23‏/12‏/2015

وثيقة المدينة 15

وثيقة المدينة 15

المبحث الثالث: رعاية حقوق الإنسان وتأكيد حرمتها

1- حق الحرية
2- حق الحياة
3- حق حرية الاعتقاد
4- حق العدل والمساواة
5- كفالة حرية الرأي
6- حق الأمن والمسكن والتنقل
7-حق الفرد في المعونة المالية (التكافل والضمان الاجتماعي)
حقوق الإنسان في «دستور» الدولة الإسلامية الأولى

1- حق الحرية

 أكد «الدستور» في بنوده من رقم (3 إلى 12) «أن كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف...» لكي لا يسترق ذلك الأسير ويصبح عبدا فاقدا للحرية، معتبرا هـذا الحق للفرد واجبا على المجتمع حمايته والمحافظة عليه؛ لأن الإنسان منذ ولادته يولد حرا لا يملكه أحد


2- حق الحياة
يتضح هـذا الحق عندما ننظر إلى العقوبات التي تضمنتها «الصحيفة» تجاه القاتل الذي ينهي حياة شخص دون حق « من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به » وينص البند رقم (40) على أن «الجار كالنفس...» فالحياة حق مشترك يتمتع به جيمع الناس دون تمييز أو تفرقة،
قال تعالى:
 (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (المائدة:45) 

وهذا ما يجعلنا نجزم بأن الحرص على حياة جميع المتساكنين في المدينة من غير استثناء لأحد كان مرعيا ومعتبرا في صياغة «الوثيقة»، فالآية رقم (32) من سورة المائدة التي تعزز بنود «الوثيقة» تقرر أن الاعتداء على نفس واحدة لم تقتل نفسا أخرى ولم تفسد في الأرض بقطع الطريق وترويع الآمنين يعد في حكم الإسلام اعتداءً على الناس جميعا
كما أكد النبي صلي الله عليه وسلم 
 على حق الحياة في خطبة حجة الوداع
  حيث جاء البند الأول منها قوله
) (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هـَذَا فِي شَهْرِكُمْ هـَذَا فِي بَلَدِكُمْ هـَذَا
إن حق الحياة في «الوثيقة» هـو في أعلى مرتبة من الاعتبار بالنسبة إلى سائر حقوق الإنسان؛ لأنه أصل الحقوق وأساس تحققها.
3- حق حرية الاعتقاد

«الوثيقة» أعلنت من أول وهلة للإنسانية مبدأ مهما من مبادئ حقوق الإنسان، مبدأ عدم الإكراه في الدين، وأعطت في ظلها كل
فرد الحرية في أن يختار من المعتقدات ما يشاء؛ لأن حق حرية الاعتقاد حق غالي وثمين ظل المسلمون في مكة
 ثلاثة عشر عاما يكافحون من أجله، ويتحملون المشاق في سبيله حتى استقر في النهاية، وكما حصل المسلمون عليه اعترفوا به كاملا متكاملا بالنسبة للآخرين، والتاريخ الإسلامي كله يخلو من فرض المسلمين دينهم بالقوة والإكراه على الرعايا غير المسلمين، أو اضطهادهم شعبا لينطق بكلمة أو حرف

4- حق العدل والمساواة

أما في «دستور» المدينة فقد ورد في البند رقم (15)
 (((( أن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم )))) 
  إضافة إلى بنود أخرى عديدة أكدت على حق المساواة بين المسلمين وغيرهم في الحقوق والواجـبات العامـة، فلا يختلف اليهود والمشركون عن المسلمـين إلا فيما يتعلق بالعقيدة، ولذلك كان كل ما يتعلق بالعقيدة لا مساواة فيه، وهذا تأكيد للمساواة، فالواقع أنه إذا كانت المساواة بين 
المتساويين عدلا خالصا فإن المساواة بين المتخالفين ظلم واضح،
إذ المساواة لا يقصد بها سوى تحقيق العدل بين الناس بقطع النظر عن أعراقهم ومعتقداتهم،

كفالة حرية الرأي-5
تنص الفقرة (4) من البند رقم (37) على: «وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم» فحق إبداء الرأي الذي يدعو إليه «الدستور» هـو ما يؤدي في النهاية إلى خير المجتمع، وتزكية القيم الأخلاقية الفاضلة وترسيخها في الوجدان العام، بما يحقق كرامة الإنسان، ويحفظ له إنسانيته، وقد حرص الرسول صلي الله عليه وسلم 
 على تعميق هـذا المبدأ حينما كان يستحث أصحابه على ممارسة حرية الرأي معه، فكان يستطلع آراءهم في الشئون العامة، بل وفي
المسائل الخاصة، وكان يأخذ غالبا بآرائهم، وإن خالفت رأيه، من ذلك على سبيل المثال: ما حدث في معركة بدر 
، من الحباب بن المنذر
صلي الله عليه وسلم الذي كان له رأي يخالف رأي الرسول في تحديد مكان نزول الجيش، فتنازل الرسول 
 عن رأيه وأخذ برأي هـذا الصحابي 



6- حق الأمن والمسكن والتنقل
في البندين رقم (39 و47)ينص الدستور  على حق الأمن والمسكن والتنقل لجميع المتساكنين داخل حدود الدولة الإسلامية الجديدة وخارجها
7- حق الفرد في المعونة المالية والاقتصادية (التكافل، والضمان الاجتماعي)

قال تعالى:
(الذاريات:19) ) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( 
) (الإنسان:8) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ( 
هـذه الحقوق الأسـاسية للإنسـان ركزت عليها «الوثيقة» في بنودها من رقم (3 إلى 11)

فإذا نظرنا إلى تاريخ الإسلام، نجد أنه قد تقرر إعلان حقوق الإنسان في «دستور» دولة الرسول صلي الله عليه وسلم  
صلي الله عليه وسلم في المدينة، وأذاع ملخصه الرسول 
في خطبة حجة الوداع، وبهذا يكون قد سبق إعلان الأمم المتحدة بأكثر من أربعة عشر قرنا 


وثيقة المدينة 14

وثيقة المدينة 14

المبحث الثاني: التعايش السلمي والتعاون بين الأفراد

يعتبر التعايش ضرورة من ضرورات الحياة على هـذه الأرض، تستجيب للدواعي الملحة لقاعدة جلب المنافع ودرء المفاسد، وتلبي نداء الفطرة الإنسانية السوية للعيش في أمن وسلام وطمأنينة، حتى ينصرف الإنسان في دعة وسكينة إلى تعمير الأرض، بالمعنى الحضاري والإنساني الواسع لهذا التعمير 
قال تعالى:
) ( الحجرات: 13) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
وفي هـذا دعوة صريحة إلى التعارف المفضي 
إلى التجمع والتساكن وتبادل المنافع والمصالح، أي إلى التعايش، في أخذ وعطاء وتأثر وتأثير دائمين



استراتيجية التعايش

قال تعالى: 
 (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) ( آل عمران: 64)
هـذا النداء يشكل أول نداء عالمي للتعايش الاستراتيجي بين الديانات
) الاعتراف بـ(الآخر
  حيث تضمن البند رقم (39) من الدستور «أن يثرب حرام جوفها لأهل هـذه الصحيفة» دون استثناء لأحد من سكانها، مسلمين كانوا أو يهودا  
وتكفي الإشارة في هـذا الصدد إلى المظاهر التالية:
1- النهي عن مجادلتـهم إلا بالتي هـي أحسن
  (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هـِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ( العنكبوت: 46)  
2- حرية ممارسة العقيدة
3- إباحة مصاهرتهم وأكل طعامهم
 قال تعالى:
  (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) (المائدة:5) 
فهذه المظاهر وغيرها تبين لنا أن المجتمع الإسلامي بلغ شأوا بعيدا في تحقيق التعايش السلمي مع حماية ركائزه الإسلامية  

، لذا نجد أن المجتمع الإسلامي لم يخل قط من غير المسلمين، ولا عجب في هـذا فإن الإسلام لم يكره الناس حتى يكونوا مسلمين،


وهنا نستطيع القول: إن «الوثيقة» اشتملت على كثير من المبادئ الإنسانية السامية، كنصرة المظلوم، وحماية الجار، ورعاية الحقوق الخاصة والعامة، والتعاون على دفع الدية وافتداء الأسرى، ومساعدة المدين، إلى غير ذلك من المبادئ التي تشعر أبناء الوطن الواحد كأنهم أسرة واحدة

وثيقة المدينة 13

وثيقة المدينة 13
الفصل الرابع: البعد الحضاري

المبحث الأول: التسامح الديني


الإسلام دولة «الحرية» لا «الحتمية»، قامت على أساس إنساني مفتوح
 الكهف:29 ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )
  فهي لا تصادر الأفكار والعقائد الأخرى، 
وإنما تدفع العدوان من جانب أصحاب تلك الأفكار والعقائد فحسب 
  (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هـُمُ الظَّالِمُونَ )  الممتحنة :9
فإن توقف العدوان فقد تقدست حرمات الإنسان 
 (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ( الممتحنة:8)  

وبكل جلاء ووضوح يصرح «دستور» الدولة الجديدة في بنوده من رقم (25) إلى رقم (35) أن لكل طرف من الأطراف المتعاقدة دينه ومعتقده، يمارسه بكل حرية في ظل النظام الجديد لهذه الدولة الفتية، التي لا تتلفع بعصبيات الدم والأرض لتصنع عصبية أخرى؛ لأنـها ليست دولة قبيلـة أو دولة مدينة، ولم تكن أيضا دولة دم ولا أرض، وإنما هـي دولة فكرة تفتح أبوابـها لمختلف الأديان ما برئت من نزعات العدوان 


 «فالتسامح من خصائص دين الإسلام، وهو أشهر مميزاته، وإنه من النعم التي أنعم الله بها على أضداده وأعدائه، وأدل حجة على رحمة الرسالة الإسلامية المقررة بقوله تعالى:
) ( الأنبياء : 107) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( 

وقد ترجم «دستور» المدينة تلك الرحمة بما أقره لليهود من العيش بأمن وسلام إلى جانب المسلمين، يمارسون معتقداتهم وأمور دنياهم الخاصة بهم، التي تضاد معتقد الدولة الإسلامية، التي أرسى دعائمها محمد صلي الله عليه وسلم على التسامح والتناصح والبر دون الإثم، معترفا (للآخر) اليهودي بأنه «أمة مع المؤمنين»، دون الالتفات لعقيدته
والسر هـنا في بلوغ الإسـلام شأوا بعيدا من التسامح تجاه مخالفيه: أنه لا يجد في منح المخالف حرية العقيدة، وممارسته لشعائر دينه، حرجا يضعف من الثقة بما هـو عليه من الحق المبين
ومن ثم فلا تكون تلك الحرية والممارسة لشعائر الدين المخالف مثارا للتعصب أو المشاعر العدائية 
 ومصادرة الآراء والمعتقدات

  وهنا يتبين لنا جليا أن احترام عقائد الآخرين وعدم إكراههم هـو أساس التسامح؛ لأن الإكراه في الدين لا يجوز للأمور التالية
1- النص الصريح،
 
حيث يقول الله تعالى :
(البقرة:256) (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
) (يونس:99) أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( 

2- تنافي الإكراه مع طبيعة العقيدة نفسها، من حيث كونها عنصرا نفسيا، ومن المحال تكوين أو تأسيس حقيقة نفسية بالإكراه 




بعض مظاهر التسامح

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم  
 يطبق هـذا المبدأ عمليا مع مواطني الدولة الإسلامية في المدينة من غير المسلمين، فكان يحضر ولائم أهل الكتاب، ويغشى مجالسهم ويواسيهم في مصائبهم، ويعاملهم بكل أنواع المعاملات التي يتبادلها المجتمعون في جماعة يحكمها قانون واحد، وتشغل مكانا مشتركا، فكان يقترض منهم ويرهنهم متاعا، ولم يكن ذلك لضرورة أو عجز من أصحابه أن يقرضوه، فكان منهم الذي لا يبخل بماله، ولا يمنعه عنه بل يتلهف علي أن يقرضه من غير قيود.


وخلاصة القول: إن «دستور» المدينة، الذي تعاقد فيه المسلمون مع غيرهم من أهل الديانات الأخرى فنشأ عن ذلك أول ميثاق -عصبة أمم- أساسه النصر للمظلوم، والنصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وحرمة الوطن المشترك، كان - هـذا الدستور- الأساس المتين للدولة العالمية، وللمعاملات الدولية القائمة على أساس الحرية للمشتركين فيه وعلى مبدأ الاستقلال، كما أنه أعطى كل ذي حق حقه، فلا ظلم ولا أنانية ولا تحيز لطرف على آخر.

وثيقة المدينة 12

وثيقة المدينة 12
المبحث الرابع: التدابير الأمنية الخاصة بقريش

أعلنت «وثيقة» المدينة صراحة أن قريشا عدو للاتحاد المديني، وحرمت على مشركي المدينة أي تعاون معها، حيث ينص البند رقم (20 ب) على أنه «لا يجوز لمشرك من أهل يثرب أن يجير أيا كان من قريش... وفي حالة الحرب يجب الامتناع عن مساعدتها بأي شـكل من الأشكال» 
، «وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن

إن غـاية الرسـول الآنيـة والملحـة من هـذه «الوثيقة» تتمثل في النقاط التالية:

 1- ضمان الأمن، وتقوية الجبهة الداخلية، ودفع الأذى الذي قد يأتي من الخارج
 2- قطع الطريق على قريش كي لا تستفيد من المدينة أو من أحد سكانها، حيث حظر على من سكن في المدينة أن يئوي نفسا أو مالا لقريش  
3- إرسال السرايا، التي كانت عبارة عن دوريات حربية
استكشافية صغيرة، هـدفها تأمين الدولة الجديدة وحمايتها من خصومها
المجاورين إذا هـموا بالاعتداء، كعاداتهم في الغارات المفاجئة دون إنذار، وقد أحدثت أثرها في نفوسهم مما جعلهم يترددون في محاولات الاعتداء 
4- عزل قريش القوية حتى لا تتعاظم قوتها أكثر، وذلك بعقد الموادعات والأحلاف مع القبائل المحيطة بالمدينة مما يسهل على المهاجرين مهاجمة قوافلها دون أن تلقى من جوار هـاته القبائل ما يحميها من محمد صلي الله عليه وسلم وأصحابه 
5- عدم فتح أكثر من جبهة والدولة الإسلامية لم يشتد ساعدها بعد.
6- منع قوافل قريش من المرور في أراضـي الدولة الإسـلامية، طبقا لما نصت عليه «الوثيقة»، وهذا لا يعد عدوانا بل هـو داخل دائرة أعمال السيادة للدولة الإسلامية 



سد الثغرات ومنع الشبهات
أولت «الوثيقة» عنايتها لتنظيم حركة القاطنين بالمدينة، فلا يخرج أحد منهم إلا بإذن الرسول صلي الله عليه وسلم
(وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد)
وذلك لضبط تحركاتهم واتصالاتهم، وهو إجراء له ما يبرره ويستهدف ذلك بالدرجة الأولى منعهم من القيام بأي نشاط عسكري، كالمشاركة في حروب القبائل خارج المدينة والتجسس ونقل الأخبار، مما يؤثر على أمن المدينة واقتصادها.
حرمة المدينة

في البند رقم (39) الذي ينص على «أن يثرب حرام جوفها
 لأهل هـذه الصحيفة» والحرم هـو ما لا يحل انتهاكه، فلا يقتل صيده، ولا يقطع شجره، والحرم مواضع معروفة محددة، خارجها حل وداخلها حرم، وحرم المدينة بين الحرة الشرقية والحرة الغربية، وبين جبل «ثور» في الشمال وجبل عير في الجنوب
 ، وبذلك أحل هـذا البند الأمن داخل المدينة ومنع الحروب والقتال بين القبائل والعشائر وثبت السلم في المدينة،

وفي اعتقادي أن الحكمة من رسم حدود المدينة وجعلها حرما لا يحل فيها قتال إنما يراد بذلك أن يتعود الناس الحياة الآمنة المطمئنة التي لا تكدرها جريمة ولا يعكر صفوها حرب أو شجار
قال رسول الله:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ، حَرَامٌ مَـا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا) 
، وحمـاها كله لا يختلى خلاها ولا ينفر صـيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشار بها، ولا تقطع شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره ولا يحمل فيها السلاح لقتال
صلي الله عليه وسلم:  وقـال 
 (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ)  

، «فلا تنتهك حرمة ولا يعتدى على عرض، ولا يصادر مال... إلا بحق الإسلام، وكل مواطن يخضع للإسلام فهو آمن» 

وثيقة المدينة 11

وثيقة المدينة 11

المبحث الثالث: مساواة الجميع أمام القانون

كانت حياة الناس قبل هـجرة الرسولصلي الله عليه وسلم 
 إلى المدينة قائمة على أساس التفاضل بالمال والجاه، والشرف، والتفاخر بالآباء والأمهات، والقبائل والأجناس، بل اصطلحوا على «أن الناس فيهم ثلاث طبقات: سادة، وسوقه وموالي عتق، وكانوا يجعلون دية القتيل من السادة مضاعفة لدية السوقة، ويسمونه التكايل في الدماء، فيقدر دم السيد بعشرة من السوقة أو الخمسة أو اثنين، فجاء الإسلام بإبطال ذلك» 

   وهكذا فإن من أعظم ما حققته الدولة الجديدة في المدينة، أنها حطمت
 التفرقة العنصرية والتمايز بين جميع المتعاقدين في الحقوق والواجبات العامة، فلليهود والوثنيين من الحقوق ما للمسلمين، وعليهم من الواجبات ما على المسلمين إلا فيما يتصل بدينهم، فلا يقام عليهم الحد فيما لا يحرمونه،
 إننا نقصد بالمساواة أمام القانون: أن يكون الأفراد جميعا متساوين في الحقوق والواجبات العامة، فلا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، بحيث يتمكن كل شخص من التمتع بنفس 
الحقوق التي يتمتع بها الآخرون ويخضع لجميع التكاليف التي يفرضها القانون على الأفراد 
أما القانون فهو مجموعة القواعد التي تقيم نظام المجتمع فتحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم فيه، والتي تناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة في المجتمع من قوة الجبر والإلزام 
إن مبدأ المساواة أمام القانون بين كل من شملتهم «الصحيفة» يمكن إجماله في الآتي:


أولا: المساواة في النفقات المالية
نصت «الوثيقة» في البندين رقم (24 و38) والفقرة الأولى من البند رقم (37) على دفع كل طرف قسط نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة على حد سواء بدون تمييز لأي طرف على الآخر
ثانيا:المساواة في العمليات الحربية الدفاعية عن المدينة من أي عدوان خارجي
أكدت «الوثيقة» في الفقرة الثانية من البند رقم (37) والبندان رقم (44 و45ب) على وجوب التناصر بين أهل هـذه «الصحيفة» على كل من دهم يثرب، كل من جانبه الذي قبله
ثالثا: المساواة في واجب منع إجارة العدو ومن نصره
عملت «الوثيقة» على إبطال حق الجوار من جميع المتساكنين في المجتمع المديني للعدو الخارجي ومن نصره، حيث منع البندان رقم (41 و43) الإجارة للعدو ولو كان ولد أحدهم. فالمسلمون واليهود أمام هـذا الإجراء القانوني متساوون
رابعا: المسـاواة في الانتسـاب إلى الأمة
يبرز هـذا المبدأ في البنود من رقـم (25 إلى 35) التي كفـلت (للآخر) - اليهودي - انتسابه للأمـة،

خامسا: المساواة في معاملة كل طرف من المتعاقدين لحلفاء (الآخر)
تضمن البند رقم (45) أن المسلمين إذا دعوا اليهود إلى الصلح مع حليف لهم فإنـهم يصالحونه، وإن اليهود إذا دعوا المسلمين إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين مثل ذلك، وهذا دليل واضح وصريح على أن الرسول 

عامـلهم معاملة الند للند بدون تمييز تأكيدا للوحدة التي أرادها لعناصر مجتمع المدينة