26‏/04‏/2010

الشخصية جمل مختارة 8

8- حسن مظهر الإنسان وقوامه :

فالرجل الصحيح الجسم الحسن القوام ربما لا يحتاج في إظهار شخصيته والتأثير في غيره ، إلي ما يحتاجه الشخص النحيف المشوه الخلقة ، وربما من وجد في نفسه نقصاً من الناحية الجسمية سعي إلي إكمال هذا النقص من الناحية العقلية أو الخلقية أو العملية ، حتي يُظهر شخصيته
فسقراط كان أفطس الأنف غليظ الشفتين ، جاحظ العينين ، قبيح المنظر
والجاحظ لقب بذلك لأنه كان جاحظ العينين دميم الخلقة

9- قوة البيان


إن قوة البيان وفصاحة اللسان ، وحسن المنطق ، والقدرة علي التأثير في السامع مع رجاحة العقل ، تُكسب الانسان شخصية قوية ، ولا نريد بالفصاحة الثرثرة والتشدق ، والتوعر في الكلام ، بل نريد حسن التعبير عما في النفس ، وقوة التأثير في المستمع والتكلم من غير تهيب أو تخوف
وإن حسن التعبير عما في النفس شرط أساسي لقوة الشخصية
وإن الرجل الفصيح تكون الأعناق إليه أميل والعقول عنه أفهم ، والنفوس إليه أسرع

الشخصية جمل مختارة 7

7- التواضع وعدم التصنع
التواضع في غير ذلة سبيل النجاح والرفعة ، والتصنع سبيل الإخفاق والمهانة ، والأولي أن يترك الإنسان عمله ليدل عليه ، ويتحدث عنه ، بدلا من أن يتحدث هو عن نفسه ، وإذا كان المرء جديراً بالمدح فسرعان ما تظهر حقيقته ، ويقدر الناس كفايته ، ويزنون أعماله ويعترفون بشخصيته ومقدرته


عن أبي أمامة قال : خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم متوكئاً علي عصا فقمنا له فقال : " لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا " ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة ، فقال له : " هون عليك فإني لست بملك ، إنما انا ابن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد "
وكان يعود المساكين ، ويجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس بين أصحابه مختلطاً بهم حيثما انتهي به المجلس

وأصبح النجاشي يوما جالساً علي الأرض والتاج عليه ، فأعظمت بطارقته ذلك ، وسألوه عن السبب الذي أوجبه فقال : " وجدت فيما أنزل الله علي المسيح : " إذا أنعمت علي عبدي نعمة فتواضع أتممتها عليه ، وأنه وُلد لي هذه الليلة غلام فتواضعت لله شكراً "


والتصنع والتظاهر والجعجعة من علامات الضعف ، فالرجل الذي يشعر بنقص في ناحية من النواحي يعمل علي أن يسد ذلك الفراغ ، ويكمل ذلك النقص بالادعاء .
ولقد قيل أحق الناس بالمقت الفقير المختال والضعيف الصوال والعيي القوال
وقال كسري : احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللئيم إذا شبع
وقيل : من وضع نفسه دون قدره رفعه الناس فوق قدره ، ومن رفعها عن حده وضعه الناس دون حده

الشخصية جمل مختارة 6

6- التفاؤل

المتفائل يرضي بالماضي خيره وشره ، ويثق بالمستقبل ثم يؤدي الواجب ويترك النتيجة لله سبحانه وتعالي


والتفاؤل عادة عقلية وكثيراً ما ينشأ التفاؤل عن نشاط الشخص وقوته العقلية والعصبية ، وعن نوع الأفكار التي يسمح لها بالدخول إلي العقل ، وإذا تعود الانسان أن يزود نفسه بالأفكار الصحيحة السارة فإنه لا يتجنب التشاؤم والحزن فحسب ، بل قد يطل من نوافذ العقل علي الناحية السارة المضيئة من الحياة ، وينشأ التشاؤوم عن ضعف النشاط وضعف القوة العصبية ووهن الرقابة العقلية في الإنسان فيسمح لنفسه بأن تسبح في جو مظلم من الأوهام ، حتي يصبح عقله متلبداً بغيوم لا حقيقة لها ، ودخان لا أصل له ، هي غيوم التطير ، ودخان التشاؤوم ، وذلك يسبب كثرة التردد والإخفاق
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يتفائل ولا يتطير ويحب الاسم الحسن

22‏/04‏/2010

الشخصية جمل مختارة 5

5- الحكمة

الحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها ، والرجل الحكيم هو السديد الرأي ، البعيد النظر ، الحسن التقدير ، الذي يعرف الحق فيتمسك به ، ويفعل ما يجب أن يُفعل ، ويترك ما ينبغي أن يُترك ، ويقول ما يجب أن يُقال ، يري الفرصة فينتهزها ، ويشعر بالطريق المستقيم فيسلكه ، يُحس نتيجة الشئ حتي قبل حدوثها ، ويعامل غيره بما يحب أن يعامل به ، يحب لأخيه ما يحب لنفسه ،وإذا حكم علي غيره كان حكمه بعيداً عن الأهواء والاغراض ، تتمثل فيه النزاهة والعدالة كل هذه الصفات نتيجة الحكمة وحسن التقدير
قال الله تعالي : " ومن يؤتي الحكمة فقد أُوتي خيرا كثيرا"
وقال صلي الله عليه وسلم : " الحكمة ضالة المؤمن"
قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم ! قال : نحن ألف رجل وفينا حازم ، ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم

ومن الحكمة ألا يحتقر الرجل عدوه وإن كان ذليلاً ، ولا يغفل عنه وإن كان حقيراً ، فكم برغوث أسهر فيلا ، ومنع من الرقاد ملكلاً جليلاً


وكثيراً ما تفسد الحكمة وتشوه بالفخر ، أو التكبر ، أو الحقد ، أو الغيرة ، أو الغش ،


قيل لعنترة العبسي : أأنت أشجع العرب وأشدهم بطشاً ؟
فقال لا : . فقيل له : كيف شاع لك هذا الاسم بين الناس ؟
فقال : إنني أُقدم إذا رأيت الإقدام عزما ، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما ، ولا أدخل مدخلا إلا إذا رأيت لي منه مخرجاً ، وأعمد إلي الضعيف الساقط فأضربه ضربة يطير بها قلب الشجاع ،


وقيل لعربي: من أحزم الناس ؟ قال : من أخذ رقاب الأمور بين يديه ، وجعل العواقب نصب عينيه ، ونبذ التهيب دبر أذنيه
وقيل له : ومن أخرق الناس ؟ فقال : من ركب الخطار (الأمور التي لاؤمن عاقبتها ) واعتسف (ركب الطريق علي غير هداية ) العثار (ما يوقع في السقوط) وأسرع البدار قبل الاقتدار

وتتطلب الحكمة قبل الشروع في الفعل :
1- التروي في الأمور
2- وفرة العلم والتجربة فإنها سبيل الحكمة
3- توافر الفطنة إذ لاسبيل لصحة الفكر بغيرها
4- توافر الثبات وكبح النفس

ومما يحول دون الحكمة:
1- العجلة في الفعل
2- الإغراق في التروي
3- قلة التجربة والعرفان
4- سقم الفكر أو خطؤه
5- التشبث والجمود

وتتضمن الحكمة حسن التدبير وجودة الذهن وثقابة الرأي وصواب الظن
قال معاوية بن أبي سفيان :" إني لا أضع سيفي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين العامة شعرة ما انقطعت أبداً ،قيل له : وكيف ذلك ؟ قال : كنت إذا جذبوها أرخيتها ، وإذا أرخوها جذبتها.

الشخصية جمل مختارة 4

4- الشجاعة

الشجاعة قوة بها يتمكن الإنسان من السيطرة علي قواه مع ضبط نفسه وقت الخطر الذي يهدده ، وهي خير مقياس يقاس به الإنسان في أوقات الشدة ، حيث يُتطلب الثبات أوالإقدام وبهذا المقياس يمكن وضع الشخص في مرتبته الخاصة بين الشجعان أو الجبناء ، وبين العظماء أو العاديين


والشجاعة عماد الفضائل ، وتبدو في ثبات القلب ، ورباطة الجأش ، وحضور اللب ، والشجاع رجل ذو بسالة وجدة ، صادق البأس ،ثابت الفؤاد ، ينازل الرجال ، ويقارع الأبطال ، والجبان إن أحس بعصفور طار فؤاده وإن طنت بعوضة طال سهاده ، يفزع من صرير الباب ويقلق من طنين الذباب

رأي الاسكندر سمياً له لا يزال ينهزم ، فقال له : يارجل ، إما أن تغير فعلك ، وإما أن تغير اسمك


وقيل إن الشجاعة تتوقف علي القوة الجسمية والعصبية والعقلية والخلقية التي لدي الإنسان ، وأن المدنية الحاضرة قد قللت من الشجاعة بين الأفراد


وعلي الآباء والأمهات أن يغرسوا الشجاعة وخُلق الرجولة في نفوس أبنائهم من الصغر ، ويعودونهم الصبر وضبط النفس ، وكتمان الشعور ، وتحمل الألم من الطفولة الأولي ، وإن من يستطيع أن يحتمل دقائق أكثر من غيره يمكنه أن يفوز بالنجاح والنصر ، سواء أكان جندياً أم قائداً ، متعلما أم معلماً ، غنيا أم فقيراً

مظاهر الشجاعة :


1- الشجاعة في ضبط النفس عند مقابلة الرؤساء أو عند الظهور أمام مجتمع لإلقاء محاضرة ، أو الاشتراك في مناظرة ، أو التعبير عن رأي ، أو الدفاع عن مبدإ أو عقيدة

قيل مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون ، وفيهم عبد الله بن الزبير ففروا حين رأوه ، وثبت عبد الله ، فقال عمر : مالك لا تفر مع أصحابك ؟ قال : لم أجرم فأخافك ، ولم يكن الطريق ضيق فأوسع لك .

ولاشئ يقضي علي الشجاعة ويخضد شوكتها أكثر من الهلع ، فحيثما وُجد وُجد الألم ، والقلق النفسي ، وتعب الضمير ، واضطراب العقل فتضطرب شخصية الإنسان


الحياة مملوءة بالحوادث والمصائب وبالصبر علي الشدائد تختبر رجولتنا ، ويعرف معدن الرجولة فينا وبالروح الذي نقابل به هذه الحوادث تظهر شخصيتنا أو تستتر ، ولا يظهر الرجال إلا عند الشدائد والمصاعب


وليس من الشجاعة أن تكثر شكوي الحياة والظروف والأيام ، فشكوي سوء الحال لن تغير ما حدث بل تذهب بنضرة العقل وقوة القلب ، وإن الخوف من الخذلان والهزيمة يؤدي إلي الهزيمة ، وقوة الأمل في النجاح مع التشجيع والمثابرة تحفظ روح الإنسان وهمته


إن أعظم انتصار في الحياة هو الانتصار علي النفس بضبطها وكبح جماحها والتغلب عليها وأرقي مظاهر الشجاعة الصبر والتحمل عند المقدرة قال صلي الله عليه وسلم :" ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " فيقهرها بحلمه ويتغلب عليها بثباته

يقول هربرت سبنسر إن ضبط النفس أساس الكمال الإنساني ، وأنه الغرض من التربية



2- التغلب علي الصعاب التي تعترض الإنسان في حياته ، وإصلاح الأخطاء التي تمر بنا ، وكما تكون الشجاعة في الاقدام علي الشئ تكون في الإحجام عنه عند تحقق التهلكة


وتقول العرب : الشجاعة وقاية والجبن مقتلة


وقال أبو بكر رضي الله عنه لخالد بن الوليد : احرص علي الموت تُوهب لك الحياة.

3- الإجابة عن السؤال وفي إبداء الرأي

21‏/04‏/2010

الشخصية جمل مختارة 3

3- المشاركة الوجدانية

وتعني مشاركة الناس في مسراتهم وأحزانهم ، والشعور بمشاعرهم
ومن أكبر عيوب نابليون التي كان يتخلق بها شدة قسوته علي النوع الإنساني ، وعدم مشاركته له في شعوره ، ومن ثم كانت شخصيته غير كاملة ، وإننا في الوقت الذي نطالب فيه بالعدالة نطالب أيضاً بالرحمة

ومن الحكمة إذا كنت رئيساً أن تصل بالمشاركة الوجدانية إلي تنفيذ جميع رغباتك من غير التجاء لإظهار سلطتك وأن تفوز بطاعة مرؤسيك من غيراحتماء بالقانون


أما هؤلاء الذين يلجئون إلي الشدة والقسوة دائماً فهم ضعفاء يشعرون بالضعف في ناحية من النواحي فيلجئون إلي الغلظة ، ظانين أنهم بتلك الطريقة يسترون ذلك الضعف ، يكملون ذلك النقص ،
فالمشاركة الوجدانية من أهم عناصر الشخصية ، تجعل القلب متقداً ، يشعر بشعور غيره ، ويقيس نفسه بمقياس سواه من الناس
قال صلي الله عليه وسلم : " تري المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي عضو تداعي له سائر جسده بالسهر والحمي "

يقول السير وولتر سكوت الكاتب الاسكتلندي " إن المشاركة
الوجدانية هي الحلقة الفضية ، أو الرباط الحريري الذي يصل القلب بالقلب ، ويربط العقل بالعقل وبالجسم وبالروح "

قيل لأعرابي : مابال المراثي أجود أشعاركم ؟
فقال : " لأنا نقول وأكبادنا تحترق "


وقال سنكا : " لو أعطيت الحكمة كلها لنفسي علي أن استأثر بها وأمنعها عن إخوتي بني الإنسانية لكرهت الحكمة "

ومن المشاركة الوجدانية أن يُخلص الاستاذ في نصح طلبته وإرشادهم ، والتفكير في عملهم وظروفهم ، ومستقبلهم ، فيقابل الطلبة ذلك بالوفاء والطاعة والإجلال


فالشخصية القوية تتطلب أن نتأثر لغيرنا ، ويتأثر غيرنا لنا ، ونشعر بشعورهم ، ويشعروا بشعورنا ، ولا أثر للتربية والتعليم إذا لم يُصحبا بمحبة غيرنا ، والتفكير فيهم بقلوبنا


فالمشاركة الوجدانية يجب أن تتحقق في القادة : قادة الفكر ، وقادة العمل
وموقف عمر رضي الله عنه من المرأة وأطفالها الجوعي ن أروع الأمثلة علي المشاركة الوجدانية التي قالت له ولم تكن تعرف أنه عمر الله بيننا وبين عمر يتولي أمرنا ويغفل عنا  ، فهرول إلي بيت المال وأحضر لها طعام حاملا إياه علي كتفه رضي الله عنه حتي قالت له المرأة أنت أولي بهذا الأمر من أمير المؤمنين

وقد دُعي الطبيب " أولفر جولد سميث" لزيارة عامل مريض في بيته ، فوجد أن الرجل ليس في حاجة إلي الدواء ، ولكنه في حاجة إلي الغذاء ، فطلب الطبيب إلي زوجة العامل أن تأتي معه لأخذ الدواء ، وأعطاها صندوقاً وأمرها ألا تفتحه إلا في منزلها ، فلما فتحته في منزلها وجدته مملوءاً نقوداً ، ووجدت ورقة كُتب عليها : " يؤخذ منه كلما دعت الحاجة " وكانت هذه النقود كل ما مع ( جولد سميث ) في ذلك الوقت

الشخصية جمل مختارة 2

العناصر الجوهرية التي تتكون منها الشخصية القوية


الجاذبية ، النشاط العقلي أوالذكاء ، المشاركة الوجدانية ، الشجاعة
، والحكمة ، والتفاؤل والتواضع وحسن مظهر الإنسان وقوامه وقوة البيان ، والثقة بالنفس ، واعتدال المزاج


1- الجاذبية
هي قوة طبيعية إن وجدت في الشخص استطاع أن يجتذب قلوب غيره ممن يتصلون به ، بدون تكلف أو تصنع وهذا يعد من أقوي العناصر التي تتكون منها الشخصية إن لم نقل أقواها
ولكن بماذا يجتذب الإنسان غيره من الناس؟
يستطيع المرء أن يجتذب الناس بأدبه وعلمه وضبط نفسه وسداد رأيه وسرعة خاطره ، وحسن حديثه ، وكرم خلقه ، ومراعاة شعورهم ومشاركتهم في وجدانهم ، وبحسن المعاملة ، واللين في غير ضعف والسياسة والقوة الروحية
والأدب أكبر وسيلة لاجتذاب قلوب الناس جميعاً ، فإن من كثر أدبه كثر شرفه ، وإن كان قبل وشيعا وبعد صيته وإن كان خاملاً ، وساد وإن كان غريبا وكثرت الحاجة إليه وإن كان مقتراً

2- النشاط العقلي أو الذكاء

وتعني حضور الذهن وسرعة الخاطر ، وصفاء القريحة فللنشاط العقلي تأثير حسن في شخصية الإنسان ، وفي ارتفاع منزلته وللغباوة وقلة الفطنة والكسل العقل أثر سئ في خمول الشخص وتأخره وعجزه ، وتبدو شخصية الأذكياء في أعمالهم وأقوالهم ، كما تبدو في منطقهم وتفكيرهم المنظم ، وآرائهم المرتبة ، وحججهم القوية ، وحسن اعتذارهم ، وبعد نظرهم ، وقدرتهم علي التخلص بسهولة من المشكلات التي تعترضهم بما أتوا من نشاط عقلي ، وحدة ذهن ، وصدق حس

ومما يحكي في ذلك ما ذكره ثمامة بن أشرس أحد كبار العلماء لدي المأمون قال : دخلت إلي صديق لي أعوده ، وتركت حماري بالباب ، ثم خرجت وإذا بصبي عليه ، فقلت له مؤنباً ولائماً ، لم تركب حماري بغير أذني؟
فأجابني الصبي قائلاً : خفت أن يذهب فحفظته لك ، فعجبت من هذا الجواب ، وأردت أن أُسكت الصبي وقلت له : لو ذهب ما باليت بذهابه ، فأجابني علي الفور قائلاً " إن كان هذا رأيك في الحمار ، فاعمل علي أنه قد ذهب ، وهبه لي واربح شكري"
فلم أدر ما أقول .


وقيل إن موسي الهادي كان يوماً في بستان ، ومعه أهل بيته وخاصته ، وهو راكب علي حمار وليس معه سلاح ، فدخل عليه حاجبه وأخبره أن رجلاً من الخوارج جئ به أسيراً ، وكان الهادي حريصاً علي الظفر به ، فأمر بإدخاله ، فأدخل عليه بين رجلين قد أمسكا بيديه ، فلما رأي الخارجي الهادي ، جذب يديه من الرجلين واستل سيف أحدهما ، ووثب نحو الهادي ، ولما رأي ذلك من حول الهادي من أهله وخاصته فروا جميعاً ، وبقي الهادي وحده فثبت علي حماره حتي إذا قرب الخارجي منه ، وكاد يعلوه بالسيف ، قال الهادي : اضرب ياغلام عنقه !! فالتفت الخارجي حين سمع ذلك ، أسرع الهادي ووثب عن سرجه وقبض علي الخارجي وانتزع منه السيف فذبحه به ، ثم عاد إلي ظهر حماره وتراجع إليه أهله وبطانته يتسللون ، وقد مُلئوا رعباً وخجلاً ، فلم يخاطبهم في ذلك الهادي بحرف واحد

الشخصية جمل مختارة 1

الشخصية جمل مختارة


أثبت علم النفس التطبيقي أن قوة الشخصية شرط أساسي للنجاح في الحياة ، وأن المؤهلات العلمية وحدها لا تكفي للنجاح

الشخصية مقدار ماعند الشخص من الاستقلال الفكري ، وحضور البديهة ، وسرعة الخاطر وقوة الروح .. وهي كالحب والكره اللذين لا يمكن تعليلهما عادة فقد تحب شخصا أو تكرهه بمجرد رؤيته دون معرفة مسبقة


والشخصية تُوهب بالفطرة وقد تكتسب بالتربية الحقة ، ولكن الفطرية أقوي من المكتسبة

تختلف الشخصية باختلاف الأفراد وكذلك باختلاف الشعوب ، ففي الشخصية الألمانية يتمثل الروح العسكري والطاعة العمياء والاتكال علي الحكومة في كثير من الأعمال


وفي الشخصية الإنجليزية تبدو الثقة بالنفس واحترام الذات ، وتقدير الحرية الشخصية ، والاستماتة في سبيلها


وفي الشخصية الامريكية تظهر الروح العامة أو الديمقراطية وعدم الاكتراث للتقاليد ، لأن أمريكا أمة حديثة لا تقاليد لها


وفي الشخصية الفرنسية تتغلب العاطفة علي التفكير ، والنظريات علي الأعمال ، وتكثر الآمال والميل إلي الخيال ، وحب الظهور ، فكل فرنسي يريد أن يكون ضابطاً إذا تقدم للحرب ، ولا ندري من أين يؤتي بالجنود إذا كان الجميع ضباطاً

لكل فرد صفة تخصه ، وشئ يعرف به ، فهيرودس كان معروفا بالظلم ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مشهوراً بالعدالة ، وعمر بن عبد العزيز بالزهد ، ومعاوية بالسياسة والحلم ، وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي بالبطولة والشجاعة والإقدام ، وحاتم الطائي بالكرم ، ومسيلمة بالكذب ، وتشارلزدكنز بالدفاع عن الفقراء ، وإسحق نيوتن وأديسون بالمثابرة ، ونابليون بقوة الإرادة والعزيمة ، وإبراهام لنكولن بالعطف علي المساكين ، وجورج واشنطون بالوطنية الصادقة ، ومصطفي كامل ومحمد فريد بالإخلاص في الدفاع عن الوطن وشارلي شابلن ولريل وهاردي بالفكاهة

الشخصية

الشخصية



اسم الكتاب : الشخصية
اسم المؤلف : محمد عطية الابراشي
دار النشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب
طبعة : مكتبة الاسرة 1997
عدد الصفحات : 245

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 9

الفن الثاني

فيما علي ولاة الأمور تسييره وتحقيقه لصالح الجمهور


وأعمدة هذا الفن هي :
المساواة ، والحرية ، وضبط الحقوق ، والعدل ، ونظام اموال الأمة ، والدفاع عن الحوزة ، وإقامة الحكومة ، والسياسة ، والاعتدال والسماحة ، وترقية مدارك الأمة رجالاً ونساء ، وصيانة نشئها من النقائص ، وسياسة الأمم الأخري ، والتسامح ، والوفاء بالعهد ، ونشر مزايا الإسلام وحقائقه ورجاء تعميمه في البشر

المساواة


الإسلام دين قوامه الفطرة فكل ما شهدت الفطرة بالتساوي فيه بين الناس فالإسلام يرمي فيه إلي المساواة، وكل ما شهدت الفطرة بتفاوت المواهب البشرية فيه ، فالإسلام يعطي ذلك التفاوت حقه بمقدار ما يستحقه
فالمساواة أثر من آثار الأخوة المفروضة بين المسلمين وهي أيضاً أصل عظيم من أصول نظام الاجتماع الإسلامي

الحرية


لفظ الحرية وما اشتق منه في العربية يفيد معني مضاداً لمعني الرق والعبودية ، فالحر من ليس بعبد ، ولفظ الحر والحرية من الألفاظ ذات المعاني النسبية ، لأنها التخلص من الرق والعبودية فلا يتصور معناها إلا بعد ملاحظة معني الرق والتوقف عليه ، والعبد اسم للآدمي المملوك لآخر ، وليس هذا هو المراد هنا
هناك إطلاق حديث علي لفظ الحرية وهو أن يراد منه معني : عمل الإنسان ما يقدر علي عمله حسب مشيئته لا يصرفه عن عمله أمر غيره
لقد استعمل هذا اللفظ في هذا المعني من أوائل القرن الثالث عشر الهجري بعد أن ترجمت كتب تاريخ فرنسا والثورة التي قامت فيها سنة 1789 م
وهو يقارب ما يعبر عنه في العربية بلفظ الانطلاق أو الانخلاع من ربقة التقيد ولا نعرف كلمة مفردة في العربية تدل علي هذا المعني

وقد دخل التحجير علي البشر في حريته من أول وجوده إذ أذن الله لآدم وزوجه حين خُلقا وأسكنا الجنة الانتفاع بما في الجنة إلا شجرة من أشجارها قال تعالي : " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " الأعراف : 19

إن الحرية هذه خاطر غريزي في النفوس البشرية فيها نماء القوي الإنسانية من تفكير وقول وعمل ، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الابتكار والتدقيق ، فلا يحق لها أن تسام بقيد إلا قيداً يُدفع به عن صاحبها ضر ثابت أو يُجلب به نفع


ابتدأت رحمة الله بالبشر بأن وضع لهم الشرائع وأرسل إليهم الرسل الهداة وقيض لهم الحكماء والمرشدين يرشدونهم جميعاً إلي طرائق السير بحرياتهم وأن تراعي كل صالح غيره في تطبيق استعمال حريته ، فاستقامت أحوال البشر بحسب ما هيأهم لقدره مبلغهم من الحضارة والزكانة
لم يسبق الإسلام شريعة دينية ولا وضعية أقامت حقوقاً للعبيد وحماية لهم من الأضرار بمقدار ما أقامت لهم الشريعة الإسلامية

الحرية المنشودة

إن الحرية أثقل عبئاً علي الظالمين والجبابرة والمخادعين فلذلك ما فتئ هؤلاء منذ أقد العصور يبتكرون الحيل للضغط علي الحريات وتضييقها أو خنقها واستعانوا علي ذلك الضغط برسوم الوثنية بانتماء الجبابرة والملوك إلي آلهة يختلقون أنها أباحت لهم الحكم في الناس ليكموا الأفواه عن الشكاية والضجيج



وتنقسم الحرية إلي حرية اعتقاد ، وحرية تفكير ، وحرية قول ، وحرية فعل ، وهذه الحريات الأربع محدودة في نظام الاجتماع الإسلامي بما حددت به الشريعة الإسلامية


فحرية اعتقاد المسلم فهي محدودة بما جاء به الدين الإسلامي فإذا ارتد أحد عن الإسلام جملة بعد أن كان من أهل الملة فقد نقض العهد الذي دخل به في الإسلام فيستتاب ثلاثة أيام ، فإن لم يتب قتل ، فقد قاتل أبو بكر القبائل التي ارتدت عن الإسلام بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ولم يخالفه أحد من الصحابة وقاتلوهم معه إجماعاً منهم علي قول النبي صلي الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه "

أما حرية اعتقاد غير المسلم من أصحاب الملل الخاضعين لحكومة الاسلام فقد قال الله تعالي : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " البقرة : 256


وقد دلت آيات القرآن وأقوال النبي صلي الله عليه وسلم علي أنهم يُدعون إلي الدخول في الإسلام فإن لم يقبلوا دُعوا إلي الدخول تحت حكم المسلمين وهي حالة الذمة أي دفع الجزية أو حالة الصلح والعهد وفي تلك الأحوال يبقون علي أصل الحرية في البقاء علي ماهم عليه من الملل

حرية الفكر


حرية الفكر فيما عدا الاعتقاد الديني مما يشمل التفكير في الآراء العلمية ، والتفقه في الشريعة والتدبير السياسي ، وشؤون الحياة العادية فهي صنف من الحرية لا يكاد يستقل بنفسه ، لأن ما يجول بالخاطر لا يعرف إلأا بواسطة القول أو بما تؤذن به بعض الأعمال ، فلذلك كانت هذه الحرية لا يتطرق إليها تحجير

حرية القول


حرية القول لها متين تعلق بمعاشرة الناس ومحاوراتهم والملاطفة بينهم وممازحاتهم وهي حق فطري ، لأن النطق وهو التعبير عما في الضمير باللغات غريزة في الإنسان يعسر أو يتعذر إمساكه عنها ، فكان الأًصل أن لكل أحد أن يقول ما شاء أن يقوله ولا يمسكه عن ذلك إلا وازع الدين بأن لا يقول كفراً أو منهياً عنه ، أو وزاع الخلق بأن لا يقول قذعاً أو هذياناً ، أو وزاع التبعة علي أذي يلحق غيره بسبب مقاله ، قال صلي الله عليه وسلم : " وهل يكب الناس في النار علي وجوههم إلا حصائد ألسنتهم "
والأصل في حرية القول هو الصدق في الأخبار ، فإن الكذب ممنوع وقبيح


وأكبر مظاهر حرية القول في الإسلام حرية القول في تغيير المنكرات الدينية وقد قال صلي الله عليه وسلم : " من رأي منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "


فكذلك نشأ المسلمون صُرحاء متناصحين قوالين للحق ناهين عن المنكر ، وإليك مثالا فاتقا في هذا الغرض ، وهو ما ذكره الفقهاء والمؤرخون أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوماً فقال في خطبته : " ألا لا تغالوا في الصدقات فإن الرجل يغالي حتي يكون ذلك في قلبه عداوة للمرأة يقول : تجشمت عرق القربة فكلمته امرأة من وراء الناس فقالت : كيف تقول هذا والله يقول : " وءاتيتم إحداهن قنطاراً "


فقال عمر : أخطأ عمر وأصابت امرأة ، وقال لأصحابه : تسمعونني أقول مثل هذا فلا تنكرونه علي حتي ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء ، ودام المسلمون علي نحو من هذا إلي بعض خلافة عبد الملك بن مروان ، فقد روي أنه أول من حجر معارضة الخليفة في حال الخطبة
ومن حرية القول حق المراجعة مع المتلبس بفعل أو قول في هل هو صواب أو خطأ ؟ وهل هو صواب أو أًوب ؟
كما راجع حباب بن المنذر الرسول صلي الله عليه وسلم يوم بدر حين نزل بالجيش أدني ماء من بدر

حرية العمل


شواهد الفطرة تدل علي أن هذه الحرية أًصل أصيل في الإنسان فإن الله تعالي لما خلق للإنسان العقل وجعل له مشاعر تأتمر بما يأمرها العقل أن تعمله ، وميز له بين النافع والضار بأنواع الأدلة كان إذن قد أمكنه من أن يعمل ما يريد مما لا لا يحجمه عنه توقع ضر يلحقه
فما عدا ما حدد منعه في الشريعة من التصرف ، فالأصل في سعي الإنسان فيه وتناوله هو الإباحة وقد لقبها علماء أصول الفقه بالإباحة الأصلية

13‏/04‏/2010

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 8

الفن الأول
فن القوانين الضابطة لتصرفات الناس في معاملاتهم


مكارم الإخلاق


ملاك مكارم الأخلاق هو تزكية النفس الإنسانية ، أعني ارتياض العقل علي إدراك الفضائل وتمييزها عن الرذائل الملتبسة بها ، وارتياضه يضاً علي إرادة التحلي بتلك الفضائل وعدم التفريط في شئ منها لاعتقاده أن بلوغ أوج الكمال لا يحصل إلا بذلك التحلي


هذا الإدراك هو العلم الصحيح وقوامه صحة التفكير ، والإرادة والعزم والأمر بالسير علي مقتضاها يتكون من مجموع ثلاثتها إصلاح العمل


ولا تغني القوانين المسطورة والزواجر الموقورة غناء مكارم الأخلاق
وفي الموطأ بلاغاً قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : " بعثت لأتمم حسن الخلق "

العدالة والمروءة

والعدالة ملكة تمنع من قامت به من اقتراف الكبائر ( الملكة كيفية راسخة في النفس تسير أعمال صاحبها علي مقتضاها باطراد )
وأحسن تفسير لها أن لا تفعل في سرك ما تستحي أن تفعله جهراً

الإنصاف من النفس


قال تعالي : " يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم " النساء : 135
وفي الترمذي وقال حديث حسن قول النبي صلي الله عليه وسلم " الكيس من دان نفسه " أي حكم عليها وحده وحاسبها وبين لنفسه تقصيرها

الاتحاد الوفاق

إن أمة تنشأ علي التطبع بالرأي الصحيح والتخلق بأخلاق الأخوة والمواساة وحب الحرية وتوقير العدل ، لأمة خليقة بأن تعرف مزية الوحدة فتكون متحدة متوافقة وتصبح كالجسد الواحد تراه عديد الأعضاء والمشاعر ولكنه متحد الإحساس متحد العمل
قال النبي صلي الله عليه وسلم : " تري المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي "
وقال تعالي : " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " آل عمران : 103
لذا شرع الإجتماع في أفضل المناسبات ففي الصلاة وفي الجمعة وفي الحج
كما أنه وضع للأمة الإسلامية نواة وحدة لغة التفاهم بينهم بما شرعه من تعلم شئ من القرآن ولو جزءا قليلاً

المؤاساة

والمؤاساة هي : كفاية حاجة محتاج الشئ مما به صلاح الحال
وتندرج تحت أصل الإخوة الإسلامية

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 7

الإصلاح الاجتماعي :

من عجيب وبديع تأييد الله تعالي هذا الدين وتيسير أسباب ظهوره أن جعل لمدة ظهوره طورين عظيمين هما : طور إقامة الرسول صلي الله عليه وسلم بموطنه مكة وهذا طور ما قبل الهجرة وطور ما بعد هجرته إلي يثرب
وإن غرضي التشريع الإسلامي في الإصلاح كانا موزعين علي ذينك الطورين فكان الطور الأول معظمه للإصلاح الفردي وكان الطور الثاني معظمه للإصلاح الاجتماعي ، وما دخل الإسلام في طوره الثاني عند الهجرة إلا وقد كانت له جماعة صالحة كاملة الأهبة لما يناط بعهدتها من الإصلاح ، فكانت جامعة المسلمين يومئذ تتألف من المسلمين الأولين القاطنين مع رسول الله صلي الله عليه وسسلم بمكة وهم نحو خمسين لاجلاً ومن المسلمين المهاجرين إلي الحبشة وهم نحو ثمانين رجلاً ، ومن مسلمي الأوس والخزرج أهل المدينة وهم زهاء أربعة آلاف رجل ، هذا كله عدد صالح لنشر إصلاح الإسلام وبث فضيلته في نفوس الناس فيما بعد والصدع بدعوته علي رؤوس الملأ ، فكان الإسلام يومئذ حقيقاً بأن يسرع في إصلاحه الاجتماعي وتأسيس قواعده وإشادة صروحه

إيجاد الجامعة الإسلامية

جعل الإسلام جامعة الدين( أي آصرة الدين وهي مجموع التفكير الصحيح والعمل الصالح ) هي الجامعة الحق للمسلمين وأبقي ما عداها من الجوامع جوامع فرعية تعتبر صالحة مالم تعد علي الجامعة الكبري بالانحلال
وأيد الاسلام الجامعة الدينية العقلية التي أقامها للمسلمين بتأييد من الناحية النفسية بأن اعتبر أهلها إخوة قال تعالي : " إنما المؤمنون إخوة " وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال صلي الله عليه وسلم :"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "

أصول نظام سياسة الأمة
هذه النظم ترعوي إلي فنين أصليين


الفن الأول: فن القوانين الضابطة لتصرفات الناس في معاملاتهم
الفن الثاني : فن القوانين التي بها رعاية الأمة في مرابع الكمال والذود عنها أسباب الاختلال
الفن الأول عماده : مكارم الأخلاق والعدالة والإنصاف ، والاتحاد والمواساة ( من تحابب ونصح وحسن معاشرة وسماحة
والفن الثاني عماده : المساواة، والحرية ، وتعيين الحق والعدل ومال المة ، وتوفير الأموال ، وحماية البيضة ( الجهاد والتجارة إلي أرض العدو ، والصلح ، والجزية ) والتسامح ونشر الدين
الفن الأول : موكول إلي الوازع الديني النفساني
الفن الثاني : موكول إلي تدبير ساسة الأمة بإجرائهم الناس علي صراط الاستقامة في مقاصد الشريعة بالرغبة والرهبة

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 6

3- إصلاح العمل
أعمال العاملين تجري علي حسب معتقداتهم وأفكارهم ، فجدير بمن صلحت عقائده وأفكاره أن تصدر عنه الأعمال الصالحة

الأعمال البشرية قسمان : نفسية وبدنية
إصلاح الضمائر يظهر في النهي عن الكبر ، والعجب ، والغضب ، والحقد والحسد ، وفي الأمر بالإخلاص وحسن النية والإحسان والصبر ، والمنهي عنه من هذه الأدواء القلبية كله حائل عن الكمال موجب لدوام النقص أو زيادته ،


أما الحقد فهو صارف للهمة إلي الانتقام وذلك صارف عن الكمال والاشتغال بما يفيد ، والغضب يتلف الفكرة ويسلب المواهب ، والحسد إنما ينشأ من اعتقاد العجز عن اللحاق بصاحب النعمة فيتمني زوال النعمة عن صاحبها وذلك بخس لصاحب النعمة والشأن وفيه تقصير عن اكتساب مثلها إن كانت فيه مقدرة أو عدم الرضا بما قسم له من ربه إن لم تكن له مقدرة علي اللحاق بالمنعم عليهم


والمأمور به من هذه الفضائل القلبية كله سبب اكتساب الكمال والمجاهدة للنوال ، فالإخلاص في العمل هو أن يريد المسلم بكل قول وعمل من البر وجه الله وبذلك يندفع إليه اندفاع العامللنفسه لا لإرضاء الناس ، فإن عمل لإرضاء الناس يسمي رياء وهو مشتق من الرؤية أي ليراه الناس وهو لا يرجي منه خير ، لأنه إذا خلا إلي نفسه ارتكب الموبقات وفتق ما رتقه من أعماله التي دفعه إليها الرياء


وحسن النية ينبعث من محبة الخير العام وإتقان العمل الصالح ، والإحسان أن يتذكر أن الله يراه في سائر أعماله ، فيعبده بامتثال أوامر شرعه واجتناب نواهيه ، كأنه يراه ماثلا هو بين يديه


والصبر ملاك ذلك كله والتدريب عليه هو وسيلة النجاح ، لأن جلائل الأعمال كلها يعترضها ضعف المقدرة وتثبيط الكسل وإنكار الجهال ولوم اللوام فلا تقل حدة ذلك كله إلا بالصبر ، ثم إن للصبر فائدة أخري عظيمة وهي تربية قوة الإرادة في النفس ، وتسمي هذه القوي بالهمة وبالعزيمة وهي خلق تنشأ عليه النفس ، من شأنه أن يدفعها إلي السعي في تحصيل ما تتطلبه بدون كلل فلا يزال هذا الخلق ينمي حتي تصير الأخطار لديه محتقرة ، وصاحب هذا الخلق مظهر للأعمال العظيمة في كل غرض يعمد إليه من علم أو تأليف أو تدبير دولة أو قيادة جيش أو غير ذلك


وغرضنا هنا هو الإشارة إلي فهم فضائل الأخلاق وأثرها في صلاح العمل


أما التوكل فهو الاعتماد علي الله في تحصيل المرغوب من الدنيا أو الآخرة وذلك بتيسير الأسباب للنجاح ودفع العوائق المفضية إلي الخيبة وله أثر عظيم في نجاح الأعمال ، إذ هو في معني الاستعانة بالله بعقد القلب علي رجاء الإعانة أو بسؤاله مع ذلك بالدعاء باللسان ، وقد أمر الله به في كتابه وأثني علي المتوكلين


وهذه الخصلة الجليلة هي مثار الثقة بالنجاح في ابتداء الأعمال وهي سر نجاح الأعمال والإقدام علي جلائلها في ابتداء العزم عليها ولاسيما في الأحوال النادرة التي يضطر إليها في المضايق العامة أو الخاصة بحيث لا مندوحة عن الإلقاء بالنفس فيها


قال تعالي : " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" البقرة:249


وقد انتفع المسلمون بإدراك كنهها عصراً طويلاً ، ثم اعتراها التحريف وعادت إلي عقائد الجاهلية فتوهموا التوكل الاستسلام والفشل والقعود عن العمل وهذه عقيدة جاهلية جاء في صحيح البخاري وكتب التفسير أن أهل اليمن كانوا يحجون بلا زاد ويقولون كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا ؟ ويوقلون : نحن المتوكلون علي الله ثم يكونون كلا علي الناس بالإلحاف في السؤال فنزل فيهم قوله تعالي : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة " البقرية : 195
جاء رجل إلي أحمد بن حنبل فقال له : أريد أن أخرج إلي مكة علي التوكل بغير زاد ، فقال له أحمد : اخرج في غير القافلة ، فقال : لا ، إلا معها فقال أحمد : فعلي جرب (أوعية جلديه يوضع فيها الطعام ) الناس توكلت

والرضي بالقضاء والقدر أدب إسلامي موقعه عند الحوال التي يغلب المسلم فيها علي سعيه فيخيب فيه أو عند الحوادث الخارجة عن مقدرة الإنسان ، فمن الأدب الديني أن يرضي بذلك ولا يجزع وهو ضرب من الصبر معلل باعتقاد أن قدرة الله أكبر من كل مقدرة فعدم تيسر المسبب مع السعي في الأسباب بدون تقصير يدل علي أن الله لم تتعلق إرادته بحصوله ، ونعم هذا للرجل المسلم في حياته بحيث يكون مطمئن البال عند المصائب متأدباً مع ربه فالرضي بالقضاء والقدر سلوة وعزاء للمؤمن وليس عذراً يتعذر به المقصر عند تقصيره أو المستسلم في فشله

الأعمال البدنية :


ملاك صلاحها الوقوف عند حدود الشريعة فيها واعتقاد أن ذلك سبب النجاحروي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ) المؤمنون :51 "


فالأحكام الشرعية الخمسة : الوجوب والندب والإباحة والكراهة والحرمة ، إصلاح للعمل


وملاك أصل نظام صلاح الأعمال النظر إلي المصلحة والمفسدة المطردتين أو الغالبتين ، وفي معاملات الناس ملاكه قوله صلي الله عليه وسلم كما في الموطأ " لا ضرر ولا ضرار "


وثمة أشياء تعين علي صلاح العمل وتيسره وهي : النظام ، والتوقيت ، والدوام ، وترك الكلفة والمبادرة ، والإتقان


فالنظام عون علي إكمال الأعمال ويسرها ، وشاهد في الشريعة ترتيب أركان العبادات وواجباتها كترتيب أعضاء الوضوء وأجزاء الصلاة
وأما الدوام ففي الحديث : " إن الله يحب من الأعمال ما كان ديمة وإن قل " وقد حذر الإسلام من سوء الخاتمة التي هي في معني إبطال الدوام علي العمل الصالح
وأما ترك الكلفة فقد قال الله تعالي : " قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " وفي الحديث : " عليكم من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتي تملوا " وقد ظهر أن ترك الكلفة له انتساب بالدوام ،
وأما المبادرة بالعمل فلخشية طريان الموانع وقد قسمت الواجبات إلي واجبات مضيقة وواجبات موسعة ولهذه المبادرة انتساب بتوقيت بعض العبادات ، ثم إن المبادرة تؤذن بالحزم
وأما الإتقان فإنه يتفرع عن حسن النية ومعني الاتقان أنه صرف العامل جميع جهوده ومعرفته في عمله ليكون محصلاً لأحسن ما يقصد منه أو ينشأ عنه
قال الله تعالي : " صنع الله الذي أتقن كل شئ " النمل :88 وقد أمرنا بالحكمة وفُسرت بأنها التشبه بالخالق تعالي بقدر الإمكان البشري


ومما تجب العناية به في تحقيق صلاح الأعمال المحافظة علي تحقيق حصول المقاصد الشرعية منها ، فإن جميع التشريعات مشتملة علي تحصيل مصالح أو دفع مفاسد

12‏/04‏/2010

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 5

3- التفكير في العبادة :
فهو بتعليم المسلمين أن العبادات كلها تعود عليهم بالخير عاجلاً وآجلاً ، ولا تعود علي المعبود بنفع ولا ضر قال تعالي : " وما خلقت الجن والإنس إلأا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون " الذاريات : 56-57
وقال تعالي : " لن بنال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوي منكم " الحج 36
فلم يبق أحد من الهرب غير فاهم حكمة مشروعية الهدي في الحج وذلك لم يكن معلوما لهم من قبل ، إذ كان هم المقرب هدياً أو قرباناً أن يلطخ بدم الذبيحة موقع الذبح

4- التفكير لتحصيل النجاة في الحياة الآخرة :


لم يجعل الإسلام سعادة المرء في الحياة الآخرة منوطة بالبخت أو بقبيلة أو نسبة أو عصر أو بلد ، وإنما مناطها بمقدار ما يقدمه المسل في حياته الدنيا من الاعمال الصالحة قلبا وبدنا


قال تعالي : " ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " النحل -32
فمدار أمر النجاة علي التقوي ولذلك تكرر الترغيب في التقوي في القرآن ، قال أبو بكر بن العربي : لم يتكرر لفظ في القرآن مثلما تكرر لفظ التقوي
وقد بين الغزالي في الإحياء الفرق بين مقام الرجاء ومقام الطمع ، وقد كانت ملاحظة هذا المعني من أكبر أسباب فلاح المسلمين الأولين حتي إذا احترفوا الكلام وتعلقوا بالأوهام ، وتطلبوا المسببات من غير أسبابها ، وأتوا البيوت من ظهورها لا من أبوابها ، صاروا إلي ماتري
5- الحزم
فالأخذ بالحزم ناحية من نواحي التفكير الصحيح ، لأنه يقي المرء الوقوع في الأرزاء التي قد يتعسر دفعها أو يضيع في دفعها وقت ثمين ، فالحزم ملاك النجاح ، والحزم نوع ضعيف من سوء الظن لكنه لا يرتب عليه صاحبه معاملة المظنون به علي حسب ما ظن به بل يرتب عليه الحذر مما عسي أن يأتيه المظنون به

6- التفكير في المعاملة :


ينبني التفكير في المعاملة بين الناس علي الشعور بما لأجله احتاج المرء إلي المعاملة مع الناس ، وعلي الإنصاف من النفس


قال تعالي : " وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" الحجرات 13
وقال صلي الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه "

7- التفكير في الأحوال العامة للعالم :


وهذا من أهم مواقف التفكير الصحيح ، لأن تصور الحالة العامة علي خلاف ما هي عليه يوقع في مصائب ذاتية بالنسبة إلي تصرف المرء في ذاته ، وفي مصائب متجاوزة للجماعة أو للبلد أو للأمة بالنسبة إلي ما يتصرف فيه المفكر من شؤون الناس من ملك أو وزير أو قائد جيش أو سفير


فالمصائب الذاتية مثل : الجهل بقيم السلع في بلدان العالم و بالرغبة في بعض السلع دون بعض وهذا مما يعرض التاجر للخسارة في الاقتناء أو في البيع ، ومثل الجهل بأخلاق بعض الأمم أو بأحوال بعض البلاد ، من أحوال جوها والوصول إليها فهذا يوقع المسافرين في أضرار جمة


والمصائب المتجاوزة: بينة وكذلك الاتعاظ بأحوال الأمم الغابرة لتجنب أسباب الهلاك ولأجل هذا التفكير وعائدته علي الأمة أكثر الله سبحانه وتعالي في كتابه قصص الأولين ومواضيع العبرة بهم قال تعالي : " ذلك من أنباء القري نقصه عليك منها قائم وحصيد ، وماظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم " هود : 100-101

8- التفكير في مصادفة الحقيقة في العلوم :

إن العلم الصحيح عبارة عن إظهار الحقائق في صورة جامعة لها ، وتسهيل إدراكها لمريده بما يمكن من السير في المزاولة ، والاقتصاد في الوقت قال الله تعالي : " ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله " فالهوي هو مايشتهي المرء أن يكون بقطع النظر مصادفته الصواب والحق ، وهو المذموم فإذا وافق الهوي سبيل الله وهو الحق سمي ذلك الهوي توفيقاً وشرح صدر وتيسيراً ، وهو صفة الكاملين ، إذ يصادف مشتهاهم الحق ، لأنهم تلبسوا بالحق حتي صار لهم جبلة


قال عمر : " حتي رأيت أن الله قد شرح لذلك صدر أبي بكر فعلمت أنه الحق "


وإني قد وجدت السبيل المذموم في العلم راجعاً إلي التكلف ، وترك الجادة وإتباع بنيات الطريق ، وتعسف السبل المنحرفة ، وأن ملاك الصواب هو ترك التكلف

هذا ما عن لي من النواحي التي دعا الإسلام إلي صحة التفكير فيها ، وإنها لمن أهم النواحي وأجمعها ، وما عسي أن أكون قد ذهلت عنه فبصر المطالع لهذا المقدار في مثله حديد ، وزمام تسخيره بيده لا يحوجه إلي ارتياض جديد ، وإنك لتوقن بأن أمة يزجي بها دينها إلي صحة التفكير في كل النواحي العارضة في الحياة العقلية والعلمية لهي جديرة بما نالته من سيادة العالم أيام كانت أخلاقها الدينية غير مشوبة بخليط الخطأ في فهمه حق فهمه ، ولتوقن بأن تراجعها القهقهري ، له مزيد اتصال بنبذ هذا الأصل عندهم إلي الوراء






أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 4

أصول إصلاح التفكير لكي ينجح المرء والجماعة في المجتمع هي :


1- التفكير في تلقي العقيدة


العقيدة هي أصل الاسلام ، فالدعاء إلي تصحيح التفكير فيها تأصيل للتفكير عند المسلم في أول تلقيه للإسلام
وهذا مسلك القرآن في إبطال العقائد المنحرفة
تحداهم بطلب الحجة فقال : " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " البقرة 111 وقال تعالي : " إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون علي الله مالا تعلمون " يونس -68


وأوقفهم علي اضطراب عقائدهم ومناقضات آرائهم فقال :" أتعبدون ما تنحتون " وقال تعالي :" والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ، أموات غير أحياء " وقال تعالي :" وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض ، سبحان الله عما يصفون "


ثم نعي عليهم التقليد فقال : "بل قالوا إنا ودنا ءاباءنا علي أمة وإنا علي ءاثرهم مهتدون ، وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلأا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا علي أمة وإنا علي ءءاثرهم مقتدون " وقال تعالي : " قال أولو جئتكم بأهدي مما وجدتم عليه ءاباءكم "

2- التفكير في تلقي الشريعة :


القرآن والسنة في الأمر بالتفكير في تلقي الشريعة لا تبلغ مبلغ مالها في الدعوة إلي التفكير في العقيدة ووجه ذلك أن دلائل الأمور الاعتقادية أدخل في الفطرة وأوضح في الدلالة فكانت دعوة عامة الأمة إليها متيسرة بخلاف دلائل التشريع فإنها تخالف دلائل الاعتقاد من ثلاث وجوه :
الأول : أنها أخفي دلالة وأدق مسلكاً فلا تتأهل لإدراكها جميع العقول
الثاني : أن المقصد من مخاطبة الأمة بالشريعة وامتثالهم إليها أن يكون عملهم بها كاملة ، وهذا المقصد لا يناسبه وضع الشريعة للاستدلال بالنسبة لعموم الأمة
الثالث: أن المخاطبين بالشريعة هم الذين استجابوا للإيمان وصدقوا الرسل فالاستغناء معهم عن التصدي للإقناع أدل علي الثقة بإيمانهم والشهادة لهم بالإخلاص فيه قال تعالي : " فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" النساء – 65


فجعل انتفاء الحرج من أحكام الرسول غاية لحصول إيمانهم ، وتشريعه الذي يبلغه إليهم هو من أحكامه ، فدلنا هذا علي أن الطريق الموصل إلي إيمانهم طريق استدلال والطريق المساير لهم بعد إيمانهم طريق تسليم وامتثال


علي أن الإسلام لم يغمض عن أدلة الاحكام عيناً ، ولا ترك حبلها علي غاربها تجتاب به ترددا ومينا ، ولكنه كنزها في إيماء خطابه للعامة تحت ستار الإشارة والتلويح وأبرزها في أقوال المشرع وأفعاله لدي الخاصة بوجه صريح
كما في أية تحريم الربا وعدم بيان العلة في التفريق بينه وبين البيع
وتعليله لحرمة الخمر
فنشعر من ذلك بأن القرآن إنما يتنازل إلي بيان علة الحكم في الأحكام التي كان التشريع فيها بحكم غير معهود ، وكان فيه نزع للنفوس عن داعية هوي قديم استئناساً لنفوس المخاطبين واستنزالاً لطائرها كما في تحريم الخمر وإبطال الثأر فقد كان العرب في التعلق بهما عظيماً ، أما أٌقوال الرسول صلي الله عليه وسلم وأفعاله في خاصة أصحابه فما كانت لتخلو عن إيضاح العلة والحكمة

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 3

أصول إصلاح الأفراد


قال الحكيم : الإنسان عقل تخدمه أعضاء " فإصلاح المخدوم هو ملاك إصلاح خادمه
فإصلاح عقل الإنسان هو أساس إصلاح جميع خصاله ، ويجيئ بعده الاشتغال بإصلاح أعماله ، وعلي هذين الإصلاحين مدار قوانين المجتمع الإسلامي


وفي صحيح مسلم عن أبي عمرة الثقفي أنه قال : قلت : يارسول الله ، قل لي في الاسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " فجمع له في قوله : " قل آمنت بالله " معاني صلاح الاعتقاد ، وفي قوله :"استقم" معاني صلاح العمل

1- إصلاح الاعتقاد

قد أحاط الإسلام إصلاح العقيدة ودوام إصلاحها بأمرين عظيمين هما :
التفصيل والتعليل
والتفصيل كان بثلاث أمور أولها تمام الإيضاح لسائر المسلمين وبإعلان فضائح الضالين في العقيدة علي اختلاف ضلالهم والإغلاظ عليهم وبسد ذرائع الشرك واجتثاث عروقه ، ولذلك نهي عن اتخاذ التماثيل في البيوت وأكد النهي عن اتخاذ القبور مساجد

والتعليل باستدعاء العقول إلي الاستدلال علي وجود الله وعلي صفاته التي دل عليها تنزيهه ، وأعظم ذلك الاستدعاء إلي النظر في النفس وهو أصل الحكمة
" قل انظروا ماذا في السموات والأرض" يونس - 101
" وفي أنفسكم أفلا تبصرون " الذاريات-21

2- إصلاح التفكير


وإصلاح التفكير المراد هنا هو التفكير فيما يرجع إلي الشؤون في الحياة العاجلة والآجلة لتحصيل العلم بما يجب سلوكه للنجاح في الحياتين فأعمال الإنسان جارية في الصلاح والفساد علي حسب تفكيره ، فالعقل للأعمال كمثابة قائد الجيش تجري أعمال جيشه علي مايريده ، فإن أصاب انتصروا وإن أخطأ انهزموا


وبهذا نستدل علي أن إصلاح التفكير من أهم ما قصدته الشريعة الإسلامية في إقامة نظام الاجتماع من طريق صلاح الأفراد ، وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن باستدعاء العقول للنظر والتذكر والتعقل والعلم والاعتبار وإن ذلك جري علي هذا المقصد


فإن الذهول عن الحقائق والخطأ في إدراكها من أكبر المصائب في العاجل والآجل ، لأنه يوقع صاحبه في مهواة الضلالة من حيث يتطلب الهدي والنجاة ، أو يضيع عليه مدة من نفيس عمره حتي يفيق من ضلاله

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام 2

أصول النظام الاجتماعي في الاسلام جمل مختارة


لم يزل علماء الاجتماع يعدون من أكبر أسباب النهوض والسقوط حالة الدين والعقيدة


قال الله تعالي : " وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ، وصدها ما كانت تعبد من دون الله " النمل -42- 43


أي صدها عن حصول العلم النافع عبادتها الشمس فكانت بذلك الاعتقاد منصرفة عن الكمال العلمي والرشد الفكري واستكمال الحضارة الصحيحة


في الإسلام امتزج الدين مع الشريعة فضبط الإسلام للأمة أحوال نظامها الاجتماعي في تصاريف الحياة كلها تكملة للنظام الديني الذي هيأ أفراد الناس للاتحاد والمعاشرة ، ثم ألزم متبعي عقيدته وسلطانه أو متبعي سطانه فقط باتباع ما خطط لهم من قوانين المعاملات ، فاقتضي ذلك لا محالة أن يكون هذا الدين دولة ، لأن التشريع يتطلب تنفيذ قوانينه وذلك التنفيذ هو جماع معني الدولة ، وقد صرح به القرآن في مواضع كثيرة وبينه الرسول صلي الله عليه وسلم بالفعل من نصب الأمراء والقضاة ونحو ذلك ، لأن جلالة الدين لا تناسب استنجاده من ينفذه أو يدفع عنه
وهذا وصف امتاز به الإسلام عن بقية الأديان السابقة

الاعتدال والتوسط


الغلو في الغالب يبتكره قادة الناس ذوو النفوس الطامحة إلي السيادة أو القيادة ، والاعتدال هو الكمال ، وهو إعطاء كل شئ حقه من غير زيادة ولا نقص ، وهو ينشأ عن معرفة حقائق الأشياء علي ما هي عليه ومعرفة حدودها وغاياتهاا ومنافعها ويعبر عن الاعتدال بالتوسط

السماحة
سهولة المعاملة فيما اعتاد الناس فيه المشادة ، فهي وسط بين الشدة والتساهل

الأمانة التي وكلت إلي المسلمين هي أمانة إصلاح التفكير وإعلان الحق بين الناس

07‏/04‏/2010

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

أصول النظام الإجتماعي في الإسلام


اسم الكتاب : أصول النظام الإجتماعي في الإسلام
اسم المؤلف : الإمام محمد الطاهر بن عاشور
دار النشر : دار السلام
الطبعة : الأولي 2005
عدد الصفحات: 222

01‏/04‏/2010

الأمة المسلمة 15

مصير الأمة المتوفاة


لا تتوقف السنن والأقدار عند إعلان وفاة الأمة ودفنها ، وإنما تستمر في عملها خطوات أخري وهي :
1- التقطيع في الأرض
2- الابتلاء بالحسنات والسيئات
3- الرجوع
4- الاستبدال

قال تعالي : " وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم من دون ذلك ، وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون "
وقال تعالي : " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "


التقطيع والتجزئة :

هو تفكيك عناصر الأمة المتوفاة ، وانهيار مؤسساتها ، وبعثرتها إلي أقليات متناثرة هنا وهناك ، وحقيقة هذا التقطيع أنه معالجة ل(الصالحين) ومن هم (دون ذلك) ممن نزحوا هاربين خلال إعلان الوفاة والدفن ، ذلك أن إنسان ما بعد دفن الأمة الميتة هو إنسان مثقل ب(الأغلال) السياسية و(الأصار) الثقافية والاجتماعية التي تراكمت خلال فترات الجمود والآبائية وأدت إلي وقوعه في أسر صنمية " الأشخاص والأشياء " فصار يعاني من مرضين
الأول : عدم وضوح الرؤيا الفكرية ولذا يعجز عن النظر الصائب في آيات الكتاب أي مصادر الرسالة ، ويعجز عن النظر في آيات الآفاق والأنفس أي أحداث الاجتماع البشري والكون ، وإنما يراها ملونة بتراث مراحل الجمود والآبائية
الثاني : موت الإرادة العازمة والعجز عن التحرك إلا نحو الحاجات الدنيا المتمثلة في الغذاء والكساء والجنس دون التطلع إلي الحاجات العليا

2- الابتلاء بالحسنات والسيئات :


وهذه خطوة مكملة لسابقتها إذ هي تمري لإنسان ما بعد الأمة المتوفاة في سلسلة من الخبرات الإيجابية والسلبية التي تدربه علي نصرة الحق والتزام الخير والجمال ، ومحاربة الباطل والشر والقبح


فالابتلاء هنا هو إعادة امتحان بزينة الحياة الدنيا ومصائبها ليتدرب علي التحرر من قيودها وعلي حمل الرسالة من جديد ، وهو فرصة لإعادة النظر في الموروثات الثقافية والاجتماعية لبلورة نموذج مثل أعلي جديد ونظام تربوي جديد ، وتنظيم صفوف شظايا الأمة وتنمية قدراتها علي تسخير إمكاناتها البشرية والمادية لإعادة بعث الأمة الكبيرة الموحدة من جديد

والنجاح في هاتين الخطوتين – خطوة التقطيع والابتلاء – يؤهل الإنسان المبتلي للقيام بعملية ( الرجوع ) إلي إخراج الأمة المسلمة من جديد وهو ما يشير إليه قوله تعالي " لعلهم يرجعون "


 فقه الرجوع إلي إخراج الأمة المسلمة من جديد :


أولاً: انسحاب الطليعة الواعية المثقفة التي تحس بمأساة الأمة الميتة من صفوف المجتمع الميت والتوقف عن الاشتغال بالقضايا العامة بغية التفرغ للقيام ب( توبة ) شاملة تبدأ في نفوس المنسحبين ويكون من ثمارها الانتقال من حالة الحس إلي حالة الوعي بأسباب الوفاة وبالاستراتيجية اللازمة لإخراج أمة مسلمة جديدة ويحدد الرسول صلي الله عليه وسلم زمن هذا الانسحاب وغايته فيقول :


" إذا رأيت شحاً مطاعا ، وهوي متبعاً ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ودعك من أمر العامة " سنن الترمذي وسنن أبي داود

والتوقف عن الاشتغال بأمر العامة عند ظهور المضاعفات المذكورة ضرورة لها أهميتها الكبري فهو
 أولا : يوفر للمنسحب القيام بتوبة شاملة تمحو آثار المضاعفات السلبية التي ضربت خاصة نفس المنسحب طالما نشأ وترعرع في بيئات الأمة الميتة ، وثمة أهمية ثانية : أن الانسحاب عامل أساسي في تحقيق عنصري الإخلاص والإصابة لدي العاملين في ميادين التربية والدعوة والإصلاح


فالعمل في هذه الميادين قبل الانسحاب والعودة يتحول في الغالب إلي استثمارات عقائدية وسياسية هدفها مصلحة الأفراد العاميلن في ميادين الإصلاح للوصول إلي الجاه والمال والنفوذ لأنفسهم أو أسرهم وعشائرهم .

ثانياً : عودة المنسحبين إلي المجتمع


بغية العمل علي توبة الآخرين وتحقيق أمرين :


1- استبدال المثل السوء الذي أدي إلي مرض الأمة ووفاتها ، واستبدال الخبرات الاجتماعية والكونية الخاطئة وتحرير القدرات العقلية المكبلة بأغلال الصنمية السائدة ، وآصار الآبائية المستحكمة


2- إخراج الأمة المسلمة الجديدة حسب النموذج الذي فقهه المنسحبون العائدون خلال فترة الانسحاب

ويراعي في إخراج الأمة الجديدة التدرج في الإخراج حسب التفاصيل التي مرت عند تعريف الأمة ، وهذا يعني أن تعمد الجماعات والمجموعات االإسلامية المتناثرة هنا وهناك في حارات الكرة الأرضية إلي تكوين أمم صغري في مهاجرها الموقوتة علي أن تكون مقدمة لتجميع هذه المم الصغري في أمة إسلامية كبري يكون مهجرها النهائي الدائم هو الأرض التي رسم حدودها إبراهيم عليه السلام والرسل من ذريته منذ موسي عليه السلام حتي محمد صلي الله عليه وسلم وأقاموا مؤسساتها التي صارت محورها المسجد الحرام والحرم النبوي والمسجد الأقصي

ثالثاً:  توجيه الأمة المسلمة الكبري لحمل الرسالة الإسلامية ونشر نموذج المثل الأعلي الإسلامي بين الأمم الأخري






وفي تاريخنا هناك من طبق ذلك أبرزهم أبو حامد الغزالي الذي أنشأ حركة إصلاحية وطبق منهجه عملياً طليعة كبيرة كانت لهم الدور الأكبر في إخراج جيل صلاح الدين وعودة القدس


ولكن أولئك المنسحبين ركزوا في توبتهم علي المثل الأعلي دون الخبرات الاجتماعية والكونية ولذلك اقتصرت نجاحاتهم علي تحقيق عنصر الإخلاص دون الإصابة أو نقول نجحوا في تنمية الأمانة دون التمكين ، ولذلك نجح جيل صلاح الدين الذي أخرجوه في ميدان الجهاد العسكري وتحرير المقدسات ولكنه لم ينجح في تطوير النظم والمؤسسات التي تضمن استمرارية الحضارة الإسلامية وفاعليتها

استبدال الأمة المتوفاة :


إذا لم تنجح الأمة في إعادة الاخراج للأمة المسلمة وفق المراحل السابقة تحولت إلي الغثائية


قال تعالي : " فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعداً للقوم الظالمين ، ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين ،ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون " المؤمنون 41: 43


و(الغثاء ) بقايا ونفايات بشرية خاوية تعيش علي هامش مجرس الاجتماع الإنساني كدويلات وأقليات متناثرة ، وثقافات هامشية تراثية آثارية ، وليس فيها قابلية البعث من جديد والإسهام في حمل الرسالة ، فلا هي مستعدة للتضحية ، ولا قادرة علي التحرر من رق الشهوات الفردية والولاءات العصبية ، وأبرز صفاتها هو الوهن أي حب الدنيا وكراهية الموت والتضحية ، بل إن هذا الجبن يصبح عند الغثائيين مرادفاً للحكمة والعقل

من المناسب أن نذكر أن هذه السنن والقوانين في الاستبدال هي التي وجهت تعاقب الأمم الاسلامية من العرب والمسلمين والفرس المسلمين والسلاجقة والزنكيين والأيوبيين والمماليك ثم الاتراك العثمانيين

الأمة المسلمة 14

العنصر السادس : الولاية والولاء

معني الولاية : القيام بأمور الآخرين كلها


والولي هو القائم بأمور غيره من الأمة المسلمة في الميادين المتفرعة عن عناصر ( الإيمان ، والهجرة ، والجهاد والرسالة ، والإيواء ، والنصرة ) بالطريقة التي أمر الله
أي أن الولاية مصطلح إجتماعي يعني ولاء الفرد المسلم للأفكار التي جاءت بها الرسالة الإسلامية أكثر من ولائه لنفسه
ومن هذه الولاية اشتقت " أولي الأمر " و " الولاة"

والذين يحسنون هذه الولاية والرعاية في كل ميدان ويلتزمون في ولايتهم ورعايتهم لشؤون غيرهم أوامر الله وتوجيهاته حق الالتزام دون أن تفتنهم المغريات هم أولياء الله وبذلك يكون ولي الله هو من يلتزم أوامر الله حق الالتزام في ميادين الحكم والسياسة ، وكان خالد بن الوليد ولي الله في ميدان العسكرية ، وكان معاذ بن جبل ولي الله في ميدان التربية والتعليم ، وكان عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وليين الله في ميدان التجارة والاعمال ، وكان هناك ولي الله الزارع ، وولي الله الصانع ، وولي الله البوليس ، وولي الله الإداري ، وهكذا مادام الكل يعملون حسب أوامر الله ونواهيه ، ويتقونه حق تقاته

هنا يجب أن نشير إلي أمرين :


الأول : التشويه الخطير الذي أصاب مصطلح الولاية حتي أصبح الولي هو
الدرويش الأهبل المنسحب من الحياة ، الفاقد للإحساس بها ، العاجز عن العمل ، الخانع أمام الأعداء ، القانع بالذل والفاقة والعجز والقذارة ، وإذا أهلكه الجوع والمرض والجهل أُقيم له النصب والأضرحة وصار صنماً تذبح عنده القرابين ، وتلوذ به الجماهير التي تعاني من الظلم والفاقة والفقر والاستغلال



الثاني : موقع الولاية – حسب المفهوم الإسلامي- في سلم محاور الولاء وضرورتها في المجتمعات المعاصرة


درجات الولاية الإيمانية :


1- ولاية الله للمؤمنين " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور "


2- ولاية الرسل للمؤمنين " إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا " وقوله تعالي " النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم "


3- ولاية المؤمنين للمؤمنين " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض "


4- ولاية أولي الأرحام من المؤمنين " وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين "

درجات ولاية غير المؤمنين :


1- ولاية الشياطين للكافرين والمنافقين والعصاة


" فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم "


2- ولاية الكافرين والمنافقين والعصاة بعضهم لبعض


" والذين كفروا بعضهم أولياء بعض " وقوله تعالي " وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض "

التربية ورباط الولاية :


سورة التوبة 23- 24

الأمة المسلمة 13

العنصر الخامس : النُصرة

معني النصرة :
1- اتباع دين الله والجهاد في سبيله وطاعة أوامره واجتناب معاصيه " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "
2- التأييد والمساعدة علي التفوق والغلبة " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "
3- المؤازرة
4- الحماية " وياقومي من ينصرني من الله إن طردتهم "
5- مساندة الحق وإشاعة العدل " ومالكم لا تناصرون "
6- الثأر ودفع العدوان " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون "
7- منع الظلم ودفعه إذا وقع


ولقد التزم الأنصار التزام كامل قولا وعملا لنصرة الرسول صلي الله عليه وسلم ونصرة المهاجرين معه ، ومن أجل ذلك أطلق عليهم الأنصار


كما ان المهاجرين حين اقتلعوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وثقافته اقتلاعاً كاملاً ثم أوقفوا هذه الأنفس لنصرة دين الله سبحانه وتعالي

وأقام الفريقين مجتمع لمعاني الإسلام في واقع حياتهم في المجتمع النبوي والراشدي ، ثم الخروج إلي العالم كله لإقامة هذه المعاني في حياة الآخرين

مظاهر النصرة :

1- نصرة أفكار الرسالة الإسلامية في مواجهة طغيان الأشخاص وزخرف الأشياء.
2- نصرة العدل في مجابهة الطغيان والتسلط
3- نصرة الحرية في مجابهة الاستعباد
4- نصرة مؤسسات الإدارة والأمن والجيش للإنسان المسلم في مواجهة أشخاص الحاكمين المتسلطين وأشياء المترفين

واعتماد هذه المبادئ الإسلامية في تشكيل عمل مؤسسات النصرة يتطلب ثلاثة أمور:


الأول : أن تنفرد التربية الإسلامية في إعداد العاملين في هذه المؤسسات وعدم تركهم للإعداد في المؤسسات الإدارية والبوليسية والعسكرية القائمة في ديار الغرب لتكون محصلة إعدادهم في تلك المؤسسات رهقاً وإرهاباً لأممهم ومجتمعاتهم في الداخل وعجزاً مذلاً أمام العدوان النازل بهم من الخارج .

الثاني : أن تختلف الإجراءات التي تمارسها هذه المؤسسات والعقوبات التي تطبقها لإمضاء قوانين النصرة وتشريعاتها عن نظائرها من المؤسسات غير المسلمة.

الثالث : أن يتم تأسيس التربية العسكرية علي الأصول الإسلامية التي تعد العسكري المسلم ليدور حول أفكار الرسالة لا في في فلك أشخاص الحاكمين وأشياء المترفين

وأهمية هذه التربية لا يمكن هنا الخوض في تفاصيلها وإنما يمكن تصورها من المثل الذي لم يحدث له نظير في تاريخ الجندية حينما أنزلت رتبة عسكري كخالد بن الوليد من قائد عام للجيش إلي جندي نفر ثم استمر في أداء واجبه قائلاً : أنا لا أقاتل من أجل عمر !!

5- نصرة الأمة المسلمة في مواجهة طغيان الفرد أوالأقلية


لهذا يجب ترسيخ ثلاث مبادئ وهي :


الأول : تنمية الوعي بقيمة وحدة الأمة المسلمة والمحافظة عليها بكل الوسائل


الثاني : تنمية الوعي بأهمية العمل الجماعي وسيادة مبدأ الشوري


الثالث: تكافؤ الفرص وعدم محاباة الأٌارب والأصدقاء وتوزيع الوظائف والاعمال طبقاً لمقاييس ال؟إخلاص والكفاءة .

6- نصرة رجال الفكر وجمهور الأمة في مواجهة رجال القوة والسلطان


7- نصرة الأمة المسلمة في مواجهة العدوان الخارجي


ولتحقيق هذا لابد للتربية أن تركز علي خمس اتجاهات وهي :
الأول : تربية الأمة علي الروح العسكرية وتعشق الجهاد
الثاني : إقامة الصناعات الحربية وتطوير العلوم العسكرية بما يكفل للأمة الإسلامية التفوق الرادع للأعداء
الثالث : إقامة مراكز شهود العالم المتخصصة في البحث ودراسة ما يجري في العالم من تيارات وأحداث في صالح الأمة المسلمة أو ضدها
وذلك لتحديد سياسات التعامل مع هذا العالم وإيصال الرسالة إليه


" إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً "


الرابع : إقامة مراكز الدراسات الاستراتيجية المتخصصة بتشخيص الشؤون المتجددة ثم النظر في وسائل التكيف مع متطلبات هذه الشؤون ومجابهة التحديات التي ترافقها


الخامس : إقامة مراكز لدراسة مجتمعات غير المسلمين وذلك لتحقيق أمرين :
 1- التعرف علي أصول هذه المجتمعات الثقافية والاجتماعية الموجهة لسياساتها وعلاقاتها وسلوكها وتحديد أساليب التعامل معها
2- بلورة أصول العلاقات الخارجية مع المجتمعات غير الإسلامية وتحديد الميادين التي يباح فيها التعاون والصداقة مع هذه المجتمعات والمدي الذي يصل إليه هذا التعاون والمدي الذي ينتهي عنده

من مشكلات التربية الحديثة أنها تفصل بين علوم القوة والتمكين أو المهارات كالعلوم الطبيعية والإدارية والسياسية ، وبين علوم الأمانة أو الاتجاهات كعلوم الدين والأخلاق ، ثم تكون ثمرة هذا الفصل في أحسن الحالات إخراج فئة أولي قوة وتمكين بدون أمانة ، وأولي أمانة بدون قوة