألمانية لكتب إنجليزية لك بها عهد ، فذلك يعينك على إتقان اللغتين دون الحاجة إلى الأستاذ  ولكن على أن تتخير الكتب السهلة العادية لا آثار الكتاب والشعراء المعروفين .
     ولا ينبغى أن نفترض أن هذه الطريقة تحرم التلميذ درس النحو فهو يدرس النحو أحسن درس بهذه الطريقة اللاشعورية التى تحول النحو إلى ملكة راسخة لا إلى تكلف وتعمل .

الفصل السادس
تعليم الرياضة

ليست علوم الرياضة فى حقيقة الأمر إلا لغة من اللغات فليس من شأن درسها أن يقوى الذكاء أو ينمىه فما عرفنا أن درس لهجة من اللهجات ينمى الذكاء ،هى لغة من اللغات فيجب أن تدرس كما تدرس اليابانية أو الإنجليزية

وأن يبدأ بدرسها منذ الطفولة ولكن يجب أن تدرس على نحو يخالف كل المخالفة النحو الذى تدرس عليه الآن ، فلو أن اللاتنيين يقدرون نفسية الأطفال لعرفوا منذ زمن طويل أنه لا ينبغى أن يأخذ الطفل بالتفكير المجرد والمقارنة بين المجردات قبل أن يعرف الأشياء المركبة ولانتفعوا بهذه النظرية فى تعليم الحساب وفى تعليم النحو معا .

     وإذن فيجب أن  تدرس الرياضة على أنها علوم تجريبية .

     الطفل كما قلنا لن يفهم المجردات إلا إذا انتقل إليها من المركبات .

الفصل السابع
تعليم العلوم الطبيعية وعلوم المواليد الثلاثة

تعليم علم المواليد –الأحياء -

إنما ينبغى أن تدرس فى الحدائق والغابات ومتاحف التاريخ الطبيعى وما يشبه ذلك مما يجد فيه التلميذ موضوع الدرس لا وصف هذا الموضوع .

درس العلوم التجريبة فى المدارس الثانوية

"يجب أن تستوحى الطبيعة لا أن تستوحى الكتب فلم يخترع الإنسان علم الطبيعة وإنما انتهز ملاحظات قدمتها إليه المصادفة فكررها وغير ظروفها واستخلص نتائجها فإذا خيلت إلى الطلبة أن الإنسان يستطيع أن يستغنى عن الحقيقة الواقعة التى هى مصدر العلم وأن يضع العلم بالتفكير المنطقى وحده فقد أعددت للبلاد شبيبة مغرورة عقيمة .

    هناك نوع من أنواع العلم له  أحسن الأثر فى التربية وتكوين العقل وتنمية الملكة العلمية لو عنيت به الجامعة ، ولكن الجامعة تزدريه ولعلها تجهله ، هذا النوع هو تاريخ الاستكشافات العلمية فإذا كان لتجربة أثرها فى إتقان فهم العلم فإن لهذا التاريخ أثره  فى إتقان الفهم أيضا ، بل فى إيجاد العقل العلمى عند التلميذ ، أرأيتك إذا بينت للتلميذ كيف وصل العلماء والمستكشفون إلى عملهم 

واستكشافاتهم ، وما سلكوا إليها من سبيل وما لقوا فى سبيلها من مصاعب وما اتخذوا من حيلة لتذليل هذه المصاعب كيف تفتح عقله وتنظم ملكاته وتغنيه بهذا الدرس النافع اللذيذ عن مجلدات عقيمة من النطق.

   ولكنك لن تستطيع أن تحسن مع التلاميذ درس تاريخ العلم والاستكشاف إلا إذا عنيت بدرسه درسا خاصا ، إلا إذا كلفت به واشتقت إليه ، وقليل جدا من الأساتذة من يعملون فى العلم عمل المجتهد لا عمل المقلد ولهذا قل أثر الأساتذة فى تكوين الذكاء وإن كثر عدد الناجحين من تلاميذهم فى الامتحان .
    نفع تاريخ الاستكشاف العلمى يبين له وجها جديدا ذلك أن الذين يدرسون تاريخ الاستكشاف يشعرون حقا بهذا الجهد العنيف الخصب الذى تبذله الجماعات الحديثة فى سبيل الوصول إلى العلم والحق ،

وإذا شعر التلميذ بهذا الجهد تبذله الجماعات الحديثة فى سبيل الوصول إلى العلم والحق ،وإذا شعرالتلميذ بهذا الجهد امتلأ قلبه حبا للجماعة التى هو منها ، وحسبك بهذا أثرا فى تكوين الوطنية الحديثة .

   ولترى معامل المعادن تستخدم 40000من العمال ولترى معامل المنسوجات الكيمائية تنتج مالا تنقص قيمته عن مليار فى السنة .

عظم أمر الصناعة فى ألمانيا وأشفق الصناع من الجمارك وضرائبها فتفرقوا فى أقطار الأرض ينشأون المعامل فى البلاد الأجنبية ويزاحمون أهل هذه البلاد فيزحمونهم ،

 لهم فى باريس معمل للأدوات الفوتو غرافية والمناظير المعظمة يستخدم 300 ويخرج مصنوعات أجود وأقل ثمنا من مصنوعاتنا ،

وبينما تقدم الألمان فى هذه الطرق الخصبة المنتجة يمضى تلاميذنا وأساتذتنا فى التعليم العقيم ، نعد أبناءنا للامتحان والمسابقة ويعدون أبناءهم لحقائق الحياة .
                          

روح التربية 16

روح التربية 16

الفصل الثالث
تعليم الأخلاق

المنزلة الخلقية هى مقياس ما تصل إليه الشعوب من الحضارة والقوة .

    فليس من نزاع فى أنها إذا تزعزعت أو انهار بناؤها فقد فسدت الحضارة وانحلت القوة وتعرض وجود الشعب للخطر .

   يجب أن تكون التربية الخلقية ككل نوع من أنواع التربية معتمدة على التجربة وحدها لا على المواعظ والحكم التى امتلأت بها الكتب والتى يستظهرها الأطفال فى غير جدوى .

    يجب أن تعلمه النتائج الحسنة أو السيئة ما للأعمال من نفع أو ضر ولا سيما إذا أخذ دائما باحتمال نتائج الأعمال التى يأتيها وإصلاح ما يجر على غيره من ضرر  .

ومن أعظم المؤثرات فى التربية شئ تعودنا ألا نقدره كما ينبغى وهو البيئة ، ذلك أن الطفل مفطور على التقليد يأتيه دون أن يشعر به وهو يقلد بطبيعة  الحال من يحيط به من أهله وذويه ، وهذا التقليد اللاشعورى هو الذى يكون فى نفس الطفل مع سهولة ويسرغرائز وعادات لم تكن التربية لتصل إلي تكوينها إلا بعد عسر وجهد .
 
 
 صدق" فوييه "  حين قال "يصل الأستاذ إلى غايته من علم الأخلاق إذا قال إن حب الأسرة والموت فى سبيل الوطن واجبان " .
  
 أما الشك في الأخلاق أو إنكارها  فليس هنالك شئ أشد خطرا على تكوين الطفل بل وجود الشعوب من هذا المسلك السئ ، ذلك لأن الأساتذة الذين تعلموا الشك وآثروه وبسطوا سلطانه على كل شئ يجهلون أن الشر كل الشر يكمن إنما هو فى تعليم الأطفال  أن يشكوا

 الآن الأمم لا تقوم على الشك والريب  تقوم على الإيمان واليقين ، وليس لأمة من الأمم وجود قوى منتج إلا إذا كان لها ايمان قوى صادق بمثل أعلى اتخذته لنفسها مطمحا .

    ليس للعقل أثر فى تكوين السنن والمثل العليا فإذا تعرض العقل لهذه السنن والمثل فلن يتعرض لها إلا بالنقد،


   وللإنجليز إحساس خاص بالحقائق الواقعة فهم يوفقون دائما بين آمالهم وأطوارهم الواقعة ومن هنا كانوا أقل الأمم اضطرابا لما ينالهم من  الأحداث .

روح التربية 15

روح التربية 15


الفصل الثانى

الأسس النفسية للتربية

المناهج النفسية للتربية

الأمر فى التربية كالأمر فى التعليم يجب أن يستحيل الشعورى إلى اللاشعورى،وربما كان ذلك أظهر فى التربية منه فى التعليم .

      تنمية الملاحظة والدقة تشتد الحاجة إليهما في كل وقت

      تنمية الميل إلى النظام والتضامن وقوة الحكم وما يشبهها : هذه الخلال من أشد الاشياء لزوما فى الحياة ، ولهذا عنى بها الإنجليز عناية شديدة فنموها فى نفوس الشبان بواسطة الألعاب التى سموها ألعاب مربية خطرة شاقة فلن يرضى عنها الفرنسيون الذين يحبون أبناءهم ، وأثرها فى التربية عظيم لأنها تبعث فى نفس الطالب الشعور بالقوة والتبعة والتضامن وما إليها من الصفات التى ضمنت للإنجليز السيادة .

هذه الألعاب التى لا نقدرها ويقدرها الإنجليز تكون فى نفوس الشبان خلقا جليل الخطر يكلف به الإنجليز كلفا شديد إذا شعر أحدهم بضعف هذا الخلق عنده تكلف الخطر وتجشم الهول لتنميته وتقويته ،وقد رأيت ضابطا إنجليزيا فى إقليم من أقاليم الهند الوسطى موبوء تنتشر فيه الأفاعى والحيوانات المفترسة بحيث يتعرض كل من خرج وحده  أثناء الليل  لضروب من الهلاك ،

 رأيت هذا الضابط ذات ليلة يخرج من الفندق وقد آوى الناس إلى مساكنهم فسألته أين يذهب وحده فى هذا الإقليم الخطر ،فاجاب فى خجل احمر له وجهه أنه يشعر بضعف قدرته على ضبط النفس فهو يخرج ليكتسب هذا الخلق  وقد عرفت بعد ذلك  أنه كان يخرج ليكمن للنمر فى مخبأ بعيد ليس من الممكن ان تناله فيه المعونة ، وهذا خطر جدا فقد  يمكث  الكامن فيه ساعات وربما مكث الليلة كلها دون أن يرى شيئا ولكنه قد يرى النمر وهو ملزم أن يتحدث إلى نفسه طوال كمونه بما ينتظره من الخطر وأن يستعد له فإذا أقبل النمر وجب على الكامن أن يكون من حضور الذهن ورباطة الجأش بحيث يستطيع أن يصوب النار إلى رأس النمر فيقتله فى ثانيتين أو ثلاث لأنه إن أخطأه أو جرحه فهو مقتول لا محالة ،بهذا التعرض للخطر يكون الإنجليز مزاياهم الخلقية وبهذه المزايا يسودون العالم ،تنمية الإرادة ومضاء العزم .
   
ولقد تحدث "بلاكى "عن الشاعر  "وردوث " 

أنه اعتزم ذات يوم أن يصعد

فى الجبل فاعترضته زوبعة ولكنه لم يعدل عن عزمه معلنا أن تغيير الرجل رأيه فيما اعتزم لان عائقا عرض له لا يخلو من خطرعلى الأخلاق، يعجب الإنجليز بذوى الإرادة والعزائم الماضية ، فيحبونهم ويكرمونهم مهما تكن جنسيتهم .

      خلق الإرادة ومضاء العزم ينقص اللاتنيين كثيرا وهم مع ذلك فى أشد الحاجة إليه فلولا ضعف هذا الخلق فى أنفس الفرنسييين لما كانت الهزيمة الأخيرة فقد كان لدينا جيش لا ينقصه الشجاعة ولا الذكاء وإنما كانت تنقصه الإرادة ومضاء العزم والقدرة على الابتكار والإعتماد على النفس ،فكان رؤساء الجيش على اختلاف طبقاتهم ضعافا مترددين بينما كان رؤساء الألمان من القوة الخلقية ومضاء العزيمة والإعتماد على النفس بحيث كان كل واحد منهم يقدم على الشئ شاعرا بخطر ما يقدم عليه،


    فلابد إذن من تربية هذا الخلق فى أنفسنا  والسبيل إلى ذلك كما قلنا هو أن يوضع التلميذ غالبا بحيث يحتاج إلى أن يعزم وحده فإذا عزم مضى فى عزمه حتى أتمه كله.

روح التربية 14

روح التربية 14

الفصل الثانى
الأسس النفسية للتربية

غاية التربية

التربية الصحيحة مقياس ما للأمم من قيمة ، وهى بذلك أجل من التعليم خطرا .

     فإذا سألت عن قيمة الفرد ماهى وما مقياسها أجابك اللاتينى :هى ما تعلم الفرد ومقياسها مانال الفرد من الشهادات ، ولكن الإنجليزى والأمريكى لايحفلان بهذه الشهادات ولا بالعلم إلا قليلا ، 

وقيمة الفرد عندهما خلقه وشخصيته وقوته الإرادية وقدرته على الإبتكار ، فهو إنسان إن حصل على هذه الخلال وهو إن حصل عليها قادر على أن يعلم فى كل وقت ما هو فى حاجة لأن يعلمه ، 

فالرجل عند الإنجليز والأمريكيين قوة عاملة مبتكرة معتمدة على نفسها .

أكرر أن الغاية الصحيحة للتربية انما هى تقوية بعض الأخلاق والصفات كالشخصية والابتكار والإرادة والشعور بالتضامن ومضاء العزم وما يشبه ذلك ، ولا سبيل إلى تقوية هذه الصفات إلا بتمرينها ولا سيما أقلها ظهورا عند الفرد ،

 وإذا كان الأمر كذلك فعمل التربية إنما هو تقوية الفضائل ومحاربة الرذائل ، ومن هنا لم تكن التربية واحدة بالقياس إلى الشعوب كلها ،فلكل شعب مزاياه التى يجب تقويتها ونقائصه التى يجب إضعافها ولن تكون التربية واحدة بالقياس إلى الإيطالى والروسى والفرنسى والزنجى .

     قليل جدا حظ اللاتينيين من الشعور بالتضامن والحب ،

     حظ اللاتنييين قليل من الإرادة .

     حظهم من التسامح قليل وكيف يعظم حظهم منه وهم لايشعرون من حولهم إلا بالتعصب فى كل شئ ، تعصب فى  الدين وتعصب فى التعليم ، فهم مترددون بين التعصب الدينى والتعصب الثورى 

روح التربية 13

روح التربية 13


أثر قانون تنادى الخواطر فى تكوين
                                          بعض الغرائز وخصال الشعوب   
  
الأصل فى كل كسب عقلى أنما هو استخدام قانون تنادى الخواطر فى تحويل الشعورى إلى لا شعورى وليست هناك وسيلة أخرى تؤدى إلى هذه الغاية .

وإليك بعض الملاحظاتالتي كتبت عن منهج التربية والتعليم لمدرسة كبرى ألمانية فى مدينة "كنيجسفيلد"وقد وجدت هذه الملاحظات فى جريدة "الطان" التى صدرت يوم 25 سبتمبر سنة 1901 بقلم مسيو "ماسون فورستى" :

 قاعدتهم فى التربية إنقاص الساعات التى يعمل فيها الطالب بنفسه غلى أقصى ما يمكن فهى لا تكاد تتجاوز الساعتين ،وهناك ست ساعات أخرى خصصت للدرس يتعلم فيها الطالب بأذنيه كما يتعلم بعينيه ، ولا يكاد يتجاوز الدرس ثلاثة أرباع الساعة والطلبة يستريحون كثيرا ويأكلون كثيرا أيضا ، 
ويتبع الطالب فى كل قسم الدروس التى تلائم قوته بحيث أن طالب كل قسم إذا كان ضعيفا  مثلا فى مادة من مواد القسم  فهو مضطرإلى أن يدرس هذه المادة فى القسم الذى دونه ،ولا يتجاوز عدد التلاميذ لأستاذ واحد اثنى عشر أو ثلاثة عشر ، وإذا عجزعن  أن يفهم شيئا فى الدرس فله بعد 

الدرس أن يخلو إلى الأستاذ ليفهم ما شق عليه ،  والعقاب المألوف إنما هو الصمت فيكلف الطالب أن يسكت أثناء  أوقات الراحة فى اليوم كله ،

 ويقولون إن هذه العقوبة مؤلمة جدا، ومع ذلك فهذه العقوبة مألوفة جدا لأنهم يرون فيها نفعا كثيرا ، فإن الطالب الذى يخضع لها كثيرا يتعود الصمت فلا ينطق إلا قليلا  ، ومن هنا فأكثر التلاميذ خضوعا لهذه التجربة يأمنون شر اللغط والثرثرة والفخر الكاذب ، يضبطون أنفسهم فيزنون ألفاظهم ويحسنون الاستماع ولا يؤذون الناس بألسنة حدادا ، وبهذا يأمنون عداوة الناس فى الحياة .

التعليم التجريبى

قال "كانط" : " إن أحسن طريقة للفهم إنما هو العمل ".

    التعليم يجب أن ينتج تقوية العقل والخلق والإرادة وأن يربى ملكة الحكم الصحيح ويوجد الشخصية الظاهرة فى الحياة .

      التجربة أظهرت أن التعليم المعتمد على الذاكرة لا يفيد وأن التعليم التجريبى وحده هو الذى يكون الإنسان ويمكنه من الفوز فى الحياة من الوجهة العملية ومن الوجهة النظرية أيضا .


    يجب أن تكون التجربة أساس كل شئ فى التعليم فهى وحدها التى تكون الإنسان .

روح التربية 12

روح التربية 12

الكتاب الخامس

روح التربية والتعليم

الفصل الأول
الدعائم النفسية للتعليم

أساس التعليم النفسى عند رجال الجامعة

نعرض هنا الأصول التى ينبغى أن تقوم عليها التربية والتعليم والتى ينبغى تطبيق هذه الأصول فى جميع فروع التعليم ، فهم يغيرون الكتب والبرامج دون أن يغيروا المنهج ومن هنا لا يفيد ما يقترحون من إصلاح ومن هنا هبط التعليم .

النظرية النفسية للتربية والتعليم
تحويل الشعورى إلى لا شعورى

البرامج متحدة عند كثير من الأمم  دون أن تتحد نتائجها ، بل قد يظهر اتحاد البرامج ويدهشنا اختلاف النتائج اختلافا عظيما ، ذلك لأن المربين من الأجانب قد استطاعوا أن يستكشفوا الأسس الصحيحة التى يجب أن يعتمد عليها المربى فانتهوا إلى نتائج لم نصل إليها نحن وإن  كانت برامج التعليم والتربية واحدة هنا وهناك.

ولقد يمكن اختصار القاعدة الأساسية للتربية والتعليم وهى أن التربية هى الفن الذى يعين على تحويل الشعورى إلى لا شعورى.

فإذا استحال الشعورى إلى لا شعورى بعث فى النفس حركة لا إرادية متصلة ،وإنما السبيل إلى هذه الغاية – وهى تحويل الشعوري إلى لا شعورى – هو قانون تنادى الخواطر فيجب على المربى أن يحدث فى نفس الطفل خواطر تنادى بعضها بعضا يشعر بها الطفل فى أول الأمر ثم تصبح جزءا لا شعوريا من نفسه ،

 ومهما يكن الشئ الذى تريد أن تعلمه للطفل سواء كان لغة أو فن اصطناع الدراجة أو ركوب الخيل أو التوقيع على البيانو فالحركة الآلية واحدة وهى تحويل الشعورى إلى لا شعورى بواسطة تنادى الخواطر الذى يخلق الحركة اللاإرادية .

        بل نستطيع أن نقول إن تكوين الأخلاق بنوع خاص قائم على هذه القاعدة فليس للأخلاق أثر فى الحياة إلا إذا استحالت من الشعوري إلى اللاشعورى ،

هنالك ترشدنا الأخلاق فى الحياة وليس للعقل أثر فى ذلك وليس للكتب أثر فيه بنوع خاص ، ولقد أظهر علم النفس الحديث أن أثر اللاشعورى فى حياتنا اليومية أشد وأبعد أثرا من الشعورى.

       وإنما ينمى هذا اللاشعورى بإيجاد الحركة اللاإرادية وهذه الحركة إذا تكررت أصبحت عادة فإذا تكررت فى أجيال مختلفة أصبحت خلقا مكونا للجنس ،

 وعمل المربى هو التأثير فى هذه الحركة اللا إرادية بحيث يقويها إن كانت نافعة ويضعفها أويزيلها إن كانت سيئة .

       وليس من شك فى أن الحركة اللاإرادية التى تخلفها التربية ليست من القوة بمكان الحركة اللاإرادية   التى بعد بها العهد ، ومن هنا كان أثر التربية ضعيفا فى تغيير الأخلاق والعادات التى توارثتها الجماعات والأجناس .

     والغاية العظمى التى ترمى إليها التربية إنما هى تنظيم الحركات اللاإرادية الموروثة .
الجماعات التى تقوم على الخوف من الشرطة لا قيمة لها .

      ومن اليسير أن تقاس سطوة الشعوب بعدد من فيها من أولئك القادرين على ضبط نفوسهم بواسطة هذا النظام الداخلى، ولقد يصيب الإنجليز حين يقدمون على الفضائل كلها فضيلة ضبط النفس ،

فهم مدينون لهذه الفضيلة بقوتهم وسلطانهم ،ولقد كان خليقا بالحكيم القديم أن يكتب على داره " اضبط نفسك بنفسك " لا  "اعرف نفسك بنفسك" فإن معرفة النفس  شاقة جدا ولا تنتج إلا التواضع بينما ضبط النفس يسير وهو ينتج القوة فى الحياة .

       يجب إذن أن يوجد المربى فى نفس الطفل حركات لا إرادية جديدة إلى جانب الحركات اللا إرادية الموروثة بحيث تقوى هذه الحركات الجديدة تلك الحركات الموروثة إن كانت نافعة أو تغيرها إن كانت سيئة ،

 النظام الخارجى يوجد النظام الداخلى إذا لم تكن هناك مقاومة وراثية فبحكم هذا النظام الخارجى يتعلم الصانع صناعته والجندى والبحار فنيهما وظاهر أن المناهج التى  تتخذ لإيجاد هذه الحركات اللاإرادية تختلف باختلاق الموضوعات ولكن الأصل واحد وهو تكرارالشئ  الذى يؤخذ الطفل  بتنفيذه حتى يحسن هذا التنفيذ .


وهذه القواعد بعينها صالحة لكل ما يكتسبه الإنسان سواء أكان  هذا علما أم فنا أم صناعة .

روح التربية 11

روح التربية 11

الفصل الرابع

مسألة الشهادة الثانوية وشهادة الدراسة
إصلاح الشهادة الثانوية


وإذن فقد استكشف الداء وهو الشهادة الثانوية التى حملت كل التبعة وباءت بالشر واللعنة ، ووصف الدواء وهو سهل : الغاء هذه الشهادة ،ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وضع بسرعة  مدهشة 

مشروع قانون  قدم إلى مجلس الشيوخ ،وهو غريب جدا لأنه يلغى الشهادة الثانوية ويعيدها فى وقت واحد على الطريقة اللاتينية التى تغير الألفاظ وتحسب أنها قد غيرت المعانى.

        ألغيت إذن الشهادة الثانوية ووضعت مكانها شهادة أخرى سميت شهادة الدراسة كما هى العادة فى ألمانيا ،ولم يفكر واضعوا هذا المشروع فى أن لفظ الشهادة الثانوية أو شهادة الدراسة ليس من 

شأنه أن يغير مناهج التعليم ونتائجه وفى الحق أنهم قد استغنوا عن امتحان الشهادة الثانوية بطائفة من الامتحانات السنوية تسمى امتحانات المرور ويؤدى أمام لجان تعقد فى كل سنة ، فكأنهم قد استغنوا عن امتحان واحد بامتحانات عدة


مع العلم أن هذه الشهادة الثانوية من آثار التعليم لا مؤثر فى هذا التعليم.


الفصل الخامس

مسألة التعليم الحديث و التعليم العملى
التعليم الحديث

فى هذا الوقت الذى يظهر فيه فشل التعليم الحديث فى فرنسا ظهر نجاح هذا التعليم فى ألمانيا نجاحا باهرا .
         وسبب ذلك أن الألمان لا يصلحون التعليم إلا قليلا قليلا ولا يذهبون فى ذلك إلا مذهب التدرج فهم قد أنشأوا مدارس متوسطة بين النظامين فيها الحظ القليل أو الكثير منهما فيتدرج الطلبة فى هذه المدارس وينتصر الحديث قليلا قليلا ، وكل هذا التاريخ يثبت ما قلناه غير مرة أن إصلاح 

التعليم لا يمكن أن يتحقق بإصدار المراسيم وأوامر الوزراء إنما ينبغى أن يسبقه تغيير العقائد والأراء ،ومن أن تغيير البرامج لا يفيد إذا لم يسبقه تغيير المناهج فليس هناك برنامج سئ إذا حسن الأستاذ وليس هناك برنامج حسن إذا ساء الأستاذ وجهل عن التربية .


التعليم العلمى

إننا نفسد بالتعليم النظرى ذكاء هذه المستعمرات وقوتها على العمل

وإذا وصلنا إلى هذه المنزلة تحققت ثورة عميقة تغير عندنا كل شئ ،وليس تحقق هذ الثورة شيئا مستحيلا فقد تحققت بالفعل فى أمريكا فأصبح الفرق بين الطبقات لا يكاد يوجد ، وإذاكان تحقق هذه الثورة لم يكلف أمريكا عناء شديدا فذلك لأن هذه البلاد لم تضطر إلى مقاومة سنن موروثة وعادات قديمة كما تضطر الشعوب اللاتينية وأمريكا لم تضطر كما نضطر نحن إلى محاربة جامعة قوية 

رجعية عدوة لكل رقى ، لذلك سهل عليها تحقيق هذه الثورة ، أما نحن فقد نحققها ولكن بعد عسر شديد ، وليس مصدر هذا العسر تمنعنا أو آباءنا  وإنما مصدر تمنع الموتى وآباءهم ، فالجهاد ليس بين الأحياء وإنما  هو بينهم وبين الموتى وقد انتصر الموتى إلى الآن ولكنهم لن يظلوا منتصرين .

الفصل السادس

مسألة التربية
ضعف أصول الجامعة فى التربية

مسألة التربية أجل خطرا من مسألة التعليم ،الخلق أشد تأثيرا فى الحياة من العلم ، فشلت الجامعة فى التربية كما فشلت فى التعليم .

      ولولا أنى عجل لألححت فى بيان قيمة التربية البدنية وأنها يجب أن تكون فى نفس المنزلة التى توضع فيها التربية العقلية بل يجب أن تقدم على هذه التربية فى السنين الأولى .

يعنى الألمانيون بالتربية البدنية وأعتقد أن إهمال هذه التربية البدنية شديد الخطر على مستقبلنا .

      وقد يكون من الخير أن تستبدل مناهج اليسوعيون بمناهج أخرى تبعث التلاميذ على أن  يعملواو يفكروا بأنفسهم ولكن ما هذه المناهج ، ذلك مالم يقله مسيو بايو ولا غيره من الذين اشتركوا فى التحقيق وإذا لم يقولوه فلأنهم جهلوه .


النظام المدرسى أساس التربية

ليس للعقل أثر عظيم فى حياة الأطفال .

     يخطئ الذين يعتقدون أن المربين من الإنجليز يعتمدون على العقل فى أخذ الأطفال بالنظام ، 
فالإنجليز لا يعتمدون على العقل وإنما يعتمدون على المنفعة التى هى الأساس المتين للحياة والتربية.

     التلميذ الإنجليزى حر يؤدى واجبه متى شاء وينتقل فى المدرسة كما يجب ولكنه خاضع للمراقبه فهو إذا أساء تأدية الواجب اضطر إلى أن يعيد تأديته وهو إذا أساء التصرف فى حريته فقد هذه الحرية وهو إذا لم يشتغل أو لم يمكن غيره من أن يشتغل طرد من المدرسة أو من المكتب فتضطره منفعته الخاصة إلى أن يتفهم النظام ويذعن له .

       أسوأ شئ فى مدارسنا هو هذه المراقبة التى تضايق الطفل وتثقل عليه ، فاترك له شيئا من الحرية واجتهد فى أن يعلم أن هذه الحرية ستسلب إذا أساء استعمالها ،لا تراقبه ولا تحاصره حتى إذا خالف النظام فأنبئه بأن هناك رقيبا ، دعه يخرج وحده إذا بلغ سنا معينة ،

فإذا أساء استعمال هذه الحرية فاستردها منه ، هذا شئ نافع وقد أخذ عدد غير قليل من الأساتذة يشعر بنفعه .


     إذا أردت أن يحسن الشاب الاعتماد على نفسه فى الحياة وجب عليك أن تترك له شيئا من الحرية .