26‏/02‏/2015

قصف العقول 5

قصف العقول 5

 
 

           لا يستحق جيش اسمه دون انضباط ...
 والانضباط لا „يمكن صنعه ولا تثبيته في يوم واحد. إنه مؤسسة وتقليد من التراث .

           لم يكن ثمة مكان لذوي القلوب الواهنة في الفيلق الروماني , حيث كانت قوات الخط الأمامي تدعم باستمرار خلال مسار المعركة. وفضلا عن ذلك فقد كانت المعارك الإغريقية تحسم عادة في اشتباك واحد , بينما كانت المعارك الرومانية تتطلب عملية تعبئة (استراتيجية) أكثر تعقيدا وأطول أمدا تعتمد على تحرك القوات وقدرتها على المناورة .

           أن يقوم بكل شيء في لحظة واحدة: أن يأمر برفع الراية إشارة إلى النداء العام لحمل السلاح , وبأن تدق الطبول , وبدعوة القوات من الخنادق , وبإرسال رجال لإعادة من كانوا قد ابتعدوا بحثا عن مواد الإعاشة... وبأن يتشكل الصف , وبالقوات أن تهتف بصرخاتها الحماسية , وبإشارة القتال أن تعلن...
 
ولم تكن الهتافات الحماسية سوى شحنة تذكر الجنود ببسالتهم المعهودة , وبأن يتحرروا من الخوف , وبأن يواجهوا هجوم العدو بشجاعة...
 
وتحول القائد إلى الناحية الأخرى لكي يبدأ  من فوره  الهتاف لكي يضرب لهم القثال فوجدهم وقد انغمسوا بالفعل في القتال .
 
 وقد كان قيصر مؤمنا متشددا بالانضباط , فعاقب  بقسوة  الهارب من الخدمة والمتمردين , ولم ينس أبدا الدور الذي تلعبه الأموال والغنائم فيدفع جنوده إلى القتال. وكان واحدا من أوائل القادة و المسؤولين الرومان الذين طبعوا صورهم على قطع النقود أثناء حياتهم , بدلا من طبعها بعد الموت , كما كان يحدث قبلا طبقا لمرسوم ﻟﻤﺠلس الشيوخ صدر العام ٤٤ ق.م , فكان دفع الرواتب بمثل تلك النقود لقواته كافيا لتذكرتهم باتجاه وموقع مصالحهم.

          ولم يكتف قيصر بتوزيع الأراضي والأموال على قدامى الجنود , وإنما قام أيضا بتوزيع الأطعمة على الفقراء  وتحبب إلى الجماهير بإقامة الولائم وحفلات الاستقبال التي تكتمل بأنواع الترفيه. وتب أيضا حب الشعب للاستعراضات  , فأقيمت مواكب الانتصارات المتقنة لا لشيء إلا لرفع معنويات الشعب الذي وضع تأييده في اعتباره , وأقام معارك بحرية »مسرحية « في بحيرات صناعية أقيمت خصيصا لهذا الغرض , ومباريات تضم مجالدين من مدرسته الخاصة للتدريب في مدينة كابوا بل كان هو من جاء بأول »فرس نهر « من أفريقيا إلى روما , فقط لكي يكسب رضا الجمهور ويحافظ عليه.
 
 أما بالنسبة لأعدائه فقد عرف قيمة الصفح والحلم والتساهل والملاينة في كسب الأصدقاء الجدد وا لموالين له. وجاء منح حق المواطنة الرومانية لغير الرومان وسيلة لكسب تأييدهم .

             ومع ذلك , فقد كانت هذه الخصائص ذاتها هي سبب ما حل بقيصر وعجل بنهايته. فبسبب تملقه للجماهير , وكثيرا ما كان ذلك هاجمته لبعض النبلاء , وصل إلى إبعاد الأرستقراطية من المشاعر العامة وجعلها غريبة عنه ,
 
و أصبحت دعايته صارخة صاخبة تؤدي إلى عكس المستهدف منها. وكتب سوتونيوس المفعم قلبه بالعداء يقول : إنه لم يكتف بقبول مظاهر التكريم المسرفة... مثل ثمثال ينصب بين ثماثيل الملوك وعرش يوضع أمام مقاعد المتفرجين في المسرح , بل لقد سمح أيضا بإصدار مراسيم تضفي على ذاته أنواعا من التكريم تفوق ما يضفى على البشر , مثل وضع مقعد ذهبي له خصيصا في استراحة الشيوخ وعلى منصة التريبيون , وتخصيص عربة مبهرجة له في الاحتفالات ومحفة في مواكب السيرك , ومعابد ومذابح وصور إلى جوار صور الآلهة , وسرير متكأ مزخرف .. وإطلاق اسمه على أحد الشهور.

             ويعترف ديو الأكثر تعاطفا مع قيصر قائلا: »لقد اقترف قيصر بالفعل الخطأ أحيانا بقبوله بعض أنواع التكريم التي طلبت له , وبتصديقه أنه قد استحقها بالفعل. ولكن الأكثر منه خطأ فهم أولئك الذين بدأوا بتكريمه بمثل ما استحق  ثم انقلبوا عليه ووجهوا إليه اللوم لقبوله ما طلبوه له .

              وعلى طول عصر الإمبراطورية الرومانية حافظ الأباطرة الرومان المتعاقبون على ادعاء مظهري متقن : الادعاء بأن روما ما يزال يحكمها شعبها ومجلس الشيوخ , بينما كانت تحكم في الحقيقة بأسلوب الملوك الذين أسسوا روما , أي بوصفها إمارة فحسب .

             إن الجنود الذين يدفعهم الربح لا الوطنية يتخذون في أتون المعركة قرارات من نوع مختلف , ربما بشكل غير واع.
ذلك أن عليهم أن يقرروا إن كان الأمر يستأهل اﻟﻤﺨاطرة بالموت .

             الكثيرون من المؤرخ العسكريين يعتبرون أدريانوبل نقطة تحول , النقطة التي أصبحت عندها قوات الخيالة الخفيفة أكثر أهمية من المشاة .

             أصبح من الممكن تحويل السرعة إلى صدمة , ولم تعد هناك حاجة إلى قذف الحراب , وإنما أصبح من الممكن أن يقبض عليها كالرمح فتدفع حتى تنغرس في هدفها .

             في ميدان المعركة , يعد عارا على رئيس القبيلة أن يتفوق عليه زملاؤه في البسالة , وعارا على زملائه ألا يبلغوا ما بلغه الرئيس.
 
 أما إذا غادرت المعركة حيا بعد أن يكون الرئيس قد سقط فلا معنى لذلك إلا العار والخزي مدى الحياة. والمعنى الحقيقي للإخلاص هو الدفاع عن رئيس القبيلة وحمايته وإرجاع كل عمل بطولي يقوم به المرء إليه فالرؤساء يحاربون في سبيل النصر , والزملاء يحاربون في سبيل رؤسائهم .

             »الدين « و »الحرب « و »الفروسية « كلمات ثلاث لا يمكن فهم عقل العصور الوسطى المتأخرة من دونها.

              الأزياء الموحدة (إلى درجة ما) تساعد كلها في غرس إحساس بهوية مشتركة .

             إن الحرب , بتعبير فيليب كونتا ظاهرة ثقافية  .

           القوة المكتسبة بالتدريب لا تقدر بمال .

             القراءة عن الحرب , وخوض الحرب بالقتال فعلا هما أمران مختلفان كل الاختلاف .

قصف العقول 4

قصف العقول 4

 


         لقد كان الفراعنة من أوائل من اعترفوا بقوة تأثير الأبنية المعمارية العامة على نطاق واسع لإثبات سمو مكانة الأسرة الحاكمة ومشروعيتها.

         الرعب يمكن أن يعتبر منتج أصول الحرب النفسية .

   الإسبرطيين ذوي النزوع الحربي الذين ر بما أدت تنشئتهم العسكرية , من سن مبكرة , إلى نزع فكرة الخوف من عقولهم (أو أنها على الأقل جعلت الخوف من الفرار أكبر بكثيرمن خوف المعركة) .

         إن الإسكندر الأكبر قد استغل هذه التجربة اليونانية الجماعية ا لمشتركة حينما استخدم  قبل إحدى المعارك , ثعبانا مدربا مزودا برأس إنساني مصنوع من القماش لكي يثبت لجنوده أن الإله أسكلبيوس ( Asklpios ) الذي كان يرسم عادة على شكل أفعى يقف إلى جانبهم. ولقد استخدمت خدع أخرى إضافة إلى تلك الخدعة. مثل كتابة كلمة: »النصر « بمواد صباغية على كبد حيوان مذبوح كأضحية , وإظهاره للجنود قبل المعركة كعلامة من الأرباب.
 
ولقد سيطرت هواجس النذر الخرافية على الإسكندر حتى أصبح مضطربا من الناحية النفسية بسبب سلسلة النذر التي سبقت موته المبكر , مثل مشاهدته للقتال بين الغربان وسقوط بعضها ميتا عند قدميه.

            أحد العناصر الأساسية لنجاح الاسكندر كان اهتمامه الشديد بالتفاصيل المتعلقة بالمعنويات  ليس فقط وسط قواته  و إنما  بين شعوبه أيضا. لقد تبين أن الدعاية ثمثل بديلا ممتازا لحضوره الفعلي. وهو ما يفسر سبب الظهور المستمر والدائم لصورته على قطع النقود و المباني وفي التماثيل وقطع الفخار والأعمال الفنية .

            الحرب هي دماء الحياة القادرة على توفير الوجاهة السياسية والعسكرية لأي أرستقراطي روماني .

            لم يحدث أبدا أن صور المؤرخون الرومان , روما في صورة المعتدي .
 عندهم قامت روما دائما بالدفاع عن مصالحها وقهرت الشعوب الأجنبية لكي تنقذها من أنفسها.
وقبل أن يشن أي هجوم , كان المبعوثون يرسلون دائما في محاولة متباهية لحل النزاع في مصلحة روما بوسائل أخرى غير الحرب.
 
ولا تعلن روما الحرب إلا إذا رفضت مثل تلك المحاولة فتعلنها بدافع (عادل ) وبعد أن تكون الوسائل البديلة قد جربت ل »إنقاذ السلام .
 
« وأمثال تلك الذرائع (لأنها لم تكن سوى ذرائع في غالب الأحوال) هي ما أعانت روما على الدفاع عن سلامة قضيتها , ليس فقط أمام شعبها وإ نما أمام حلفائها.
ومع ذلك , فإذا كانت الحرب هي أكثر الوسائل فعالية في كسب الثروة والسلطة والمكانة فإنه سيكون من غير الطبيعي أن يتبع السياسيون الرومان وأتباعهم سياسات تستهدف تجنب الحرب .

          كان ماريوس أيضا هو أول من تحمل مسؤولية أعباء حياة جنوده ح يتعرضون للإصابة أو إذا تقاعدوا. ولذلك فإنهم بدورهم توجهوا إليه  لا إلى الدولة  طلبا للتوجيه والتعويض المادي .

           وكان ما أدت إليه إصلاحات ماريوس واضحا.
 فبعدها تكونت الفيالق الرومانية من جنود نظامي محترف يتجهون بالولاء  أولا وأخيرا  إلى الأفراد الذين يدفعون لهم رواتبهم .
 

25‏/02‏/2015

قصف العقول 3

قصف العقول 3



       يحكم على الدعاية بأنها نشاط يرغم الناس – بشكل ما – على أن يفعلوا شيئا كان يمكن ألا يفعلوه لولا وجوده .

       التاريخ يكتبه المنتصرون على الأرجح .

 و أن غنائم الحكم التاريخى يجمعها المنتصرون .

       من المؤكد أن التاريخ مصدر يفوق التقدير للدعاية .

فأى فرق بين الدعاية والتعليم أو التربية فى المجتمعات التى تعلى من قيمة مبادئ حرية التفكير والتعبير والعمل ؟

ربما يكمن الفرق فى فكرة أن الدعاية تعلم الناس ما يفكرون فيه بينما تعلم التربية الناس كيف يفكرون .

       الديمقراطيات تقدس الوهم القائل بأنه ينبغى السماح للرأى بأن يتطور بشكل طبيعى , دون أى تدخل خارجى .

       إن الماضى بلد أجنبى غريب يتصرف فيه الناس بطريقة مختلفة .

       الدعاية والحرب النفسية تصبحان بديلا فعليا وحقيقيا للحرب .

       الدعاية قد تخدم مصالح الطرفين وخاصة حين تتوافق تلك المصالح .

غير أن النقطة الأساسية هى أن الدعاية تخطط فى المحل الأول لخدمة مصالح مصدرها .

       قال الكاتب الرومانى ليفى : (( لا تتوافق الأحداث مع توقعات البشر فى أى مكان كما تتوافق فى الحرب )) .

ومع ذلك فإنه حتى المتطوعين فى القوات المحترفة يعانون من هبوط المعنويات ومن الذعر إذا كانت هناك فجوة أوسع من اللازم بين ما يتوقعونه من الحرب وبين الحقائق فى ميدان القتال .

 فإن عوامل بعينها ، مثل الطقس السيئ أو الطعام الردئ . والرواتب المنخفضة يمكن أن تستنزف معنويات حتى أفضل الجيوش تدريبا .

 على رغم أن الانضباط و التدريب المخططين لدعم التماسك المتبادل يعدان عوامل جوهرية للحفاظ على الروح القتالية العالية .

       يرى ويفل أن ما يحقق المعنويات المرتفعة هو درجة إحساس الجندى بأنه عضو فى وحدة جيدة .
       الجنود يقاتلون بشكل أفضل إذا عرفوا أن أسرهم و أصدقائهم والمدنيين الذين يرقبون أفعالهم يساندون عملياتهم .


قصف العقول 2

قصف العقول 2


      الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل مختلفة , للسياسة والحرب الهدف ذاته : أى تغليب إرادة جماعة أو مجتمع ما – ووجودهما – على إرادة ووجود جماعة أخرى أو مجتمع أخر .

       الدعاية هى فن الإقناع و للإقناع قواعد وأصول يمكن تلخيصها فى ثلاثة هى :

1- كسب مظهر الصدق ( لكسب ثقة الجمهور المتلقى المراد إقناعه) .

2- البساطة والتكرار ( للوصول إلى أذهان ومشاعر الناس بسرعة والنفاذ الى ذاكرتهم التى لن تتذكر إلا ما استوعبته بسهولة وبكثرة )

3- الرموز وضرب الأمثلة ( فالذاكرة البشرية يسهل عليها أن تخزن وان تستدعى الصور ذات الدلالات المرتبطة بمخزون الذاكرة الموروث أو المكتسب ) .


         المؤلف مؤرخ ومفكر و استاذ جامعى غربى بريطانى يؤمن بالليبرالية , يتجنب الدعاية الغربية التى انتشرت فى العصر الاستعمارى وهذا ما جعله يتجاهل تقريبا الدعاية النازية ضد اليهود , ولعل الانتماءات ذاتها أيضا هى ما دعته الى تجنب الحديث عن دعاية المسلمين فى أثناء الحروب الصليبية على رغم عرضه للدعاية .

         الدعاية الموجهة الى الاعداء فى زمن الحرب , قذائف من الكلمات التى تختار بعناية وتصاغ بحساب دقيق مستهدفة تشكيك شعب دولة العدو وجنوده فى قضيتهم .

وهدم ثقتهم فى قياداتهم وفى حكومتهم وفى قدرتهم على تحقيق النصر .

       يشير المؤلف الى ان تأثير موقف الصحافة والتليفزيون الأمريكيين - ضد التورط الأمريكى فى فيتنام - هو ما أدى الى خروج الولايات المتحدة من تلك الحرب قبل أن تحقق الانتصار فيها .

غير ان القراءة النصية لكلمات المؤلف فى تلك السياقات وما يشبهها ليست هى القراءة الملائمة .

فالدعاية فى كل الأحوال - ومهما كان من كفاءة القائمين بها وذكاء خططها وقدرتها على الوصول الواسع والتأثير النافذ - لم تكمن فى النهاية سوى عامل مساعد للعوامل الأصلية المكونة للحركة الفعلية للتاريخ .

        سيكون من الظلم وعدم الموضوعية تجاهل صلابة وبسالة الشعب الفيتنامى فى كفاحه الطويل من أجل الاستقلال الوطنى والتقدم والعدل ضد سلسلة طويلة من المحتلين .

تقول المصادر الغربية إن القائد العسكرى للمقاومة الفيتنامية الجنرال جايب هو القائد الوحيد الذى انزل الهزيمة بجيوش ثلاث دول كبرى متعاقبة دون أن تلحق بقواته هزيمة كبيرة واحدة .

فهل كانت الدعاية هى صانعة هذه الانتصارات المذهلة – حتى فى عصرها الذى شهد الكثير من انتصارات ثورات الشعوب وحروبها التحريرية – ام كانت خصائص كامنة فى ثقافة شعب تقوم على التقشف الشديد والزهد البالغ مع الانضباط الصارم وممارسة انواع كثيرة من رياضيات التحكم الذهنى فى الجسد مع تحمل ما لا يطاق من الالام البدنية .

 والثقة المطلقة فى النفس والرغبة فى الابتعاد عن بقية الجماعات البشرية !؟

       الحرب فى جوهرها تبادل منظم للعنف والدعاية فى جوهرها عملية إقناع منظمة .

 إنهما تحاولان رفع معنويات أحد الجانبين و أن تنسفا إرادة القتال لدى الأخر 

قصف العقول

قصف العقول


اسم الكتاب : قصف العقول
تأليف :  د.فيليب تايلور

ترجمة : سامة خشبة
عدد الصفحات : 419

الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتي العصر النووي

رابط تحميل كتاب قصف العقول بصيغة  pdf


رابط مباشر

http://ia601404.us.archive.org/12/items/aalam_almaarifa/256.pdf


24‏/02‏/2015

العقد الإجتماعي 16

العقد الإجتماعي 16


        ولما كان كل من أعلوا شأن روما يعيشون , طبقا لهذا التنظيم فى الريف ويفلحون أرضهم , صار من المألوف أن تؤخذ دعائم الامبراطورية من بينهم فقط . وفضلت الحياة البسيطة الشاقة التى يعيشها القرويون على حياة البورجوازيين , حياة الفراغ والدعة فى روما .

         يجب عدم حكم شعب استشرى فيه الفساد بنفس القوانين التى تصلح لشعب صالح .

                                           نظام محامى الشعب

         الهيئة التى أدعوها (محاماة الشعب) هى الحارس على القوانين وعلى السلطة التشريعية . وهى تعمل أحيانا على حماية معقد السيادة ضد الحكومة .
         الحاكم الجديد الذى يعين لا يبدأ من السلطة التى خلفها له سلفه ؛ ولكن من السلطة التى منحه إياها القانون .

                                              فى الدكتاتورية

        أن أغلال روما لم تكن تصنع فى روما نفسها , بل على يد جيوشها . إن المقاومة الضعيفة التى أبدأها ماريوس أمام سيلا وابدأها بومبى امام قيصر .

 كانت دلالة واضحة على ما يمكن للمرء أن يتوقعه من السلطة الداخلية فى مواجهة القوة التى تأتى من خارجه .

         فى روما لم تكن مدة الديكتاتورية إلا ستة أشهر , ومعظم من تولوها تخلوا عنها قبل حلول الأجل ؛ ولو كانت المدة أطول فلعلهم كانوا تعرضوا لإغراء مدها , كما صنع الحكام العشرة الذين كانت مدة حكمهم عاما كاملا .

 إن الديكتاتورية لم يكن لديه من الوقت إلا ما يكفى لقضاء الحاجة الملحة التى اقتضت انتخابه : ولم يكن لديه وقت للتفكير فى خطط أخرى .

                                               فى الرقابة    

          تتولد اراء الشعب من دستوره .

فرغم أن القانون لا ينظم المعايير الاخلاقية , فإن التشريع هو منبتها : فعندما يضعف التشريع تنحط المعايير الأخلاقية : بيد أن أحكام الرقباء لا تستطيع أن تفعل ما لم تفعله القوانين .   


العقد الإجتماعي 15

العقد الإجتماعي 15


                                     فى التصويت

          عندما لا تعود للشعب – وقد سقط فى وهدة العبودية- حرية ولا إدارة .
فعندئذ يحول الخوف والملق التصويت الى هتافات , فلا تفكير هناك , بل تسبيح أو لعنة .

وقد كانت هذه الطريقة الحقيرة التى كان مجلس الشيوخ يبدى بها رأيه تحت حكم الأباطرة .


     ليس هناك سوى قانون واحد يتطلب بطبيعته موافقة اجتماعية ,
وهو العقد الاجتماعى : لأن الاتحاد المدنى أكثر عقود الدنيا اختيارا ؛ إذ لما كان الإنسان يولد حرا وسيد نفسه : لا يستطيع شئ إخضاعه بأية حجة كانت , فالقول بأن العبد يولد عبدا هو بمثابة القول بأنه لا يولد إنسانا .

        وفيما عدا هذا العقد الأولى يكون صوت العدد الأكبر ملزما للجميع وهذه نتيجة تترتب على العقد نفسه .

           هناك مبداّن عامان يمكن الإفادة منهما فى تنظيم هذه العلاقات : أولهما هو أنه كلما كان موضوع المداولة خطيرا وهاما , كان من الواجب أن يكون العدد الذى يبت فيه على أساسه قريبا من الإجماع , والثانى هو أنه كلما كان موضوع المداولة مما يتطلب سرعة أكبر وجب تضيق الفرق المقرر فى الأصوات , بحيث يجب أن تكفى زيادة صوت واحد فى المداولات التى يجب إتمامها فورا .

                                          فى الانتخابات

           فيما يتعلق بانتخابات الأمير و الحكام , توجد طريقتين هما الاختيار و القرعة .

      إذا تنبهنا إلى انتخاب الرؤساء وظيفة من وظائف الحكم وليست من وظائف السيادة , سنرى لماذا تعتبر طريقة القرعة من طبيعة الديمقراطية أكثر , حيث تكون الإدارة أفضل بقدر ما تكون الأعمال المتصلة بها أقل .

     إن الوظائف فى جميع الديمقراطيات الحقيقية ليست ميزة , ولكنها تكليف شاق لا يمكن فرضه عدلا على فرد أكثر من أى فرد أخر .

         عندما يمزج الاختيار بالقرعة يجب استعمال الأول فى ملء المناصب التى تتطلب موهبة , مثل المناصب العسكرية : وتلائم الثانية تلك المناصب التى يكفى فيها الإدراك السليم والعدالة و النزاهة مثل المهام القضائية , لأن هذه الصفات تكون مشتركة بين جميع المواطنين فى الدولة حسنة التكوين .
                   
                                   فى المجالس الشعبية الرومانية

        بعد إنشاء روما كانت الجمهورية الوليدة , أى جيش المؤسس , تتكون من البين و سابينين و أجانب , وقسمت الى ثلاث طبقات أخذت بهذا التقسيم اسم قبائل .

وقسم كل من هذه القبائل الى عشر عشائر , وكل عشيرة الى فصائل ونصب عليها رؤساء أطلق عليها اسم كيوريون و ديكوريون .

       وإلى جانب ذلك أخذت من كل قبيلة مجموعة من مائة فارس أطلق عليها كوكبة ؛ ومن هذا يتبين أن هذه التقسيمات , التى لم تكن لها فائدة كبيرة فى مدينة , لم تكن فى أول الأمر سوى تقسيمات عسكرية .

ولكن يبدو أن غريزة العظمة حملت مدينة روما الصغيرة على أن تتبنى مقدما نظاما يلائم عاصمة العالم .

        وسرعان ما نجم عن هذا التقسيم ضرر ؛ هو أن قبائل الألبينيين و السابينيين ظلت على حالها دائما بينما جعلت قبيلة الغرباء تتزايد بسبب وفود الأجانب إلى روما , ولم تلبث أن فاقت القبيلتين الثانيتين عددا . وكان العلاج الذى وجده سرفيوس لهذا الوضع الخطر هو تغيير الأساس الذى يقوم عليه التقسيم , واستبدل المعيار العنصرى (الذى ألغاه) بمعيار أخر مختلف تماما يقوم على المكان الذى تشغله كل من هذه القبائل فى المدينة . وجعل القبائل أربعا , كلا منها تشغل أحد تلال روما وتحمل اسمه . وهكذا لم يجد علاجا لعدم المساواة القائم فحسب بل عمل على تلافيه فى المستقبل أيضا ؛ حرم عليهم أن ينتقلوا من حى إلى حى , وبذلك منع اختلاط الأجناس المختلفة .

        وكذلك ضاعف كوكبات الفرسان الثلاث وأضاف إليها اثنتى عشرة كوكبة أخرى , وإن احتفظت بالأسماء القديمة .

وبهذا الإجراء البسيط الحكيم ميز بين الفرسان والشعب دون أن يؤدى ذلك إلى تذمر الشعب .

         وأضاف سرفيوس الى هذه القبائل الأربع من سكان المدن الحضريين خمس عشرة قبيلة أخرى سميت قبائل الريف , لأنها كانت تتكون من اولئك الذين يعيشون فى الريف . وقسمت هذه إلى نفس العدد من المقاطعات .

ثم أضاف إليها خمس عشرة قبيلة ثانية فيما بعد , وهكذا أصبح الشعب الرومانى مقسما إلى ثلاث وخمسين قبيلة وظل هذا مجموع القبائل حتى نهاية الجمهورية .


         وهذه تفرقة جديرة بالملاحظة بين قبائل المدينة وقبائل الريف لأنه لا يوجد فى التاريخ مثال أخر لهذا الشكل من التنظيم , ولأن روما مدينة له بحفظ عاداتها ونمو إمبراطوريتها .

 وقد يظن المرء أن قبائل المدينة سرعان ما تحتكر كل السلطة والامتيازات , وتوضع القبائل الريفية فى مرتبة خاضعة . والواقع أن ما حدث كان العكس تماما . فنحن نعرف ميل الرومانيين الأول لحياة الريف . وقد ولد فيهم هذا الميل مؤسسهم الحكيم الذى جعل العمل فى الريف والخدمة العسكرية جزءا من الحرية , وترك لأهل المدينة , بمعنى ما , الفنون والحرف والدسائس وجمع المال ونظام الرق .

23‏/02‏/2015

العقد الإجتماعي 14

العقد الإجتماعي 14

                       وسائل منع اغتصاب الحكم

         التصرف الذى تتكون الحكومة بمقتضاه ليس عقدا , بل قانونا , وأن من عهد إليهم بالسلطة التنفيذية ليسوا سادة الشعب ولكن موظفيه ؛ وأنه يستطيع تعيينهم أو عزلهم كمل يشاء , وان الوضع بالنسبة لهم ليس مسألة تعاقد , بل مسألة طاعة , وأنهم بقيامهم بالمهام التى تكلفهم بها الدولة إنما يؤدون واجبهم بوصفهم مواطنين , دون أن يكون لهم أى حق فى مناقشة الشروط .

          ومن ثم عندما يقوم الشعب بتعيين حكومة وراثية , سواء ملكية فى عائلة أو ارستقراطية فى طبقة من المواطنين , فإن ذلك ليس التزاما من جانبه , ولكنه مجرد الصورة المؤقتة التى يعطيها للإدارة إلى أن يحلو له تغييرها .

          وصحيح أن هذه التغيرات مصدر خطر دائما , وأنه يجب عدم المساس مطلقا بحكم قائم إلا إذا صار متعارضا مع الخير العام : بيد أن ذلك قاعدة من قواعد السياسة فحسب وليس قاعدة قانونية , وليست الدولة ملزمة بترك السلطة المدنية فى يد رؤسائها أكثر مما هى ملزمة بترك السلطة العسكرية فى يد قوادها .

     ينبغى دائما أن يكون افتتاح هذه الاجتماعات , التى لا غرض منها سوى المحافظة على الميثاق الاجتماعى , باقتراحين لا يمكن إلغاؤهما مطلقا , وتؤخذ الأصوات على كل منهما على حدة .

        الأول : هل يرى معقد السيادة الاحتفاظ بصورة الحكم    الحالية ؟ .

       الثانى : هل يرى الشعب ترك الإدارة فى يد من يقومون بها حاليا ؟ .

       ما من قانون أساسى فى الدولة لا يمكن إلغاؤه , حتى العقد الاجتماعى نفسه ؛ إذ لو اجتمع المواطنون جميعا على نبذ هذا العقد بإرادة مشتركة , لا ريب فى أنه ينحل بصورة شرعية .


                            الإرادة العامة لا يمكن إتلافها

      عندما يرى الإنسان عند أسعد شعب فى العالم جماعات من الفلاحين ينظمون شئون الدولة تحت شجرة بلوط ويتصرفون باستمرار بحكمة , هل يستطيع عندئذ أن يمنع نفسه من احتقار الحركات المهذبة لدى الأمم الأخرى التى تحظى بسمعة كبيرة وهى بائسة بما تبديه من مهارة وما تنطوى عليه من أسرار ؟ .

      إن دولة تحكم بهذه الطريقة لا تحتاج إلى الى القليل من القوانين , وتوضع قوانين جديدة بقدر ما تدعو الضرورة , ويرى الجميع هذه الضرورة , وأول من يقترحها لا يفعل أكثر من أنه يضع فى كلمات ما يحس به الجميع , ولا يتطلب تحرير قانون قرر الجميع فعلا وضعه , مناورات ولا لباقة , بمجرد أن يدرك الواحد منهم أن الباقين سيفعلون مثله .


       كل واحد إذ يفضل مصلحته على المصلحة المشتركة يرى جيدا أنه لا يستطيع فصلهما بالمرة : ولكن يبدو له أن ما يسببه من الضرر العام لا شئ بالنسبة للمنفعة الخاصة التى يزعم أنه سيحصل عليها لنفسه . وباستثناء هذه المنفعة الخاصة , يطلب الخير العام لفائدته بقدر ما يطلبه أى شخص أخر .

العقد الإجتماعي 13

العقد الإجتماعي 13

        لا يكفى أن يجتمع الشعب مرة لتحديد الدستور بإعلانه موافقته على مجموعه من القوانين , ولا يكفى أن ينشئ حكومة دائمة , أو أن يكفل وسيلة انتخاب الحكام مرة وينتهى الأمر بذلك : فإلى جانب الاجتماعات الاستثنائية التى قد تتطلبها الحالات العاجلة , يجب أن تكون هناك اجتماعات دورية محددة لا يستطيع شئ منعها أو تأخيرها , بحيث أن الشعب يجتمع فى يوم معين بقوة القانون ودون حاجة إلى انتظار دعوة رسمية بالاجتماع .

        بمجرد أن يجتمع الشعب اجتماعا شرعيا بوصفه هيئة سياسية , تقف جميع اختصاصات الحكومة , وتتوقف السلطة التنفيذية , ويصبح شخص أقل مواطن مقدسا وذا حرمة مثل أكبر حاكم , لأنه عندما يوجد الأصل لا محل لمن يمثله .

         وقد كانت فترات التوقف هذه التى كان الأمير يعترف فيها , أو يجب أن يعترف , بأن له سيدا فعلا , مصدر إزعاج له دائما , و كانت اجتماعات الشعب هذه , التى تعد محرك الجسد السياسى و ضابط الحكم , مصدر ذعر الرؤساء فى كل عهد .

                                نواب أن ممثلون

            بمجرد أن تكف الخدمة العامة عن أن تكون الشاغل الرئيسى للمواطنين , ويفضلون الخدمة بمالهم على الخدمة بأشخاصهم , تكون الدولة قد قربت من الدمار .

فإذا تطلب الأمر أن يسيروا إلى الحرب , استأجروا جنودا وقبعوا فى منازلهم .

وإذا تطلب الأمر أن يذهبوا إلى المجالس , عينوا نوابا وقبعوا فى منازلهم .

فهم تحت ضغط الكسل وبقوة المال قد جلبوا على أنفسهم جنودا لاستعباد الوطن ونوابا يبيعونه .

            فالانكباب على التجارة والفنون , والرغبة الشرهة فى الربح , وحب الراحة و الدعة , هى التى تجعل الناس يحولون الخدمة العامة إلى مال ,فيتنازل الواحد منهم عن جزء من ربحه حتى يتفرع للعمل على زيادة مكاسبه .

فبمجرد أن تعطى المال بدلا من الخدمة فسرعان ما تجد نفسك فى الأغلال . إن هذه الكلمة (المالية) كلمة عبيد ولا تعرفها المدنية , ففى البلد الحر حقيقة يفعل المواطنون كل شئ بأذرعتهم , ولا يفعلون شيئا بالمال , فهم أبعد ما يكونون عن دفع المال للتخلص من واجباتهم .

     كلما كان تكوين الدولة أحسن , فضل المواطنون الأعمال العامة على الخاصة .

 بل وتكون فيها الأعمال الخاصة أقل بكثير , لأن مجموع السعادة المشتركة تكفل جزءا أكبر من سعادة كل فرد فى هذه الحالة , ولا يبقى لديه إلا القليل مما يتطلب اهتمامه فى المشاغل الخاصة .

وفى المدينة التى يكون حكمها صالحا يسارع كل واحد إلى المجالس , ولكن لا يحب أحد أن ينقل قدمه خطوة واحدة للاشتراك فيها عندما يكون الحاكم سيئا , لأنه ما من يهتم بما يدور فيها , فالناس تدرك أن الإدارة العامة لا تسود , ومن ثم تستغرق المشاغل الخاصة اهتمام الناس جميعا .

 وبمجرد أن يقول الواحد عن شئون الدولة : ما الذى يهمنى فى الأمر ؟ يجب أن تعتبر الدولة ضاعت .

          إن فتور حب الوطن , ونشاط المصالح الخاصة , وضخامة الدول , والغزو , وسوء استعمال الحكم , جميعا أدت إلى ظهور فكرة دخول نواب الشعب أو ممثليه فى مجالس الأمة .

          كل قانون لم يصدق عليه الشعب بشخصه باطل ؛ وهو لا يكون قانونا بالمرة .

ويعتقد الشعب الإنجليزى أنه حر , ولكنه مخطئ تماما ؛ فهو لا يكون حرا إلا أثناء انتخابات أعضاء البرلمان : وبمجرد أن يتم انتخابهم يصير الشعب عبدا , فهو ليس شيئا على الإطلاق . فطريقة استعماله لحريته فى فترات الحرية القصيرة تجعله جديرا بأن يفقدها .