31‏/03‏/2010

الأمة المسلمة 12

ثانياً: المظهر الثاني لعنصر الإيواء

تنمية قيم الاستقرار والزواج وتكوين الأسر وما يتفرع عن ذلك من توفير للسكن ووسائل المواصلات واعتبار الموجود منها في عداد الملكية العامة إذا اقتضت الظروف ذلك
قال صلي الله عليه وسلم " من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له ، ومن كان له فضل زاد فليعد به علي من لا زاد له " صحيح مسلم

ثالثاً : المظهر الثالث لعنصرالإيواء
هو حرمة إقامة الإنسان وعدم طرده أو نفيه من مكان إيوائه

وتتضاعف خطورة نفي الإنسان وإخراجه من مكان إيوائه إذا كان المنفيون من الرسل والدعاة ورجال الفكر والعلم الذين يكرسون جهودهم لإصلاح ما أفسد الناس ،
قال تعالي : " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها ، وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً ، سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ، ولا تجد لسنتنا تحويلاً"
الإسراء – 76 -77
هذه هي سنة الله التي مضت في جميع الرسالات من قبل ، وهي سنة ماضية مستمرة ، فحين تخرج الأمم رسلها ودعاتها وتنفيهم ينزل بها العذاب المدمر ولن تجد لسنة الله تحويلا .

رابعاً : المظهر الرابع لعنصرالإيواء
هو الربط بين الأمن المعيشي والأمن الديني ،
يقترن الأمن المعيشي بالأمن الديني إقتران الوسيلة بالهدف ، فإذا انهدمت الوسيلة وتعطلت فاعليتها صعب تحقيق الهدف
قال تعالي : "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة "
قال ابن زيد : افترضت الصلاة والزكاة جميعاً لم يفرق بينهما وقرأ الآية وأبي الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ، وقال رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه !

خامساً: المظهر الخامس لعنصر الإيواء:
هو الربط بين الإيواء والفاعلية السياسية والإدراية

علي رأس الضمانات التي التي تجعل الإيواء حقيقة قائمة في الحياة الاجتماعية هي الوسائل الإدارية والسياسية التي تضمن تحققه واستمراره ، لقد اعتمد في صدر الاسلام علي تقوي الحاكم ورسوخه في العلم ولكن التاريخ أثبت أن هذا الحرص الذي التزمه أبو بكر والاستعفاف الذي تحي به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب لم يتصف به إلا نفرقليل لم يتعد أصابع اليد ، لذلك لا يجوز أن يترك مصير الإيواء المعيشي والاجتماعي لتقوي الحاكمين ومشيئتهم وإنما لابد أن توجه التربية إلي صون الإيواء وحمايته بالتشريعات والمؤسسات التي تقيد به الحاكم وتجعله عرضة للاستجواب والاستفسار والمحاكمة إن أتي ما يخرق هذا الحرص والاستعفاف والتشريع


كذلك لا يجوز أن تترك صدقات الفقراء لمشيئة الأغنياء ليبذلوا الفضلات والفتات والدراهم والقروش التي لا تسد حاجة ولا توقف عوزاً ، وإنما لابد من التشريعات وضرائب الضمان الاجتماعي التي توفر حاجة الأمة في الإيواء بالأساليب الكريمة التي لا تنال من كرامات الناس ولا تعرضهم للمن والأذي إذا لم تكف الزكاة لذلك


أهمية الإيواء :

1- الأمة التي يوجه الحياة فيها الإيواء أمة مفتوحة الأبواب للمؤمنين من جميع الأجناس
2- حين يوجه الإيواء ممارسات الأمة يرتاح الناس من أسباب الصراع الطبقي والعنصري
3- الأمة التي يوجه علاقاتها الإيواء تتمحور قيمها الاجتماعية حول المظهر الاجتماعي للعبادة
4- حين تسود قيم الإيواء في الأمة تتمحور قيمها الإدارية حول الاعداد والتخطيط بدل الارتجال والتفريط وتعد للمستقبل عدته وبذلك تحفظ مجتمعها من الأزمات وحضارتها من الانحطاط والانهيارات
5- حين يشكل الإيواء بعض مكونات الأمة ويغذي دعائمها لا تسمح بارتفاع الأسعار ارتفاعاً ينسف مفهوم الإيواء ، فلا سماح أبداً بزيادة النفقات عن الدخول ولا تترك للاحتكار والاستغلال منفذا ليهز أركان الأمة ويضعف تماسكها وروابطها .

مسؤولية التربية إزاء عنصر الإيواء :


1- بلورة مضامين مظاهر الإيواء
2- إفراز مؤسسات علمية تطور مضامين الإيواء إلي علوم متخصصة تنمو وتتشكل حسب حاجات الزمان والمكان
3- تعميق الولاء لعنصر الايواء ومؤسساته وتطبيقاته والغيرة عليها كلها من عدوان المتسلطين أو المحتكرين
4- تطوير علم اقتصاد إسلامي يبدأ بنصيب الآخرة ويمر بنصيب الدنيا
5- تطوير مفهوم إسلامي للعمل يحتقر العجز والكسل ، ويحارب الاحتيال والجشع ، ويثمر السعادة بالعيش والاستمتاع بالعلاقات والمعاملات

الأمة المسلمة 11

العنصر الرابع : الإيواء

وردت معاني الإيواء في القرآن وفي الحديث الشريف بتلك المعاني :
المأوي أي الموطن ومكان الإقامة الدائمة
حسن الاستقبال والتكريم ،الرعاية والعناية، الاستقرار النفسي والاجتماعي
أوي بمعني طلب الأمن والنجاة ، الايواء بمعني السند والدعم والملجأ والحماية ، الراحة والاسترخاء

التطبيقات العملية في مجتمع الرسول صلي الله عليه وسلم :
1- ما قدمه الأنصار للمهاجرين من استقبال كريم ، ولإقامة آمنة مريحة ، ومؤاخاة عملية قامت علي المشاركة الكاملة في الحياة والعمل والمؤونة والمصير
2- ما قام به الرسول صلي الله عليه وسلم من تنظيم للعلاقات الاجتماعية بين مختلف الجماعات التي سكنت المدينة في زمنه مستهدفاً تجسيد الإيواء في واقع عملي ينعم الجميع فيه بمقومات العيش الكريم ، ويكون مثلا أعلي تقتدي به أجيال الأمة المسلمة بعد .

مظاهر الإيواء:


أولا : تقدير قيمة الأرض واستعمارها بالطرق التي وجه الله إليها :

ولقد كانت توجهيات القرآن والسنة في هذا المضماريمكن إجمالها في :
1- حسن الانتفاع بالأرض كمكان للإيواء والسكن والاستقرار
2- حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للعيش والغذاء
3- اشتراك الإنسانية كلها للانتفاع بموارد الأرض وخبراتها
4- حسن الانتفاع بالأرض كمختبر من مختبرات المعرفة الموصلة إلي الله سبحانه وتعالي

1- حسن الانتفاع بالأرض كمكان للإيواء والاستقرار :
الأساس في الايواء أن يتوفر لكل إنسان ، مهما كان لونه أو جنسه أو عرقه ، حاجاته في الاستقرار المادي والنفسي بغية التفرغ لتحقيق حاجة أعلي هي الحاجة إلي تحقيق الذات المتمثلة في معرفة الخالق واستشراف قدرته وطاعته ومحبته ، ثم معرفة الحكمة من النشأة والحياة والمصير
ولتحقيق أسباب الاستقرار النفسي أرسل الله تعالي رسله بالتوجيهات التي ترسخ مقومات هذا الاستقرار وتشيعه ومنها كانت قيم رئيسية كبري وهي:
1- إشاعة العدل وجعله محور العلاقات البشرية
2- الواضع في الأرض واتخاذه أساساً للأخلاق
3- التوسط في إنتاج موارد الأرض واستهلاكها (ولا تسرفوا)
والأصل الذي تنبع منه هذه القيم الثلاث الرئيسية وفروعها الثانوية هو معرفة الله وتوحيده في العبادة والطاعة

وقيم فرعية تتفرع من القيم الريسية الكبري السابقة وهي تحذير من منكرات رئيسية كبري وهي :
1- شيوع الظلم في الأرض وسريانه في العلاقات البشرية
2- التكبر والعلو في الأرض
3- الإسراف في إنتاج موارد الأرض واستهلاك خيراتها
والمصدر الرئيسي لهذه المنكرات الثلاثة هو الكفر بالله أو الشرك به ومعصيته والتنكر لهديه .

2- حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للعيش والغذاء

والأساس في ذلك قاعدتان
الأولي : الإقامة في الأرض حيث تتوفر الحرية – خاصة حرية العبادة – قال تعالي " ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون"
الثانية : حرية السفر في مناكب الأرض كلها للتجارة والعمل

للانتفاع بخيرات الأرض منهجان لا ثالث لهما : فإما منهج الله في الحلال الطيب الذي يفرز مفاهيم في الاقتصاد تهيئ لجميع الناس الانتفاع الجسدي والنفسي والعقلي ، وتشيع التعاون والتكافل بينهم ، وتوفر للجميع التمتع بالطيب من الغذاء المؤدي إلي العافية والرخاء

وإما منهج الشيطان في الحرام الخبيث الذي يفرز نظريات في الإنتاج والاستهلاك تصيب البشر كلهم بالضنك النفسي والجسدي والعقلي ، وتشيع الاستغلال والاحتكار والابتزاز ونهب مقدرات الأفراد والشعوب لصالح أقليات مترفة تاركة للأكثرية الردئ أو الخبيث من الغذاء الجالب للأسقام ومضاعفات المجاعات والفتن في الأرض والفساد الكبير


قال الرسول صلي الله عليه وسلم " ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث " صحيح البخاري
وأبشع أنواع الظلم المعاصر هو استغلال النفوذ للإستيلاء علي الأرض وتحويلها إلي سلعة تجارية باهظة الثمن لا يقدر علي دفعه إلا من أفني عمره بالكد القاسي في أرجاء الأرض كلها من أجل الحصول علي مأوي لا يتعدي المائة متر المربع

لابد للتربية الاسلامية أن تجتهد في تنمية حب العمل وجعله من محاور القيم في الأمة واعتباره الوسيلة الكريمة للعيش الكريم حتي لا يفسح في المجال للوسائل غير الكريمة التي تنال من عنصر الإيواء وتفسده ، والواقع أن القعود عن العمل وجمع المال والسيطرة علي موارده من قبل غير المؤمنين أضر بالاسلام والمسلمين والناس أجمعين في الداخل والخارج

فالمترفون عادة يجزئون مفهوم الدين من خلال علمائهم أو سحرتهم فيفصلون بين المظهر الديني للعبادة وبين المظهر الاجتماعي ، ويفرغون المصطلحات الدينية من محتوايتها الاجتماعية ثم يملؤونها بمعان غيبية لا علاقة لها بالواقع ، ويصرفون الأفهام عن الاعمال إلي الأشكال ويجعلون الزهد رضا بالفقر والفاقة وانتظاراً لنعيم الآخرة وعدلها

ولابد للتربية الاسلامية من التوسع في تشخيص المشورات المدمرة التي قدمها خبراء التربية الغربيون للأقطار الإسلامية في العصر الحديث ، وكان من ثمارها تنظيم المناهج وبناء آلاف المدارس والجامعات التي تخرج الآلاف من المختصين بتحليل شعر بعر الآرام ووصف المواقد ومرابض الجمال والغزل والتشبيب ، وتاريخ الغزوات القبلية والفتن ، بينما لم يؤسسوا إلا مدرسة زراعية أو صناعية واحدة تقام في زاوية معزولة من زوايا القطر النائية ثم لا يجد خريجوها العمل أو الاحترام ويكونون عينة مرعبة لما سيكون عليه المتخصص في الزراعة أو الصناعة

3- إشتراك الأمة كلها للانتفاع بمصادر الثروة العامة وعدم احتكارها من قبل فئة أو عائلة أو طبقة

علي التربية الاسلامية أن تضع محور القيم الاقتصادية التي تنميها وجوب الاقتداء بأمثال فقه الأشعريين (الذين إذا قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية ) وفقه علي بن أبي طالب وفقه أبي ذر وسالم بن الجعد من الصحابة بهدف بلورة علم إقتصاد إسلامي ونظم اقتصادية إسلامية قادرة علي إعادة التوازن في حاجات الأمة كلما نزلت بالأمة أزمات إقتصادية أو حدثت في صفوفها فروق طبقية ، وهو الأمر الذي عزم الخليفة عمر بن الخطاب علي فعله حينما قال : عزمت علي أخذ فضول أموال أغنيائهم وردها إلي فقرائهم

4- حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للمعرفة الموصلة إلي الله سبحانه وتعالي

" إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين "
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق "

30‏/03‏/2010

الأمة المسلمة 10

العنصر الثالث : الجهاد والرسالة

الجهاد معناه لغويا بذل الجهد أما اصطلاحاً فهو يعني استفراغ الطاقة لتحقيق الأهداف التي توجه إليها الرسالة الإسلامية في ميادين الحياة الفكرية والاجتماعية والعلمية والعسكرية وغيرها في أوقات السلم والحرب سواء
" وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج " الحج – 78
فالجهاد إذاً هو تكنولوجيا الإسلام التي توفر العمل والإنتاج في أوقات السلم والمنعة في أوقات العدوان ، ولكن ليس بقصد توفير الرخاء الاقتصادي والمنعة السياسية لجنس معين من البشر ، أو تحقيق تفوق لقوم علي بقية الأقوام ، أو توفير امتياز لطائفة دينية علي بقية الطوائف ، وإنما لغاية أخري هي تأهيل كتلة بشرية لحمل رسالة الإسلام إلي العالم ، ولذلك فالذي تقوم به الاقطار المتقدمة صناعياً وعلمياً وإداراياً في الحاضر هو جهاد لكنه بدون رسالة ، وبذلك تكون أزمة العالم الحديث هي أن هناك مجتمعات تقوم بالمظهر المادي للجهاد لكن بدون رسالة ، بينما ترقد في سبات إلي جانبها مجتمعات تخزن الرسالة في أسفارها وتستظهر نصوصها في مؤسساتها التربوية ولكن بدون جهاد لحملها ونشرها

مظاهر الجهاد :


1- الجهاد التربوي : ويستهدف إلي تزكية الإنسان المسلم من منزلة الخضوع للغرائز والدوافع الآنية الموقوته التي تبقيه حبيس الشهوات والانفعالات الفردية التلقائية والارتقاء به إلي منزلة تحقيق الذات التي يحقق الانسان عندها إنسانيته فيسترشد بتفكيره وعقله وخبراته المنظمة عن الخالق والكون والانسان والحياة


2- الجهاد التنظيمي :وغايته تنظيم وسع المة أي طاقتها وقدراتها المعنوية والمادية والبشرية ، والتنسيق بينها بما يكفل حشدها وتكاملها دون هدر أو نقص لتحقيق أهداف الرسالة


3- الجهاد العسكري : وغايته إزالة العوائق التي تحول دون الحفاظ علي بقاء النوع البشري ورقيه

فالمظهر القتالي للجهاد يصبح مُبرراً ومعمولاً به حين تشيع قيم الكفر وتنشر العدوان وتهدد بقاء النوع البشري

معني الرسالة :

" كنتم خير أمة أُخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله "
محتوي الرسالة هو :
1- الأمر بالمعروف
2- النهي عن المنكر
3- الإيمان بالله

وتعريف الرسالة بهذا الشكل يخالف التصور الذي يطرحه البعض حين يدعون إلي الإسلام كرافعة قوة ووسيلة للنهوض بالمسلمين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، فهم يحلون الوسيلة محل الهدف ، والهدف محل الوسيلة ، فالنهوض بالمسلمين يندرج في قائمة الوسائل والنتائج ، أما الهدف فهو حمل الرسالة الإسلامية إلي الناس

أهمية الرسالة في وجود الأمة:

1- تتقرر مكانة الأمة بين الأمم علي المستوي العالمي بمقدار ما تقدمه من عطاء حضاري للآخرين


2- إن هذا العطاء الحضاري هو الضامن لبقاء الأمم واستمرارها ، ذلك أن الأمة التي تتوقف عن العطاء تبدأ بالأخذ ، ففي المرحلة الأولي تأخذ المة الاشياء المادية كامنتجات الصناعية والحربية وفي المرحلة الثانية تأخذ الامة العادات المادية كأشكال اللباس والأثاث وأشكال الطعام وفي المرحلة الثالثة تأخذ الأمة المظاهر الثقافية كاللغات ونظم الإدارة والنظم الدبلوماسية والعلاقات الاجتماعية والفنون وأشكال الترويح وفي المرحلة الرابعة تأخذ الأمة القيم والمقاييس الاجتماعية والاخلاقية وفي المرحلة الخامسة تأخذ العقائد وعند هذه المرحلة تنهار جميع الحواجز ويبدأ الذوبان الكامل


3- الرسالة حاجة نفسية إجتماعية فالأمم التي تحمل رسالة تحفظ وحدتها وتجنب مجتمعها من الانقسام والتفتت والحزبية والطائفية والتصارع من أجل المصالح والعصبيات المحدودة

دور التربية في تعزيز الرسالة :

تتمثل هذه الأهمية في :


1- أن تبلور مضمون رسالة العصر التي يجب علي الأمة حملها


2- أن تعمق التربية الإسلامية في نفوس المتعلمين الشعور بالمسؤولية إزاء الرسالة وأهمية العمل الجماعي وعدم الاكتفاء بالتدين الفردي


3- أن تقوم التربية الإسلامية بتجديد المهارات الجهادية ونوع الجهاد اللازم للزمان والمكان


4- تحديد سعة دائرة المسؤولية التي يجب إعداد متعلمي الزمان والمكان للعمل داخلها ، لأن الدائرة النهائية لهذه المسؤولية تشمل الإنسانية كلها

الأمة المسلمة 9

العنصر الثاني : الهجرة والمهجر

الهجرة معناها : الانتقال وهي نوعان : انتقال حسي ، وانتقال نفسي
الانتقال الحسي : يعني الانتقال من مجتمعات الكفر والشرك إلي مجتمع الإيمان
الانتقال النفسي : يعني الانتقال من ثقافة مجتمعات غير المؤمنين بنظمها وعقائدها وأخلاقها وقيمها وعادتها وتقاليدها وتطبيقاتها المختلفة إلي ثقافة الإيمان بمظاهره وتطبيقاته ومؤسساته وإلي هذا النوع أشار القرآن في قوله تعالي : " والرجز فاهجر" وقوله " واصبر علي مايقولون واهجرهم هجرا جميلا " وقوله " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلي ربي "

أهمية الهجرة :
1- تخليص المؤمنين من العوز وعدم الأمن ثم إطلاق قدراتهم الدفاعية والإنتاجية في أيام السلم والحرب سواء
2- هي أن الهجرة بمعناها النفسي والحسي تنسجم مع حقيقة من الحقائق الكبري التي يطرها الإسلام عن الوجود وهذه الحقيقة هي استمرارية الخلق ، واستمرارية الخلق هذه ترفد الحياة دائما بالجديد من الأفكار والأشخاص والأشياء

ومن المحزن أن لا يبرز فقه للجنسية والمواطنة القائمة علي مفهوم الهجرة هذا في الوقت الذي نشاهد أثر قوانين الهجرة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية في تجميع العناصر ذات الكفاءات العالية من أقطار الأرض كلها ثم إطلاق قدراتها وإرادتها لما فيه قوة الولايات المتحدة واحتلالها مكان الصدارة في العالم كله

دور التربية في بلورة عنصر الهجرة :


لابد للتربية الإسلامية أن تعمل علي تحقيق أمرين :
1- تدريب إنسان التربية الاسلامية علي مراجعة الموروثات الثقافية والاجتماعية المنحدرة من كل جيل ، وتنمية القدرة علي التفكير واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ أو الافساد في الفهم والتطبيق .، أو تلك التي مضي زمنها وبطل مفعولها ، ثم القدرة علي التخلص منها ومن آثارها .
2- تدريب المتعلمين علي فقه نموذج المثل الأعلي اللازم لزمنهم ثم تنشئتهم علي استيعاب تفاصيل المثل الأعلي الجديد .

الأمة المسلمة 8

العنصر الأول : الأفراد المؤمنون


1- أهمية الافراد المؤمنين كعنصر من عناصرالأمة


الإيمان بالله لا يمد الإنسان بعافية الوسطية ويقيه من مرض الطغيان والهوان إلا إذا استمد محتواه من الاجتماع البشري وتجسدت تطبيقاته في قلب الاجتماع الإنساني ، وأبرز هذه التطبيقات هي :


بلورة " هوية " الإنسان الحقيقية
ومنحه " جنسية " إيمانية واحدة
وتزويده ب " ثقافة " واحدة ذات مؤسسات واحدة

الطاقات الإنسانية الأساسية هي بالأصل محايدة وإيجابية وخيرة ، وهذه الطبيعة الانسانية ليست قوية وصلبه وليست معصومة من الخطأ وإنما هي ضعيفة رقيقة ومن السهل أن تتغلب عليها العادة والضغط الثقافي والاتجاهات الخاطئة

أما الجنسية فالقرآن واضح وصريح في اشتقاق جنسية الإنسان من الأفكار التي يدور في فلكها


"ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل "
ويلحق بجنسية الانسان المؤمن طبقته داخل المة المسلمة وتتقرر هذه الطبقة طبقا لدرجة اتقائه من الإصابة بمرض الطغيان أو الهوان ، وإلي هذا المقياس يشير القرآن
" إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وبهذا المقياس ظهرت في مجتمع النبوة طبقة المهاجرين وطبقة الانصار وطبقة الطلقاء وطبقة المنافقين
ولقد أثبت تاريخ الحضارة الإسلامية أنه طالما ظلت جنسية الإنسان المسلم تستمد من " هو سماكم المسلمين" فإن الأمة المسلمة ظلت تعيش لحمل الرسالة إلي الناس في الخارج
أما عن " ثقافة " الإنسان المؤمن فهي تعني هنا القيم ونظم الحياة والإدارة والعادات والتقاليد والأخلاق والفنون التي تجسد الإيمان في تطبيقات عملية تميز حياة المؤمنين عما سواها

والحديث النبوي وتطبيقات السنة يحددان للثقافة والقيم الإسلامية قوائم سلوكية تصل إلي بضع وستين شعبة أو بضع وسبعين تتكون منها مجتمعة ثقافة إيمانية فعالة توجه النشاطات والممارسات وتقيم شبكة علاقات اجتماعية تبلغ بالأمة المسلمة مرتبة الجسد الواحد الذي إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ، كذلك قام لهذه الثقافة الإيمانية حدود مميزة منعتها من التداخل مع الجنسيات والثقافات المستمدة من الانتماءات العرقية والإقليمية والمصالح المادية والتوجهيات القرآنية في هذا الشأن كثيرة صارمة منها قوله تعالي

التوبة 23-24

2- أهمية الهوية والجنسية والثقافة الإيمانية في العالم المعاصر

من الإنصاف أن نقول إن شعوب أوروبا وأمريكا قد نزعت عن الجنسيات فيها قيود السفر والعمل والإقامة وأحالتها إلي مجرد أدوات ل( التعارف) ، تماماً كما يوجه إليه قوله تعالي : " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" الحجرات -13

بينما يستمر فقهاء الملوك والرؤساء يسهمون في تعزيز سجون الجنسيات العصبية وقيودها ومضاعفاتها التي أدت إلي وفاة الأمة الإسلامية ومزقتها في الأرض كل ممزق

3- دور التربية في إخراج الأفراد المؤمنين وتنمية تطبيقات الإيمان في الهوية والجنسية والثقافة
.....
الإيمان بالقدر خيره وشره استهدف إخراج أمة تعي أهمية التفكير السنني القانوني الذي ينفي أثر أهواء ( الأصنام – الانداد) ورغباتهم في مجري الحياة ، والإيقان بأن كل شئ خلقه الله بقدر أي بقانون ثم يكون من ثمار هذا الإيقان الالتزام بالتفكير العلمي والمناهج العلمية في جميع الممارسات والسياسات وأشكال التخطيط والتنفيذ والتقويم

تحتاج التربية الاسلامية إلي :

1- إعادة تأصيل هوية الإنسان واستخراج فطرته الخيرة
2- إعادة تأصيل أساليب استخراج الفرد المؤمن بحيث تتفاعل في نفسه آيات الوحي في الكتاب مع آيات الله في الآفاق والأنفس في مختبرات العلم
3- إعادة تأصيل مفهوم الإيمان ليشمل المظهر الاجتماعي للعبادة ، بدل حصرها في المظهر الديني وحده
4- إبراز أهمية تكامل عناصر الأفراد المؤمنين أي الهوية والجنسية والثقافة والتأكيد علي استحالة الفصل بينها أو وجود أحداها دون الأخري
 

الأمة المسلمة 7

مكونات الأمة المسلمة


" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ" الانفال – 72


مكونات الأمة الإسلامية هي :


1- أفراد مؤمنون


2- هجرة ومهجر


3- جهاد ورسالة


4- إيواء


5- النصرة


6- الولاية والولاء

الأمة المسلمة 6

أهمية إخراج الأمة المسلمة

الإطار العام الذي يحدد أهمية إخراج الأمة المسلمة ويحدد مكوناتها هو قوله تعالي

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ* وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ* وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الانفال (72ـ75).

الاضرار التي تنجم عن عدم إخراج الأمة المسلمة هي :


1- هيمنة قيم الكفر في الأرض وإخراج أمة الكفر


2- استغلال خزائن الله في المقدرات البشرية والمادية استغلالاً سيئاً ومن نتائج هذا الاستغلال السئ ملء الأرض بالفتن والفساد الكبير


فوائد إخراج الأمة المسلمة :


1- تجسيد الإيمان في جنسية مميزة وهوية خاصة
وفي حضارة إسلامية لها ثقافتها ونظمها الاجتماعية وتطبيقاتها في ميادين السلوك والقيم والعادات والتقاليد الممتدة عبر الزمان والمكان ، لذلك وصفت الآية بأن أفراد الأمة المسلمة المجاهدين المتآوين المتناصرين في مهجر واحد هم المؤمنون حقا أما الأقليات الإسلامية المبعثرة هنا وهناك فهذه لا تدخل في وصف المؤمنون حقا لأنها لا تتمكن من أن تعيش إيمانها في جنسية متميزة وتطبيقات إجتماعية لها ثقافتها ولغتها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ولها قيمها وعادتها وتقاليدها وأخلاقها .


وبالتالي لا تفرز حضارة متميزة تنحدر عبر التاريخ وتشد إليها الرحال ليتلعم الناس في مؤسساتها التربوية والإدارية كيفية الحفاظ علي النوع البشري ورقيه ، وإنما تذهب جهود هذه الأقليات هدراً في روافد أمة غير مسلمة ثم تذوب وتختفي بعد جيل أو جيليلن


ولذلك لن يكون قبول حياة الأقلية إلا ضرورة مؤقتة حتي ينجح العمل الإسلامي الصائب في إيجاد مهجر تقوم فيه أمة المؤمنين فإذا قامت صارت حياة الأقلية رضي بالاستضعاف في الأرض وظلماً للأنفس ووضعها في بيئات مرهقة للإيمان تهدد بذهابه والانتهاء بأصحابه إلي عقوبة الله

2- الاستقرار الاجتماعي والاستقرار السياسي المشار إليهما ب " لهم مغفرة " فالمعفرة هي تجنيب الأمة المسلمة عقوبات أخطاء الأمم


3- الازدهار الاقتصادي المصحوب بالتماسك الاجتماعي ،والعلاقات الكريمة بين طبقات الأمة وأفرادها

الأمة المسلمة 5

أثر الثقافة العصبية العربية في تشويه مفهوم الأمة بعد العصر الراشدي

البيئة العربية كان لها أثر إيجابي وآخر سلبي علي في إنطلاقة النبي محمد صلي الله عليه وسلم


الجانب الإيجابي : البيئة العربية سهلت نجاح الرسول صلي الله عليه وسلم في تربية المسلم علي تعشق المثل الأعلي والتضحية في سبيله
ذلك أنها خلت من كثير مما كان في البيئة المصرية من ركام العقائد والثقافة والقيم التي كبلت أفهام أتباع موسي عليه السلام ولم يكن في الجزيرة العربية استقرار زراعي وازدهار اقتصادي مما يفرز حياة الترف والتثاقل إلي الأرض ، وإنما فرضت البيئة الصحراوية القاسية نوعاً من حياة الطوارئ والاستعداد الدائم للتضحية أمام الصعوبات والأخطار الطبيعية والبشرية القائمة

الجانب السلبي : قيمة العصبية العربية ومحاور الولاء التي تفرزها لم تكن تصلح بحال للانتقال مع المسلم الجديد إلي المجتمع العالمي الجديد

ولذلك كان التحدي الأكبر الذي واجهه الرسول صلي الله عليه وسلم بعد هجرته إلي المدينة وشروعه في بناء أمة عالمية يتعايش فيها مختلف الأجناس والأعراق هو قيم العصبية القبلية ولقد جابه ذلك التحدي ب:


1- تزكية أعضاء الأمة المسلمة الجديدة من قيم العصبية القبلية باعتبارها قيماً نتنة بالية لا تصلح لهم بحال
2- التحذير من الردة إلي قيم العصبية القبلية وإدراج هذه الردة في قائمة الكبائر المخلدة في النار
3- التنبيه إلي دور قيم العصبية في فتن المستقبل وما ستجره علي الأمة المسلمة من كوارث ومذابح ودمار

لكن ثقافة العصبية وقيمها عادت للإمساك بدفة المجتمع بعد الخلافة الراشدة وكان لهذه الردة العصبية آثارها في الشكل الذي اتخذته مؤسسات التربية الاسلامية إذ انحرفت هذه المؤسسات عن هدف إخراج الأمة المسلمة وتطويرها وحل محل ذلك ظاهرتين :


الأولي : إن مؤسسات التربية الرسمية لم تتوجه لتوليد العلوم والمعارف اللازمة لتنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية وتطوير مؤسساتها بما يتفق مع الأصول الاسلامية في القرآن والسنة ، وإنما زاغت بتأثير قيم العصبيات القبلية لتركز في مناهجها علي ثقافة القبلية التي توجه الدوران في فلك الاشخاص الأقوياء ولتبرير ممارساتهم والإشادة بالمنجزات المنسوبة إليهم .

الثانية : تركيز المؤسسات التربوية التي تدور في فلك الدولة علي تربية فرد معطل الفاعلية ينسحب من تيار الحياة الجارية ويجسد صورة الدرويش الذي يقف موقفاً سلبياً من تيار الاجتماع البشري ويظل طوال عمره يعاني من الظلم والفاقة منتظراً الرحيل إلي العدل والنعيم الأخرويين!!

وكانت محصلة لذلك كله هي حصر المؤسسات التربوية والعلمية في فقه العبادات وتكرار نسخه واستظهاره جيلا بعد جيل مما أفرز آلاف المجلدات في فقه الطهارة والحيض والنفاس والطلاق والعدة بينما لم يزد الفقه المتعلق بالعلوم السياسية وفقه الاجتماع البشري والنظم الإدارية والتشريعية وصلات الحاكم بالمحكوم وتوزيع الثروات العامة والعمل الجماعي عن أصابع اليدين ومن أمثلتها الاحكام السلطانية للماوردي مع ما فيه من المآخذ والانتقادات المتعلقة بمحتوياتها التي تبرر إطلاق أيدي أصحاب السلطان ، وتعدد القيادات ، والاستيلاء علي القيادة والمراكز بالقوة وغير القوة.

الأمة المسلمة 4

بدء ظاهرة الأمة المسلمة ونشأتها


مفهوم القوم هو مفهوم دموي يستمد محتواه من روابط الدم حين بدأ الإنسان ينتقل من حياة التجوال الفردي إلي طور التجوال الأسري والقبلي وتكونت نتيجة لذلك ظاهرة القوم في الطور الرعوي للبشرية


أما مفهوم الشعب وهو مفهوم جغرافي يستمد محتواه من الروابط الجغرافية حين بدأت القبائل والأقوام تنتقل من طور الرعي إلي طور الزراعة والاستقرار في رقعة الأرض التي تحددها قوة الأقوام المتجمعة


ثم جاء طور الأمة حينما بدأت الحدود الإقليمية تنهدم وبدأ انسياح الأقوام والشعوب بعضها علي بعض ، وجاءت الرسالات الموازية لهذا الطور ابتداء من إبراهيم عليه السلام بمفهوم الأمة وهو مفهوم فكري يستمد محتواه من روابط الفكر والعقيدة ويتخطي روابط الدم والأرض السابقة

ولقد سبق اختيار إبراهيم عليه السلام بالاعداد لإخراج الأمة المسلمة اختبار لقدرته علي القيام بهذه المهمة ومدي استعداده لتقديم تكاليفها ومتطلباتها


" وإذا ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال إني جاعلك للناس إماماً ، قال ومن ذريتي ، قال لا ينال عهدي الظالمين " البقرة -124


والكلمات التي ابتلي بها براهيم عليه السلامهي :
1- استعداده للتضحية بنفسه
2- استعداده للهجرة والتخلي عن روابط الأسرة والدم والوطن
3- استعداده لمحاربة العقائد القائمة ورموز الثقافة المعاصرة المتخلفة
4- استعداده للتضحية بولده وأسرته

اجتاز إبراهيم عليه السلام هذه الاختبارات لذا استحق رتبة الإمامة ثم مضي إبراهيم مصحوبا بأبنائه وأسرته في التمهيد لإخراج الأمة المسلمة فابتدأ بتحديد موطنها ومؤسساتها حيث اختار لها موطناً منطقة وسطاً تقع في ملتقي المواصلات العالمية وتفاعل الحضارات وهي منطقة تمتد من بلاد الشام عبر دلتا مصر والحجاز


كذلك أقام مؤسستين تربويتين الأولي للتربية والتزكية وهي الكعبة والمسجد الحرام ، والثانية للدعوة والنشر وهي المسجد الأقصي ، ثم انقسمت الأسرة إلي جوار المسجدين ليقوم كل فريق بالاشراف علي المهمة الموكلة إليه في منطقته وإعداد الأجواء لفكرة الأمة الجديدة

ثم كانت الانطلاقة الولي لإخراج أمة الرسالة برسالة موسي عليه السلام التي جري التمهيد لها برحيل يوسف وأٍرة يعقوب إلي مصر وإشاعة جو من الثقافة الملائمة للأمة التي يراد إخراجها


وكان الخروج – الهجرة – بالمؤمنين بالرسالة الجدية مرورا بشمالي منطقة المسجد الحرام والتوجه إلي منطقة المسجد الأقصي لتطهير أرض أمة الرسالة التي رسم حدودها إبراهيم ولبدء الدعوة والنشر فيها


وكانت جماعة المهاجرين هذه تحمل في تشكيلها صفة العالمية وتعدد الأجناس وليس صحيحاً أنها اقتصرت علي جنس واحد هو سلالة إسرائيل الدموية ففي القرآن قوله تعالي يشير إلي أن أتباع موسي عليه السلام كان فيهم " رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه" وفي إجتماع يرئسه فرعون " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم "


ويروي القرآن كذلك قصة السحرة الذين آمنوا وتحدوا فرعون حين هددهم بالصلب وتقطيع الاعضاء وقالوا " فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا "


ويذكر القرآن أيضا ان دعوة موسي عليه السلام ضمت زوجة فرعون التي ضحت بنعيم القصر ودعت الله أن يعوضها قصراً بدله في الجنة

وفي المقابل يروي القرآن أن عصابة فرعون ضمت في قيادتها مترفاً عاتياً من قوم موسي ومن سلالة إسرائيل الدموية هو قارون


" إن قارون كان من قوم موسي فبغي عليهم "


وإذا كان القرآن يسمي الخارجين مع موسي بني إسرائيل فلأن المدلول القرآني ل(بنو) يعني أتباع المعتقد لا سلالة الدم كما ذكر ذلك الطبري في تفسيره نقلا عن الصحابة والتابعين الذين قالوا : إن آل الرجل هم أتباعه ، وقومه هم من علي دينه

ولكن آثار البيئة التي نشأ فيها أتباع موسي بيئة الثقافة الفرعونية فعلت فعلها في هذه الانطلاقة الأولي لأمة الرسالة، ومن هذه الآثار أن أتباع موسي تأثروا بعبادة العجل أبيس كذلك تأثروا بأخلاق الزراعة فحنوا إلي الراحة وإلي تقاليد الطعام المصري من البقل والقثاء والبصل والثوم والعدس، وظهرت فيهم أيضاً آثار بيئة الاستبداد الفرعوني وما تفرزه في أخلاق المحكومين من ضعف الإرادة ونكوص عن التضحية وضجر من المسؤولية ، ولكن أخطر هذه الآثار التي ظلوا يعانون منها حتي الوقت الحاضر هي تأثرهم بالعنصرية الفرعونية وتطوير عنصرية خاصة بهم وطلاءها بطلاء ديني تحت اسم جديد هو شعب الله المختار ولقد نتج عن ذلك إغلاق باب الانتماء إلي المة الجديدة أمام غير ذرياتهم

ثم جاء عيسي عليه السلام لإصلاح ما أصاب نواة الأمة الوليدة ولإخراجها من مفهوم القوم إلي مفهوم عالمية أمة الرسالة فاستخلص نفراً من الحواريين الذين تخلوا عن مفهوم شعب الله المختار ومضوا في الدعوة إلي العالمية بشكل أفراد لا بشكل أمة


وكما فعلت آثار البيئة الفرعونية فعلها في دعوة موسي كذلك فعلت آثار البيئة الرومانية فعلها في النصرانية وأخطر هذه الآثار ما قام به مترفو المجتمعات الرومانية من تحويل محور الدعوة الجديدة من الولاء للرسالة إلي الولاء لشخص الذي جاء بالرسالة بعد أن أسبغوا عليه الصفات التي كان الرومان يسبغونها علي آلهتهم التثليثية ،

أما الفرع الثاني من أسرة إبراهيم – فرع إسماعيل – فقد عملت بهم أيضاً عوامل البيئة المحلية القاحلة ، فتحولوا من أمة رسالة وتربية وتضحي بالنفس والمال لتربية الوافدين وتزكيتهم إلي أمة سدنة حولت الرسالة إلي نوع من الاستثمار السياحي الذي يدر عليهم المال ويوفر لهم الجاه

ثم كانت الانطلاقة العملية الثانية التي قادها محمد صلي الله عليه وسلم في الفرع الثاني من أسرة إبراهيم والمقيمة في المسجد الحرام ، فبلورت مفهوم الأمة وأصبح الشعار المميز لرسالتها ولما يزال مصطلحاً متميزاً لا يقابله في اللغات الأخري مصطلح مواز


وكذلك أصبح اسم الأمة مصدراً اشتقت من أسماء مؤسسات الرسالة الجديدة والعاملين فيها والممارسات الجارية مثل الإمامة والإمام للصلاة أو الحكم
و"آمين البيت الحرام "أي الحج و "آمين " أي مقتدين

ولقد كان جوهر هذه الانطلاقة تصحيح الاعوجاج ثم إستئناف المسيرة لذا ركزت توجيهات الرسالة الجديدة في :


1- إصلاح ما انحرف من منهاج إبراهيم عليه السلام


2- القضاء علي الانشقاقات التي حدثت في ذرية إبراهيم عليه السلام وتسببت في تقسيم نواة الأمة المسلمة إلي يهود ونصاري


3- اتخاذ الخطوات العملية التي تسهل هذه الوحدة المنشودة ومن ذلك كانت قبلة الصلاة نحو أول بيت بناه إبراهيم وكان الحج إليه ليكون مؤسسة للتربية العالمية وكانت حادثة الإسراء من لمسجد الحرام إلي المسجد الأقصي لإعادة الربط بين رسالة المسجدين وتكامل دورهما في التربية والدعوة والتعليم ولترسيخ هذه المعاني كان الحديث عن تجربة قوم موسي في منطقة المسجد الأقصي في مطلع سورة الإسراء ليكون تحذيراً لأمة الرسالة الجديدة لئلا تقترف ما اقترفته سابقتها من أمة موسي التي غفلت عن الوظيفة الأساسية للمقيمين حول المسجد الأقصي ، وانحرفت لاستغلال بركات المنظقة الجغرافية والطبيعية في الترف والشهوات والمفاسد والصراعات ، وبذلك استحقوا أن يبعث الله عليهم عباداً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ودمروا مؤسسات اللهو الدنيوي التي ألهتهم عن وظيفة الدعوة وتبليغ الرسالة


4- تقديم التفاصيل الكاملة لما يجب أن يكون عليه تنظيم أمة الرسالة ومؤسساتها وقيمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونشاطاتها المختلفة في الداخل ثم تنظيم علاقاتها بالجماعات البشرية في الخارج

29‏/03‏/2010

الأمة المسلمة 3

ملاحظات حول مفهوم الأمة

1- إن المعني الاصطلاحي المتكامل ل(الأمة) يتضمن عناصر أربعة : العنصر البشري و العنصر الفكري والعنصر الاجتماعي والعنصر الزمني
2- إن العنصر الرئيسي في مفهوم الأمة هو عنصر –الرسالة – أي العطاء الذي تقدمه جماعة من الناس إلي بقية مجموعات الإنسانية ليساعد علي بقاء النوع البشري ورقيه
3- لايشترط في العنصر البشريأو المكون الأول للأمة الروابط الدموية أو الجغرافية ولا الكم العددي
4- إن الأمة تتدرج في نشأتها ونموها ، تبدأ الأمة فرداً واحداً ثم تصير مجموعة صغيرة ثم شعباً حتي تنتهي بالدائرة الإنسانية كلها
5- إن الأمة الراشدة لا ينال من وحدتها تنوع الشعوب ، مادامت ولاءاتها تدور في فلك الرسالة ولاتدور في فلك الأشخاص والأشياء
6- إن الأمة كيان صناعي يمكن بناؤه وهدمه ،
7- إن استمرار الأمة في الحياة مرهون باستمرار حملها للرسالة
8- إن سعة دائرة الأمة يحددها مدي التواصل والاتصال الذي تحدده تكنولوجيا العصر.

لذلك كان من أبرز مسؤوليات المؤسسات التربوية الإسلامية أن تقوم في كل جيل بمراجعة المفاهيم المنحدرة من الآباء عن معني الأمة ومكوناتها وروابطها بغية تجديد المفاهيم الصائبة وتزكية المفاهيم المتداولة مما علق بها من نقص أو تشويه


الأمة المسلمة 2

الأمة المسلمة 2

معني الأمة
المعني الأول هي أن الأمة = إنسان + رسالة


والرسالة هنا هي مثل أعلي يقدم النموذج المثل للجوانب الخيرة في سلوك الفرد والجماعة ليأتم به الناس ويسعدوا ، ويقدم الصورة الشاملة للجوانب الشريرة ليتجنبها الناس ويسلموا من آثارها

الانسان قد يكون فردا واحدا
" إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين " النحل 120
وقد يكون جماعة من العلماء الدعاة الذين يحملون رسالة إصلاحية
" ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " الاعراف 159
وقد يكون الانسان طائفة أو قبيلة لها معتقدها
"وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمما " الاعراف 160
وقد يكون الانسان جيلا له فكر واحد ولون حضاري واحد
" تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم "
وقد يكون الانسان مجموعة متميزة بالتزامها مثل الرسالة ومبادئها
" كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" آل عمران 110
وقد يتسع مفهوم الانسان حتي يشمل الانسانية كلها إذا اجتمعت علي فكرة واحدة ومنهاج واحد
" وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا " يونس 19
المعني الثاني لمصطلح الأمة يعني منهاج حياة
" إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مهتدون" الزخرف 22
المعني الثالث فترة زمنية
" وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة " يوسف 45
المعني الرابع يعني مجموعة من الناس لها مهنة واحدة
" ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون" القصص 23
المعني الخامس لمعني الامة يشير إلي المخلوقات الأخري من الحيوانات والطيور والحشرات التي تنتمي إلي جنس واحد
" وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " الانعام 38

الأمة المسلمة 1

الأمة المسلمة

مؤسسات التربية الاسلامية في العصور التي تلت عصر النبوة والخلافة الراشدة تركت – أو أُجبرت علي ترك – فقه إخراج الأمة المسلمة ، وما يتطلبه هذا الاخراج من نظم وتشريعات ومؤسسات تقي الأمة من التسلط وتحميها من عوامل المرض وأخطار الوفاة . ثم نسيت هذا الهدف ، ثم انحصرت لتقتصر علي تربية الفرد الصالح غير المصلح الذي يُهيأ منذ الطفولة للانتقال إلي الآخرة دون التدرب علي عبور محطة الدنيا ، وهذا النوذج في التربية هو الذي ورثته مؤسسات التربية الاسلامية في العصور الحديثة حيث مازالت هذه المؤسسات تعمل علي أساس أنه : " إذا صل الفرد صلحت الأمة " وما زالت مؤسسات التربية الاسلامية التقليدية والحركات العاملة في ميدان العمل الاسلامي تتقبل تلك المقولة وتتعامل معها وكأنها آية من آيات الكتاب ، وليس كفرضية من الفرضيات البشرية التي قد تثبت أولا تثبت بالاختبار والتجريب في مختبر الأفاق والأنفس


فكانت النتيجة العملية لهذه الممارسات التربوية الخاطئة هي تكدس الأفراد المسلمين في أكوام بشرية ليس لديها علوم محددة عن " فقه " بناء الأمم وتنسيق المقدرات البشرية والمادية ، ولذلك أصبحت لعبة سهلة في أيدي قوي الاحتلال الخارجي التي مازالت تصنع من شظايا الأمة المسلمة المتوفاة مزقاً من الكيانات المهيضة التي تطلق عليها اسم – الأمم الاسلامية – وتحدد لها " جنسايتها " و "ثقافاتها " ومحاور " الولاء" فيها طبقاً لنظريات عصبية متخلفة وتصمم لها تطبيقاتها الخاوية الضعيفة في شؤون السياسة والإدارة والاجتماع

والمحصلة النهائية لجهل المؤسسات التربوية الاسلامية بإخراج الأمة المسلمة هي أن هذه المؤسسات مازالت تعمل علي إعداد أفراد صالحين غير مصلحين لتقذف بهم إلي بيئات غير صالحة حيث تدخل فضائلهم الفردية في صراع مع علاقات اجتماعية غير فاضلة إلي أن ينتهي بهم الأمر إلي الازدواجة في السلوك وإلي التلاوم ، والتآكل ثم الوقوع ضحية الانفعالات والانفجارات التلقائية والجهاد المرتجل أو المصطنع الذي كثيراً ما ينتهي بهم إلي الانتحار الاجتماعي ( حيث ينسحب الفرد من الحياة وتتعطل فاعليته الاجتماعية بانتظظار الموت والعدل الأخروي ، ثم يكون من ثمرات هذا الانتحار أن تتوقف الأمة عن مقاومة الطغيان الداخلي والعدوان الخارجي وتتحول إلي غثاء ينخر به الوهن والعجز وكراهية التضحية )


أو السحق تحت ضغط الإحباطات والنكسات دون أن ينتبه أحد إلي أن المطلوب هو " فقه " جديد أو علم جديد يتكامل فيه علم إخراج المة الاسلامية وعوامل صحتها ومرضها وموتها وبعثها إلي آخر ما يتعلق به .

الأمة المسلمة

الأمة المسلمة

مفهومها – مقوماتها – إخراجها

اسم الكتاب : الأمة المسلمة ( مفهومها – مقوماتها- إخراجها)
اسم المؤلف : ماجد عرسان الكيلاني
دار النشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة الثانية : 1421هـ - 2000 م
عدد الصفحات :241

كتب وكتاب - 17

الثوب الضيق

لويجي بيراندللو
الموازنة بين الأدباء وتفضيل واحد منهم علي واحد – كما جري عليه نقادنا القدامي- مذهب قليل الجدوي ، وهو دليل علي ضعف الاحساس الفني عند الناقد ، لأن لكل أديب شخصيته وملكته وطرافته ونواحي إبداعه

الكثير من قصص بيراندللو ومسرحياته يدور حول الثالوث الخالد : الانسان والحقيقة والزمن

سنة 1921 وهي السنة التي مثلت فيها مسرحيته " ست شخصيات تبحث عن مؤلف " فيها انتقل دفعة واحدة إلي مصاف كبار الأدباء ، كان في 54 من عمره


نجاح أتاه في سن عالية بعض الشئ ، ولكنه أحيا كل الجيد من أعماله الماضية ، فدخل بيراندللو عالم المشهورين بإنتاج سالف ضخم ثبت به مكانته
سنة 1934 حصل علي نوبل للآداب
أما القصة فهي
قصة حفل زواج تتعرض فيها أم العروس للموت فجأة فيتعرض الزواج للتأجيل ولكن هناك من يدرك أن في تأجيل الزواج إلغاء له بالكلية وأنه ستفوت تلك الفرصة للمسكينة العروسة فيحاول جاهدا إقناع الحضور والعروسين باستكمال العرس ولو الاجراء فقط حتي تتم الزيجة ولكنه يعاني في محاولته تلك وهو في أثناء محاولته يرتدي ثوبا ضيق و في أثناء إقناعهم ينقطع الكم ويطير في الهواء ويضحك الناس من هذا المنظر الغير مقصود فيجد في ذلك مناسبة للخروج من التزمت والحزن وينجح في إتمام الزيجة
...............................
العهد
فريدريش دورينمات

صار فريدرش دورينمات بالفعل كاتبا كبيرا كبري مسرحياته زيارة السيدة العجوز
وروايته العهد أصبحت من معالم القصص في عصرنا
دورينمات رجل واقعي جداً يقص عليك مايريد في بساطة تحسب معها أن يده كفنان لم تتدخل في العمل قط ، في نهاية القصة فقط نشعر أن بساطته تلك هي عمله كفنان ، وأنها في ذاتها عمل عسير كل العسر .

وهي قصة جريمة قتل يبقي مفتش البوليس فيها باحثا عن القاتل طيلة حياته حتي تحطم هو نفسه وضاع

فيها يدور حوار حول الحرية والمسؤلية
حرية كل مواطن في أن يقول مايريد وفي أن يستمع الناس له في احترام ، ثم مسئولية كل مواطن عن كل عمل يقوم به ، وهي مسئولية كاملة لا تعرف التجزئة أو التحايل أو إلقاء بعضها علي الغير .

الصداقة التي تتخطي كل حدود وتربط القارئ والكاتب هذه الصداقة التي يعتبرها الكاتب مكافأته الكبري
...........................................
رحلات مع شارلي
جون شتاينبك

لكل منا كتابه المفضلون ، وهم الذين نشعر ونحن نقرأ لهم أن بيننا وبينهم مودة ومشاركة في العواطف وتشابها في النظرة إلي الحياة ، هذه الوشائج التي تقوم بيننا وبين من نفضله من الكتاب هي التي تحدد مكان كل منهم وتقرر نصيب أدبه من البقاء والزوال ..


لأن الأديب بمن يقرأونه لا بما يكتب ي ذاته ، ومن بين كتابالعصر كان جون شتاينبك هو الاقرب إلي نفسي منذ أن ترجمت له قصة " ثم غاب القمر " وهي أصغر قصصه حجماً وإن كانت أغناها بخصائصه كإنسان يقدس الحرية والحق وينفر من الظلم والخيانة والخداع ..


وأعتقد أن بعض صفحات من مراعي الفردوس 1932 جديرة بأن تعد من أجمل ما كتب الكتاب في أيامنا هذه


ومن أجمل قصصه وأعمقها وآخرها ظهورا شتاء السخط

من خصائص الرجال ذوي الهمة أن متاعب الأيام تزيدهم حيوية وقوة


لقد قطعت مع شتاينبك صفحات كثيرة جداً دون أن أظفر بشئ ذي قيمة حقيقية عن أمريكا والامريكيين ( القصة تدور حول رجل وكلبه يقوما برحلات في امريكا )


إننا نقرأ هذه الكتب لنتعلم ونستفيد ، لا لكي نقرأ ألفاظاً وجملا لطيفة كأننا نقرأ مقامات الحريري


وليس معني ذلك أنك تمل مع هذا الكاتب لحظة واحدة ، هؤلاء الكتاب الكبار كسبوا من المران والخبرة ما يستطيعون به أن يشغلوك دائماً بما يقولون ، طريقتهم في الكتابة طريقة جذابة تدل علي أستاذية التفاتات أذهانهم ولمحاتهم الفنية لا تفارقهم أبداً


جون شتاينبك قصاص يعرف كيف يرسم شخوصاً ويخلق حوادث ويدير حواراً ويصل إلي حقائق النفس الإنسانية عن طريق ما يرسم ويخلق ويدير ، إنه من أولئك الكتاب الذين يعيشون للقصة وحدها ، يمارسونها في صبر وحب وعن قدرة وإدراك ومن خصائص الفن القصصي أنك لا تصل إلي الشفوف فيه (التفوق) إلا إذا انقطعت له ، وقلما نجد قصصياً بارعاً وله في فن آخر من فنون الأدب مشاركة ، اللهم أن يكون الأدب المسرحي .

يقول شتاينبك : إنني تبينت بالتجربة أنني أعجب بكل الشعوب وأكره كل الحكومات .. إن الحكومات قديرة علي أن تشعرك بأنك من الصغر والحقارة بحيث تحتاج بعد ذلك إلي جهد كبير لكي تعيد إلي نفسك شعورك بنفسك وأهميتها

إن شتاينبك في هذا الكتاب مجامل كبير وهذه صفة من صفات الكتاب الذين أسنوا : يريدون أن يحبهم الناس ويقبلوا عليهم ، ولا يريدون أن يسيئوا إلي أحد أو يجرحوا شعور إنسان .

كتب وكتاب - 16

جورج برناردشو

أندريه مورا

هذه الدراسة فصل من كتاب يعتبر من أمتع ما كتب أندريه موروا ، وإن كان من أقل مؤلفاته شهره عندنا ، الكتاب عنوانه ساحرون ومنطقيون

قليلون من الفرنسيين فهموا الانجليز كما فهمهم موروا ، الفرنسي الذي يفهم الانجليز أو يحبهم نادر ، معظم الفرنسيين يعجبون بالانجليز ولكنهم يجدون فيهم غرابة أو شذوذاً أو بروداً أو أنانية ، وأشياء أخري

ماكتبه موروا عن ديكنز في كتابه المسمي دراسات إنجليزية يعد من أحسن ما كتب عن أمير القصصيين الانجليز لذا يندر أن تقرأ بحثا عن ديكنز دون إشارة إلي مقال موروا

الفقرتان الأولي والثانية تعرضان حياة من يترجم له هذه ناحية هامة ينساها الكثيرون ممن ينشئون مثل هذه الدراسات


فلا يمكن أن نتصور إنسانا دون إطار من زمنه وميدان حياته

في بداية حياة برناردشو الأدبية سأله صحفي أن يعرف نفسه فقال : " برنارد شو رجل أعزب ، أيرلندي ، نباتي ، كذاب ، دجال ، وهو اشتراكي ومحاضر مولع بالمويسقي ، ينكر إنكاراً شديدا المركز الذي تحتله المرأة في حضارتنا ويؤمن بالفن إيماناً جاداً "


يقول موروا طريقة برنارد شو كما في تلك العبارة السابقة هي طريقة تتلخص في إحداث وقع مفاجئ فكه في نفس القارئ عن طريق إيراد الحقائق في بساطة وتهكم ، فكل مافي هذه العبارة صحيح .
من أقوال شو  :


" لا تعمل للناس ما تحب أن يعملوه لك ، فإن ميولهم قد تختلف عن ميولك "
"لا تقاوم الإغراء أبداً ، بل جرب كل شئ واستمسك بكل ما تجده طيباً لك .. والقاعدة الذهبية هي أنه لا توجد قاعدة ذهبية "

التزم شو في حياته طريقا هو أقرب إلي الزهد والتقشف ، فقد عاش عزبا لا يقرب النساء نباتيا لا يأكل اللحم ، ولم يشرب الخمر ولا عرف التدخين ، حتي القهوة والشاي حرمهما علي نفسه ، لأنه كان يعتقد أن كل ستثارة للذهن جريمة اعتداء علي النفس الإنسانية


لوم يكن شو يضيق بالفقر أو يتململ منه ، فقد قال يصف أوائل سنوات سعيه أيام كان لا يظفر بما يسد ضروراته : " لا أستطيع القول بأنني ذقت الفقر حقا ، فقبل أن أستطيع كسب شئ بقلمي كنت أملك مكتبة عظيمة في المتحف البريطاني ، وكان لدي أجمل معرض للوحات الفنية قرب ميدان ترافالجار . وماذا كنت أستطيع أن أعمل بالمال ؟ أدخن السيجار ؟ إنني لا أدخن .. أشرب الشمبانيا ؟ إنني لا أشرب .. اشتري ثلاثين بذلة من آخر طراز ؟ إذن لأسرع بدعوتي للعشاء في قصورهم أولئك الذين أتحاشي رؤيتهم قدر ما أستطيع .. اشتري خيلا ؟ إن الخيل خطرة .. سيارات ؟ إنها تضايقني .. والآن لدي خيالا خصباً وعلي قدر ما تعي ذاكرتي من الماضي ، لا أذكر أنني احتجت شيئاً أكثر من أن استلقي وأغلق عيني لأتصور نفسي كما أحب وفعل في الخيال ما أريد ..وإذن ففيم كان ينفعني الترف التعيس الذي يزخر به شارع بوند ؟ ..

كان شو يقرأ في نهم بالغ من الصباح إلي المساء ، وعندما يتعب من القراءة والكتابة كان يمضي إلي متاحف الفن


كان يقول : " لكي يسمع الناس ما أقول اضطررت إلي أن اتكلم علي نحو يجعل الناس يتصورون أنني مجنون ، مجنون يسمح له الناس بالحقوق والحريات التي يتمتع بها مضحك البلاط "
وكان يقول إنه علي استعداد لأن يطوف شوراع لندن حاملاً علي ظهره آلة موسيقية تدار باليد ومتنكراً في هيئة بهلوان إذا كان هذا ضرورياً ليسمع الناس ما يقول
حصل سنة 1925 علي جائزة نوبل في الدب
كان شو حريصا دائما علي أن يوجه نقدا قاسيا للأمريكيين والانجليز
................................
ثلاثية العدم
صمويل بيكيت

صور من اليأس وأصداء ضياع وحطام أذهان غرقي ، فإننا مهما تساهلنا في مفهوم الفن لا نستطيع التسليم بجواز استخدامه أداة لتشويه صور الحياة وبث اليأس في النفوس وهدم ما بنته الاجيال من ذوق قويم ينفع الطبع السليم ويزكو عليه الحس الانساني الكريم ..

مهما تقرأ لصمويل بيكيت أو برتولتبريخت أو جوتفريد بن وأضرابهم فإنك دائما في عالم حزين عقيم متشائم لا يعرف نظاما أو قيمة خلقية أو معنوية


ومع صكوييل بيكيت بالذات أنت دائما في شبه صحراء بباب يضرب في فيافيها مجانين وحمقي ويائسون من كل شئ وتحوم فوقها أشباح الموتي وأرواح المنكوبين ، ومثل هذا الجو تشعر به في التصوير عند بابلو بيكاسو وسلفادور دالي وأمثالهما ممن يقوم فنهم علي تحطيم القواعد والاصول وتخريب الذوق الجمالي عند الناس ، زاعمين أنهم ينشئون بهذا فنا جديدا لعالم جديد


وكذلك في موسيقي الضوضاء والصخب والخبط وقذف أحجار علي زجاج أمثال أرتور هونجر وأيجور اسسترافينسكي

مع بيكيت تجد أنك كنت قبل القراءة أحسن حالاً بكثير مما صرت إليه بعدها ..

كتب وكتاب - 15

النائب العام

جيتيه
لم يصل إلي الكمال الفني والشهرة الطائرة في أيام جيته وبعدها إلا أربعة
شكسبير عند الانجليز
ودانتي عند الإيطاليين
وثرفانتس عند الاسبان
والمتنبي عند العرب
وجيته له مثل ما لهؤلاء من عظم الشأن

كتابه الانساب المختارة من أعماله الأخيرة ولكنها من أجمل ما كتب وأكثره ابتكارا فهي قصة سيكولوجية ودراسة لأربعة عقول

أعمال جيته كثيرة جداً وهي تتكامل في مجموعها وتعطي صورة لحياة عقل عالمي نشيط متدفق ، وتصور حاية حافلة جمعت بين العمق والشمول


وهو لا يزال يعيد ماكتب مرة بعد مرة حتي لتعجب من كثرة إلحاحه بالعمل في الكتاب الواحد ولم يحدث في تاريخ الفن أن رجلا بدأ عملا وهو في سن الخامسة والعشرين ولم يفرغ منه إلا وهو في الحادية والسبعين إلا في حياة جيته


بدأ فاوست في أوائل أيامه في فايمار حوالي 1771 ولم يفرغ منها إلا بعد قرابة الخمسن سنة

قال نوفاليس : إن جيته هو حاكم دولة الشعر علي الأرض

أما عن قصة النائب العام فهي من أعمال جيته الصغيرة وهي إحدي أقاصيص مجموعة حكايات قصيرة سماها " تسليات ألماني مغترب "


تعين في تاريخ الأدب الالماني ظاهرتين رئيسيتين هما ميلاد القصة القصيرة والثانية بدء التعاون بين جيته ومعاصره فريدريش شيلر

أما عن القصة فهي قصة تاجر في خريف العمر وصبية في عمور الزهور يشعر التاجر مع مالديه من ثراء بإنه يحتاج إلي شئ آخر لا يملكه ويعرف أنه المرآة أو الزوجة فيتزوج فتاة ويسعد معها ثم يهمل تجارته ثم يندم علي ترك تجارته التي اعتادها طيلة عمره ويشعر بالغيرة من التجار الذين يحملون سفنهم ويذهبون للتجارة فيعزم علي الرحيل ثم يقول لزوجته علي عزمه علي الرحيل وأنه بسبب طبيعته كتاجر وليس مللا منها بل هو معها في سعادة وهناءة ثم يقول لها إذا غبت عنك فإني أعرف انها ستتحرك فيك الأنثي التي ترغب في الرجل فإن كان فلا تختاري إلارجلاً شهما ذا مروءة عاقل حصيفا وهكذا


تجادله وتعتب عليه في سوء ظنه بها وتقول له أنها ستظل وفيه له


يسافر الرجل وتمر الأيام تلو الايام وحين يعرف بخبر السفر الشباب يتهافتون علي نوافذ القص وبابه لكي يلفتوا نظرها إليهم تزهق أول الامر ثم تأنس بهم ثم تتطلع إليهم ثم تحاول أن تحتار أحدهم


وهنا يأتي البلدة رجل من أهل القانون قد سافر لدراسته وهاهو يعود بما حمله معه من أسرار القانون فيحتي به أهل البلدة ويعينونه نائبا عاما وكان طريقه يمر بقصرها فأعجبها فتحتال عليه لتقابله ثم تخبره بخبرها ووصية زوجها فيمتن لها ويقول لها انه كان يعرف زوجها ويوقول لها أنه سر بعرضها ولكنه قد ألم به مرض مهلك وانه قد نذر إن هو شفي منه أن يصوم عاما ويتقشف فيه وأنه قد مر من العام 10 أشهر فتجزع ولكنه يقول لها لو أن هناك من يصوم عني شهر لأصبحت المدة الباقية شهر واحد فتوافق علي أن تصوم عنه ذلك الشهر وتتقشف فيه حتي إذا ما انتهي ذلك الشهر تلاقيا تلاقي الحبيبين


تمر الأيام ومع مرور الايام تدرك حقيقة الامر لأن الجسم إذا تخلص من إسار الطعام والشراب والملبس الفاخر تجلت النفس فيه وتكشفت لها حقائق الحياة


فتشكر الرجل علي أنه أنقذها لنفسها ووهبها لروحها وتعترف له أنها مدينة له بوجودها كله وتفهم نصيحة زوجها
وتقول له – أي النائب العام – لقد جعلتني أشعر أن كياننا يضم إلي جانب نزعات الجسد قوة توازنها وتمكننا من التغلب عليها ، وأننا قادرون علي التخلي عما اعتدنا عليه من نعيم والانصراف عن أعز رغباتنا
................................


آلام فرتر
جيته


حين صدرت آلام فرتر كان عمر جيته 25 عاما ولم يكن يتصور أن تلك الصفحات الرقيقة الحزينة التي كتبها في بضعة أسابيع ستصبح يوم صدروها علما من أعلام الأدب العالمي ولكن الناس تخاطفوا هذا الكتاب الصغير كأنما كانوا عطاشا إليه منذ زمن بعيد

الرومانسية في صميمها ثورة علي كل ماهو جامد تقليدي خاضع لمنطق العقل وحده


جدير بالملاحظة أن جيته لم يكن رومانسياً إلا فترة قصيرة جدا من حياته ، كتب فيها آلام فرتر ثم مضي في طريقه متحرراً من المدارس والمذاهب


وجيته وصل في الزمن القصير إلي أقصي ما يصل إليه الواصل في المجال الرومانسي ، ثم تركه وانصرف إلي غيره ففي آلام فرتر كل خصائص المذهب وميزاته وعيوبه كذلك

ميزة الفنان الكبري أنه يعيش في تيار الحياة ويقف علي شاطئها في آن واحد يستجيب لكل انفعالاتها ، ولكن يبقي في كيانه وإحساسه رغم ذلك جزء ساكن هادئ هو الذي يصف لنا تيار الحياة من حوله وانفعالاته بما يعيشه ومع ما يراه

كتب وكتاب - 14

بعد النهاية

جراهام جرين

الحياة الحقيقية للكائن الحي تنتهي بالفعل عندما يتحقق الغرض من وجوده


كان النقاد يقولون إن رواية لب الموضوع هي قمة إنتاجه كأديب ذي فلسفة خاصة في الحياة ..
وبعد النهاية قصة ممتعة يحكي فيها قصة كاتب وصل إلي النهاية في انتاجه الادبي وأراد أن ينزوي بقية حياته ليقضي ما بعد النهاية في خمول وهدوء حتي تحل ساعة الرحيل ولكن .. هل يتركه المجتمع يقضي ما بعد النهاية في هدوء ووقار ؟
....................


حذاء الصياد
موريس ويست

من الحقائق المقررة في النقد الأدبي أن المعاصر قلما يصدق في الحكم علي معاصريه ، لأن هناك عوامل كثيرة تؤثر في حكمه ، أهمها صداقاته أو عداواته لهذا أو ذاك من الكاتبين في أيامه .

الرواية التقليدية التي تدور حول الحب والبطولة ومشكلات الأفراد الجارية أصبحت لا تكفي لتصوير عالم ضخم متشابك كهذا الذي نعيش فيه ..


في عصرنا هذا لابد أن تكون القصة الكبيرة دراسة ، ولابد للقصاص أن يكون أولاً مؤرخاً أو فيلسوفاً أوعالماً اجتماعياً ، ثم صاحب خيال وصياغة بعد ذلك .


هذه الرواية غير عادية وموضوعها غريب وطريقة صياغتها أغرب
فموضوعها هو دولة الفاتيكان والعقيدة الكاثوليكية وموقفها من مشكلات العصر وأهله ، وفيها حكايات كثيرة في قصة واحدة فمن خلال الشخصيات الكنسية نفهم عن الفاتيكان أشياء لا نفهمها من الكتب الكثيرة جدا التي كتبت عنه
تبدأ الرواية عند موت أحد البابوات والاستعداد لاختيار خلف له ، وهي تصف في دقة عظيمة ما يحدث عندما يتوفي أحد خلفاء الرسول بطرس ويجتمع الكرادلة لانتخاب بابا جديد ..


وبطرس الرسول – أو سمعان بن يونس – كان صياد سمك قبل أن يلتقي بالسيد المسيح ويتبعه ، وفي الاناجيل من كلام السيد المسيح له أنه سيجعله صياد رجال وسيبني عليه كنيسته وسيسلمه مفاتيح مملكة السماء ..

28‏/03‏/2010

كتب وكتاب - 13

قارب بلا صياد

أليخاندرو كاسونا
وهي أحسن ما كتب كتبها سنة 1945 وهي رمز علي صراع بعض رجال المال ، واستعدادهم لأي شئ في سبيل المال والشركات والأسهم والسندات ولهم في هذا العبث القاسي شريك دائم ، هو الشيطان
في حوار بين الشيطان وأحدهم
يقول الشيطان له : ولكنك مثلا عندما تقرر أن تغرق السوق في مكان ما ببضاعتك فأنت تتسبب في إفلاس كثيرين .. هل تفكر في أنك كنت السبب في أن ألوفا من الناس فقدوا موارد عيشهم .. أغلقت مصانعهم ودكاكينهم وألقيت بأسرهم في الطريق .. ومات الكثيرون منهم لهذا السبب ..

لا مكان للإنسان في الدنيا إلا حيث يحب
قلبا يعمره الحب لا مكان فيه للشيطان
ليس في الدنيا أروع من ختام مجيد لحياة إنسان صادق

إنسان عرف كيف يحتمل أوصاب الحياة آلامها في صمت وثبات ، حتي إذا وافاه القدر المحتوم مضي والدنيا علي رسله تردد ما كان يقول ..

وله أيضا
الأشجار تموت واقفة
و ثلاث زوجات صالحات
 ...................................

رجل بمعني الكلمة
ميجيل دي أونامونو

تنقله من ميدان إلي ميدان وانصرافه إلي الخصومات والمساجلات ،، ثم طموحه إلي شئ لم يتبينه في وضوح ، كل هذه وقفت به عن الوصول إلي شئ كامل في أي من هذه الميادين فلقد كتب في الفلسفة واللاهوت والفكر السياسي والقصة والمسرح وأجاد في معظم ما كتب ولم يستطع مع علمه الغزير وملكاته الفكرية النادرة أن ينشئ عملا حاسما بارز الملامح


فليس هناك بناء فكري متكامل منسوب إلي أونامونو ، ليست هناك نظرية كبري أو آراء واضحة المعالم ، وإنما هناك قطع صغيرة معظمها جميل وبعضها رائع
وعندما قرأت كتابه المبدع المعني الفاجع للحياة أحسست أنني قرأت مقدمة وأن الكتاب آت بعد ذلك
وأجمل كتبه علي الاطلاق – في رأيي –هو تاريخ الدون كيخوته وسانشو
الوصول إلي القمة في أي ميدان من ميادين الرواية يتطلب تخصصا فيه وانقطاعا له

24‏/03‏/2010

كتب وكتاب - 12

فيدور دوستفسكي
ستيفن تسفانج

منذ قرابة 20 سنة يقرأ الناس في عالمنا العربي مترجمات لكاتب نمسوي ذائع الصيت هو ستيفان تسفايج والنقاد والناشرون يقدونه علي أنه أية من آيات الابداع الفكري في عصرنا وكذلك حدث مع أميل لودفيج و ماكس سيمون زودفيلد المسمي باسم ماكس نورداو

وهؤلاء الثلاث لا تتميز كتابتهم إلا ببهارج وألفاظ .. يخلبون الالباب بلمع بارق من الثقافة والعلم ، وما تقرأ لأحد منهم سطرا إلا رصعه باسم أديب أو موسيقي أو رجل من رجال الاناجيل مع تضمينات وإشارات توهم القارئ بالعلم العظيم ، فإذا فرغ القارئ من الكتاب وسأل نفسه عما أفاد ، لم يجد شيئاً

أما عن الكتاب فإنك تقرأه و تعاني بتعبير أدق في قرائته ثم تجد نفسك آخر الأمر كما دخلته ، لم يزد علمك به أو بواحدة من رواياته شيئاً ، فلا أنت عرفت حياة دوستوفسكي ولا أي رائعة من روائعة شيئا
وهذا طراز عجيب من التأليف
وتعجب بعد ذلك كيف كان الرجل في حياته قطباً من أقطاب الفكر يتلقف الناس ما يكتب وكأنها روائع مفردات ؟


وليس هذا من تعليل إلا الدعاية الواسعة التي تقوم بها دور النشر في الغرب لكتاب من ملة معينة (يهود) دعاية مقصودة يرمون من ورائها إلي فرض امتياز أهل هذه الملة علي الناس فرضاً ، والتمهيد بذلك إلي المأساة التي نشقي نحن بعقابيلها في فلسطين .


أما عن دستوفسكي فلقد كان أعمق محلل لنفوس البشر عرفه التاريخ تجلي ذلك في روايته " ضيعة ستيباتشيكوفو"


ومن خلال قصصه تعلم الروس كيف يعبدون روسيا


كتابه " خطابات من العالم السفلي " 1866 قرئ ويقرأ في روسيا بتقديس أكثر من قداسة الأناجيل ، إنه الكتاب الرئيس الذي يتجلي فيه تحوله النفسي العميق من كاتب مثالي إلي مؤلف فواجع تهز النفس الإنسانية هزاً ، ليس في الأدب العالمي قصة كالإخوة كارامازوف تجمع أشخاصاً أربعة متميزة ومع ذلك متشابهة ، متنافرة ومنسجمة في آن واحد . هذه القصة بالذات أذكر أنني قرأت كل فقرة من فقراتها مرتين : إذا فرغت من الفقرة أحسست أنه فاتني منها شئ فأعود أقرأها
من أسف أنني لم أستطع قراءة هذا الرجل إلا مترجماً .
أحسن من كتب عن دوستوفسكي الناقد الروسي ميريشكوفسكي

عبقرية دستوفسكي وأمثاله كشكسبير وبلزاك وغيرهم تكمن في قدرتهم علي فهم غيرهم والوصول إلي أعماق نفوسهم


ولوكانت عبقرية الكاتب تقتصر علي تصوير نفسه في شخووص شتي لكان عباقرة الكتاب ألوفاً .. هذه بالذات هي نقطة الضعف الكبري في معظم القصص الأمريكية الطائرة في أيامنا هذه ، فإنك تتناول الكتاب الذي يقال لك إنه يباع بالملايين فلا تجد فيه إلا رجلا يصور نفسه والبيئة المحيطة به أو إمرأة تصور نفسها والبيئة المحيطة بها ولهذا تندر أن تجد لهؤلاء أكثر من كتاب واحد جيد ، وما أكثرما عانيت من أولئك الكتاب والكاتبات يغرك الكتاب بصيته الذائع فتجتهد في الحصول عليه وتشقي بقرائته ، ثم لا تجد فيه بعد ذلك ما يخرج عن نطاق ريبورتاج صحفي جيد

وكتاب من طراز ماكس نورداو وإميل لودفيج وستيفان تسفيج ليس عندهم إلا ذلك


تجار ألفاظ وعبارات بهلوانية وإشارات توهم بالثقافة وسعة الاطلاع في فقره واحدة يذكر الواحد منهم يوليسيس بطل الاغريق شيشرون خطيب الرومان والراهب القديس أوغسطين وجيته وشكسبير وبلزاك والقارئ السساذج يفتح فمه دهشاً ويقول : ما أوسع علم هذا الرجل!


ولكن الشهرة شئ والأصالة شئ..


فالشهرة لها ألف طريق ، والاصالة ليس لها إلا طريق واحد ..
وفي أيامنا هذه أصبح للشهرة ألف ألف طريق ..
حقاً إنه في ميدان العلم والأدب والفن ليس هناك إلأا مقياس واحد للأصالة : الزمان
من جاز امتحان الأيام وعبر السنين فهو الأصيل
وما أصدق ماقاله ناقد أمريكي عقب انتحارإيرنست همنجواي : " إنه الآن أشهر أدباء الدنيا .. ولكن انتظروا حتي نري هل سيجوز اختبار الزمان "

كتب وكتاب - 11

الجبابرة

كارلوس أرنيتشي

لا أعرف فيما قرأت ورأيت من قصص ومسرحيات عملا واحداً يقدم علاجا لمشكلة إجتماعية ، لأن الكاتب ليس عالماً أو باحثاً اجتماعيا أو مشرعا ، إنما هو رجل فن يعرض ما يترائي له من الموضوعات أو صور الحياة بأمانة الفنان الصادق وخياله المبتكر ، أما العلاج ، فليس من شأنه ، وهو إذا اهتم بالعلاج لم يعد فنانا


وأقصي ما نطلب من الكاتب في هذا الوجه أن يكون العرض نفسه علاجا أو مبدأ لعلاج .. أن يكون منبها علي النقص أو لافتا النظر إليه ، وما أكثر المشكلات الاجتماعية أو الانسانية التي يكفي لعلاجها أن نراها كما هي ..


من هو كارلوس أرنيتشي ؟

يقول عن نفسه
" إنني رجل عجوز ، كاهلي يثقله حمل كبير من السنين ، ضع أري رقم أحببت فذلك لا يضيرني .. أنا المسؤول عن هذا العبء ، لأنني عشت هذه السنين كلها .


إني رجل طويل لازلت منسرح القامة إلي حد ما . ملبسي منسجم وسط ، ووجهي ليس بالقبيح كما يقول بعض من كتبوا عني ، يقولون إن هيئتي تشبه هيئة شخصية مريكية ، لا أدري ولكن هذا لشبه لا يضايقني فلندعه كما هو ..


لي عينان ضيقتان ، ولكن ما أكثر ما رأيت من خلال هذين الشقين!


أما فمي فلا أدي كيف هو .. إنه فم متعب من كثرة ما قال من أشياء لا يحبها .. ثم أين هو الرجل ذو الفم الجميل ؟
هذه هي صورتي الجسمية أما صورتي النفسية فأسوأ ، من وجهة نظري طبعا ، إنني عامل لايكل من العمل ، وأنا علي حق إذ أفخر بذلك ، حملت النير علي عاتقي منذ الرابعة عشر من عمري ، بدأت عاملا في متجر ثم صبيا لصحفي ، ثم أصبحت في الثامنة عشرة كاتبا هزلياً ، وعلي هذا ظللت إلي اليوم ، ولم يكن حظي فيه سيئاً ..
الجمهور كان يحبني أما الصحافة فنصف نصف
لم أعرف الاستغلال ولا التدليل ، أقصد لم يكن لأحد دالة علي ، ولا كانت لي دالة علي أحد ، لهذا تكلفت في ما وصلت إليه من نجاح ثمناً باهظاً ..


وكنت دائما قانعا بمكاني من الحياة .. لم أفعل أبدا ما يفعله الكثيرون ممن يدخلون المسرح وفي يدهم تذاكر لمقاعد في الصف العشرين أو الثلاثين ، ثم يرشون عامل الصالة بشئ ليجلسهم في أحد المقاعد الخالية في الصفوف الأمامية ..


هؤلاء يظلون دائماً في خوف ، كلما دخل داخل تلفتوا ، مخافة أن يكون صاحب المقعد الذي يجلسون فيه ، كم من مرة رأيت ناسا مكانهم الحقيقي في الصف الثلاثين ، وجلسوا بالرشوة في الصف الأول أو الثاني ، ثم جاء أصحاب المقاعد فعادوا صاغرين إلي مكانهم الحقيقي .. هذا لم يحدث لي في الحياة أبداً ..


مقعدي الذي تخولني إياه تذكرتي في الصف الرابع عشر ، رضيت به وجلست فيه ولم ينقلني منه أحد ، لأنه مكاني الحقيقي .


مكاني متواضع .. هذا حق ، ولكني أجلس فيه هادئاً مطمئنا ، أقرأ صحيفتي بين الفصول ، وأتأمل أهل الطموح والحسد والجرأة يروحون ويجيئون في حيرة لا يعرفون لأنفسهم قعداً وليس لهم في الحقيقة مكان ، لأن الغرور أبي عليهم الاستقرار في مكان ..


إنني مطمئن وهادئ في مكاني المتواضع ، وبهدوئي هذا أقول لغيري : أيها السادة ، ليجلس كل منكم في مكانه ! هذا هو المعقول ، وهذا هو العدل . اذكروا – يرحمكم الله- أنه في النهاية ، عندما يهبط الستار علي مسرح الحياة .. سنذهب جميعاً إلي عالم لاسبيل فيه إلي رشوة عامل الصالة ، لأن عامل الصالة عند ذلك يصبح الزمن ، والزمن لا صديق له ، وهو يُجلس كل إنسان في مكانه الحقيقي بين المذكورين أو المنسيين .. بهذه الكلمات أختم تصويري لنفسي "

مات كارلوس أرنيتشي في مدريد سنة 1943 في السابعة والسبعين من عمره لم يرثه أحد رثاء طويلا عند موته مكانه الحقيقي الصف الرابع عشر كما قال لم يتح له إلا هذا الرثاء القليل التقليدي الذي يصيبه أصحاب هذه المقاعد المتوسطة عندما يموتون
ولكن عامل الصالة في العالم الآخر – وهو الزمن – مضي به إلي أحد مقاعد الصفوف الأولي ..
هذا هو مكانه الحقيقي ، لم يجلس فيه في حياته مرة واحدة ..
أعتقد أنه بهذا أسعد من غيره بكثير ، وأسعد من أولئك الذين يحتلون مكانا صدرا بالقوة أو بالرشوة أو بوسائل أخري ، ثم يعود بهم الزمان إلي عالم النسيان .

أما عن المسرحية
فالجبابرة هم مجموعة تعاونت علي أكل أموال الدولة والناس ..
وهم العمدة وكاتب العمدة ، وممثل للإدارة ، وحاجب العمدة
تكثر الشكاوي من العمدة فيرسسل إليه مفتشين ، يحدث سوء تفاهم بين المفتشين ورجلين آخران هو رجل وابن أخته تربطهما لعاقة عاطفية بابنة أخ العمدة وأخته
ويحدث مفراقات ومواقف مضحكة
وفي النهاية يأتي المفتشين الحقيقين ليكتشفا تزوير العمدة وتلاعبه
قصة بسيطة محبوكة الاطراف بديعة الحوار ألأطف مافيها الحوار الفكه الساخر والمواقف المضحكة التي يطرب لها القارئ ، وهي تخفي في أطوائها سر المأساة

23‏/03‏/2010

كتب وكتاب - 10

واسيبونجو

خورخي إيكازا


لم تظهر خلال القرن الحالي إلا ثلاث قصص أجمع النقاد في المكسيك وبيونس ايريس وسانتياجو دي شيلي علي أنها أعمال جديرة بالتقدير وهي

1- السيدة باربرا رومولو جاييجو من فنزويلا – تعالج مشكلة الرقيق الأبيض
2- واسيبونجو خورخي إيكازا من الاكوادور – تدور حول مآساة الهنود الحمر
3- العالم واسع وغريب سيرو اليجريا من بيرو – تتعرض للسياسة في أمريكا الاسبانية

من بينن هذه الثلاث تبدو رواية " واسيبونجو " وكأنها أجرأ دراسة اجتماعية قام بها رجل في الحياة الامريكية اللاتينية ، إنها تعرض مأساة الهنود الحمر كاملة . دون مواربة أو تلطف ، دون خوف أو حتي حياء ، يعرض خورخي إيكازا مأساة ملايين من البشر هلك معظمهم والباقي في طريق الهلاك

واسيبونجو جلبت لمؤلفها المجد ولشقاء ، لفد هاجم فيها الآلهة الثلاثة التي تسيطر علي مصائر البشر هناك : أصحاب المال والإقطاعيات ، والكنيسة ، والحكومة .


هذه الثلاثة رمته عن قوس واحدة ووقفت له بالمرصاد ، قال إنه يعاني من نفس الجلادين الذين قضوا علي حياة كولومبوس
...................................

الأجنبي ( الغريب)
ألبيركامو ( ألبير كامي)

أثناء فوران الثورات ، يصعب إصدار الاحكام علي هذا أو ذاك من الكتاب الذين مهدوا لها أو عاشوا في غمارها ، لأن القيمة الحقيقية لكتاباتهم لا تتجلي إلا بعد زمان طويل ، بعد أن يهدأ الفوران وتستقر الأحوال أو يتحدد الاتجاه علي نحو ما ، هنا تعرف الاقدار ويتبين من كان يتكلم عن صدق وعلم ممن كان يجري في التيار أو يلقي الكلام علي عواهنه ، فقبل الثورة الفرنسية وأثنائها كتب مئات ، ولكن الذين ثبتوا منهم لامتحان الزمان العسير ثلاثة وهم


فولتير وروسو ومونتسكيو

الغريب من بواكير أعمال ألبير كامي كتبها وعمره 29 عاما ولكنها من أنضج مؤلفاته ، وهناك من يرون أنها أحسن ما كتب علي الإطلاق

قمة عمله القصصي تتجلي في قصته الطاعون


سر نجاحه أنه عرف كيف يعبر في براعة عن روح عصره ، إنه الوحيد الذي عرف كيف يكشف النفس الأوروبية خلال الحرب وما بعدها علي حقيقتها ويعرضها كما هي : بيأسها ، وسخافتها ، وبتهافتها علي كل ماهو تافه ورخيص هذا – علي وجه التفريب – ما قالته اللجنة التي قررت منحه جائزة نوبل للآداب سنة 1957

كتب وكتاب - 9

شتاء الأحزان ( شتاء السخط)

جون شتاينبك

إن كنت من هواة الفن القصصي في أكمل صوره ، فإن كاتبك المفضل في عصرنا هو جون شتاينبك


رواياته حكايات إنسانية ذات عمق وأبعاد نفسية ، وهي تقوم علي شخوص مرسومة في دقة ورقة حتي لتراها رأي العين وأنت تقرأ


وهذه الحكايات مصوغة دائماً في قالب فلسفي رفيع ، تحس وأنت تقرأه أنك تستمع إلي حكيم جليل ، يفيض قلبه بالخير وحب البشر
...
في صفحة جميلة جداً في منتصف الفصل التاسع يصف شتاينبك علي لسان بطله إيفان كيف ترتسم الخطط في أذهاننا علي مهل ، وتتكون من قطع صغيرة ومواد مختلفة تتجمع مع الزمن وتكون خليطاً واحداً ، كلمة قالها غنسان ، خبر نقرأه في الصحف ، ملاحظة دقيقة أو غير دقيقة عن شئ ما ، شئ يكون لدينا من زمن ثم لا ننتبه إلي أهميته إلا في لحظة معينة .. عناصر مختلفة يتجمع بعضها إلي بعض ، وتربط النقط الحمراء بينها ، وفي يوم ما يصحو الإنسان علي خطة كاملة تلح عليه في أن يسرع بتنفيذها ..

تدور القصة حول سرقة بنك
........
الكاتدرائية


بلاسكو إيبانييث


رواية قصيرة بالغة القصر ، طويلة مسرفة في الطول


طويلة جدا إذا قستها بما تضمه من تأملات بعيدة في أحوال البشر وطبائع العمران والحضارات وروحها والسياسة وأحوالها ، ولو أراد أن يحشد الكاتب فيها الحوادث والمواقف لما عسر عليه ، فهو من أعظم الروائيين في العصر الحديث

صفحات عن أسبانيا العربية لم يكتبها من الاسبان أحد قبله أو بعده..


أنصفهم وأعطاهم حقهم بعد طول نكران ..


لا غرباة إذن أن صودرت الرواية وحرمت قراءتها في أسبانيا ولا زالت محرمة إلي اليوم ..
...
في سن الثامنة عشرة نشر نشر بلاسكو إيبانييث قصيدة نقد سياس كان أجره عليها ستة شهور قضاها في السجن
حياته نصفين الاول عاصفة لم يصل فيها إلي النضج حتي خاض معارك واجتاز ثورات والنصف الثاني نزهة ممتعة في ظلال الشهرة والمجد والمال ..
....


لم يكن إدمان المطالعة هو الذي أصاب جبرييل بهذا الانقلاب ، وإنما الحقائق التي تكشفت له وهو يقرأ تاريخ الكنيسة هي التي بعثت في رأسه الجنون ، فقد رأي من أمور الأساقفة عجباً فهم ليسوا رجال دين بقدر ما هم رجال حرب وسياسة ومال ، همهم الاعلي هو السلطان والثروة وقد تعرضوا لكل ما يتعرض له طالب السلطان والثروة من مؤامرات وتدبيرات ووقوع في الخطايا
...
وتأتي ثورة 1868 والسبب الحقيقي للثورات جميعاً هو ضعف البيت الحاكم – أسرة البوربون- وعجزه عن التمشي مع مطالب العصر وإدخال ما كان الشعب يتوق إليه من إصلاح اجتماعي واقتصادي
..
وتبين أن المصيبة الكبري التي تهبط بكل قيمة إنسانية هي الجهل ، الجهل بلد الفقر والفوضي والظلم والرذائل جميعاً ..
..


أحاديث طويلة عن أسبانيا وتاريخها ومآسي ذلك التاريخ


أحاديث أخري أطول وأكثر متعة عن الدين والفكر والحضارات ، إن مشكلة أسبانيا هي الجهل ، جهل الجماهير ومصلحيهم من رجال الدين


رجال الدين لا يخدمون الدين بل الكنيسة : أملاك الكنيسة وذخائرها وأمرائها من الأساقفة الذين يحيون حياة الموسرين المترفين ..
..
العصور الاسلامية هي العصور الذهبية في تاريخ أسبانيا


...............................

مذهب طيب ، جري عليه أدباء الغرب من زمن بعيد ، فهناك لا يكتب المؤلفون لقصصهم ومسرحياتهم مقدمات ، كم من مؤلف أساء إلي نفسه بإصراره علي تقديم نفسه بعبارات كلها مديح لنفسه كأنها استهلال قصيدة شاعر جاهلي ، أو بعبارات تواضع فيها من الكبرياء أكثر مما في شعر أبي الطيب المتنبي!

ظاهرة قلق الاسلوب وعجزه عن التعبير عن الفكر الجميل بكلام عربي مبين تكاد تكون ظاهرة عامة عند إخواننا اللبنانيين ، أو عند معظمهم علي الأقل ويرجع قلق الاسلوب إلي قلة الزاد من العربية أحيانا وأحيانا أخري مظهراً للرغبة في الفخر بما يعرضه من اللغة الفرنسية

الفرنسيون دون خلق الله من أهل العلم والأدب يصرون علي أن يجعلوا أدباء لبنان في مقدمة أهل الآداب في عالمنا العربي

دراسة الاب جاك جومييه التي عنوانها ثلاثية نجيب محفوظ أحسن ما كتب عن نجيب محفوظ

21‏/03‏/2010

كتب وكتاب - 8

دون كيشوت دي لا مانشا

ثربانتس ( ثرفانتس)


العصور تتوالي والاسماء في عالم الادب تظهر وتختفي وهؤلاء الأربعة في مكانهم كتبوا لكل العصور وللبشر أجمعين ..


هم : دانتي الليجيري
ووليم شكسبير
ميجيل ثربانتس
وولفجانج جوته

والخصائص التي جعلت لأولئك الاربعة هذه المكانة كثيرة يعرفها النقاد ويهمنا منها ثلاث :
1- كلامهم شعرا ونثرا لا يفقد شيئاً من طلاوته وأصالته بالنقل من لغة إلي لغة
2- الموضوعات موضوعات إنسانية يحس بها البشر جميعاً
3- كلا منهم صاغ بخياله شخصاً أو شخوصاً أصبحت من بعدهم وكأنها من واقع التاريخ ورموزاً تخطر علي البال في كل المناسبات

نطقه الصحيح دون كيخوته
ولقد كتب ثيربانتس ( ثيرفانتس) هذه القصة ليسخر من كتب الفروسية والابطال كل منظر فيها يرمي إلي كشف ألاعيب مؤلفي تلك الأوهام

وليس من الضروري لكي يصبح الكاتب من المشهود لهم بالتجديد ، أن يكتب كل يوم كتاباً ، بل يكفي كتاب واحد يقرر له مكانه في عالم الكاتبين .. ومثل ثيرفانتس في هذا كثيرون من الخالدين
ولقد عاش ثيرفانتس أسيراً في الجزائر فترة من الزمان وتلك كانت أسعد أيام حياته نعم كان سجينا مقيدا يعيش تحت رحمة آسريه ولكنه كان رجلا محتلاما .. لم يكن يرجو منهم شيئاً أو يستعطفهم في شئ هناك ملأ نفسه شعور من الاستقلال النفسي والحرية لم يتمتع به إلا القليل من الاسبان
ومفتاح سر تطوره الداخلي أنه عاش خمس سنوات من الرق الجسدي والحرية النفسية ، وبعد عودته إلي أسبانيا عاش 36 سنة من الحرية البدنية والرق النفسي
والمعني المراد أن المسلمين عاملوه في الجزائر جندي شجاع ، كرجل محترم جدير بأن تحسن معاملته ، وهو شئ لم يعترف به أهل وطنه عندما عاد إليهم

وفي هذه القصة حالة من الحالات القليلة في عالم الخلق القصصي نجد الابداع أقوي وأعظم من المبدع نفسه ، فلقد أراد المؤلف أن نسخر من بطله ، ولكننا لا نسخر بل نحبه ونرجو أن يخفف الله عنه ، أراد ثرفانتس أن يصوره شخصاً زرياً فجاء رجلا كريما .
حقيقة أنه مجنون ولكن جنونه يدفعه إلي الخير
دون كيخوته وسنشو ودون خوان وهاملت وفاوست هؤلاء في رأي المؤلف أكبر خمسة رجال خلقتهم مخيلة الإنسان

رابط التحميل


http://www.4shared.com/file/246496303/352c230e/__-__-____.html

كتب وكتاب - 7

اكذبي .. فالكذب أسلم بكثير!

ألفونسو باسو

من عجب أن أعظم الموميديات في تاريخ الأدب كتبها أصحابها في أعسر الظروف وأحفلها بالآلام ..
خمسة عشر سنة وألفونسو باسو يحمل مسرحياته تحت إبطه ويتردد بها علي المسارح من مسرح لمسرح ، يأخذون منه الكراس ويضعونه في الدرج ، حتي إذا عاد ليسأل عن المصير ، فتحوا الدرج وناولوه الكراس ، مع ابتسامة عزاء
قصة معاناة وصبر طويلة حري بأدبائنا الشبان أن يعوها
ومن غريب المصادفات أنه كان يكره الارجنتين ويحمل عليهم ، وفي ذات يوم اجتمع علي شراب مع مخرج من الارجنتين وانطلق لسانه مع الخمر فقال في الارجنتين وأهلها ما شاء ..


وأمسك المخرج يده وقال : لو عرفت كيف تضع كلامك هذا في مسرحية لكسبنا مالاً.. أنا وأنت ..


فلما أفاق ألفونسو باسو أمسك بالقلم وكتب ..


وبعد أيام كان يحمل إلي المخرج كراسا عنوانه " لا تقل وداعا بل قل إلي اللقاء . "


وكانت فألا طيبا كانت وداعا للفقر والبرد والجوع


والفونسو باسو هو أعظم كتاب المسرحيات الضاحكة في أسبانيا إن لم نقل في أوروبا كلها

والقصة هي زوجة مريضة بالكذب وتقع جريمة قتل في منزلها وتحدث مفارقات كثيرة مضحكة وأثناء الجريمة ترغب الزوجة في الصدق وفي نهاية المواقف واكتشاف الجريمة يقول لها زوجها حيث حين حاولت الصدق حصلت جريمة قتل
إكذبي فالكذب أسلم بكثير
.........................................
الملل
ألبرتو مورافيا

لو أن ملل الناس أجمعين حط علي دفعة واحدة حتي صرت لا أعرف ماذا أصنع بنفسي لكان أهون علي من الساعات التي قضيتها مع هذه القصة - وهذا رأيي أيضاً مع إني قرأت نصفها فقط  نصف الملل فكيف بحال من قرأها كلها والعجيب أن تجد واحد مثل أنيس منصور يمدح مثل تلك الروايات ويقول عن الكاتب أنه عاش في حياته فكيف هي حياته - رحم الله الدكتور حسين مؤنس