29‏/07‏/2009

ضرورة الفن - جمل مختارة 5

الرمزية

اتجهت الحركة الطبيعية إلي الرمزية والتعمية ، فجميع الحركات الفكرية والفنية الساخطة في العالم الرأسمالي تتعرض دائما للحظة حاسمة ، وذلك عندما تتمكن إحدي الحركات الثورية – لا مجرد حركة من حركات الاحتجاج – من تحريك الجماهير ، أي عندما تبدأ الطبقات في العمل : فهكذا كانت الثورة الفرنسة ، وثورة سنة 1848 وكميون باريس – من نقاط التحول بالنسبة للأدب والفن كما كانت بالنسبة للسياسة.


كانت الطبيعية تعتقد أنها تصف الظروف الاجتماعية بموضوعية علمية ، لكنها موضوعية خادعة فالطبيعية كالانطباعية لم تستطع أن تري أن تلك الظروف هي صراع بين الماضي والمستقبل ، بل كانت تري فيها حاضرا ثابتا لا يتغير . لم تنظر إليها في حركتها وتحولها ، بل رأت فيها لحظة ثابتة في الزمن .

لابد للفنان الحق أن يكون واسع الاطلاع رحب الأفق ، مما يمكنه من رؤية الصورة كاملة . إن كتاب اليوم يتخصصون أكثر مما ينبغي ، وينعزلون عن العالم ويشتغلون بالفحص المكروسكوبي للأدوار الفردية ، بدلا من الاتجاه بأبصارهم نحو المجموع

لقد فقد الفنان هذه النظرة الكلية ، كما أكد سيزان

لم يكن لدي الطبيعية ترتيب للأولويات في نظرتها إلي الواقع ، فالتفصيل العرضي والتفصيل ذو الدلالة يحظيان لديها بنفس القدر من الاهتمام . حوار جوهري أو حدث حاسم ، وكذلك طنين نحلة أو دخول امرأة تبيع البيض تقطع ذلك الحوار أو الحدث ، كلها تعتبر علي قدم المساواة من حيث الاهمية . إن هذا التسجيل الفوتوجرافي للأوضاع ، وهو التسجيل الذي يراها في حالة ثبات لا في حالة حركة ، قد أدي إلي خلق احساس بانعدام المعني وايجاد جو خانق من السلبية الداعية لليأس . وبذلك كانت الطبيعية إلي حد ما مقدمة للاتجاهات اللاإنسانية ، ومدخلا إلي التسليم اليائس للأشياء التي جعلتها قوانين الانتاج الرأسمالي غير الانسانية قادرة علي كل شيئ

ضرورة الفن - جمل مختارة 4

الطبيعية

كانت الحركة الطبيعية في الأدب أشد سخطاً وأعلي صوتا في الاحتجاج من الحركة الانطباعية ، لكنها بدورها كانت تعاني من التناقض الداخلي وقد صاغ زولا عبارة " الطبيعية " ليصف بها شكلا خاصا حادا من أشكال الواقعية ويعتبر المؤسس الحقيقي للواقعية فلوبير الذي فتح الطريق أمام الحركة الجديدة بروايته مدام بوفاري

وعندما أدرك زولا الحاجة إلي الاشتراكية كتب في مفكرته الخاصة : " إن البرجوازية تخون ماضيها الثوري حتي تحمي امتيازاتها الرأسمالية ، وتحافظ علي وضعها باعتبارها الطبقة الحاكمة . فهي بعد أن استولت علي السلطة لا تريد النزول عنها للشعب ...
وهكذا لابد أن تتحجر البرجوازية بالتدريج . وهي الآن تتحول إلي حليف للرجعية والكهنوتية والعسكرية . وينبغي لي أن أؤكد المرة بعد المرة أن البرجوازية قد خانت ، فقد انتقلت إلي صفوف الرجعية من أجل الاحتفاظ بسلطتها وثروتها . وكل الآمال معقودة الآن علي قوي الغد التي تقف بجانب الشعب "

لقد صور زولا في رواياته هذا كله إنحلال البرجوازية وبؤس الشعب العادي ومقاومة الطبقة العاملة لكن دون أمل في العثور علي حل ، وكأنما هو كابوس لا ينتهي . وفي هذا التصوير الموضوعي للظروف الاجتماعية المفزعة ورفض تصويرها كظروف قابلة للتغيير تكمن قوة المذهب الطبيعي ويكمن ضعفه أيضا ، هنا ثنائيته ، فهناك لحظة يكون علي الطبيعية فيها أن تختار بين الانطلاق نحو الاشتراكية أو الانحدار إلي القدرية والرمزية والغموض والغيبية والرجعية .

ضرورة الفن - جمل مختارة 3

الانطباعية :

كانت الانطباعية أيضا حركة ساخطة . كانت هجوما شنه رجال موهبون علي ما تصف به الفن الأكاديمي الرسمي من ادعاء وصلف .
وقد نشر فرانسيس جوردان تحت عنوان " عشرون عاما من الفن العظيم ، أو دروس في الحماقة " مجموعة من اللوحات التي حصلت علي الجوائز الرسمية في فرنسا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، وألحق بالكتاب قائمة بأسماء الفنانين الفرنسيين الذين عاشوا في الفترة نفسها ، ولم يحصلوا علي جوائز ولم تعترف بهم الدوائر الرسمية . وتضم القائمة أسماء ديجا وسيسلي وبيسارو وماتيس وروو ودوفي وسيزان ومونيه ورنوار وروسو وجوجان وتولوز لوتريك وبونار.

وهؤلاء هم الذين عاش فنهم بعد عصرهم ، في حين أن مجموعة لوحات الرسامين الأكاديميين أصحاب الحظوة والرعاية لا تعدو أن تكون أكداسا من الادعاء المتغطرس والتفاهة المتعجرفة والرياء المتخم.

هذا النوع من الفن الأكاديمي بكلاسيكيته الفارغة ، واقتباسه للأشكال القديمة التي فقدت مضمونها منذ أمد طويل وبمثالية مصنوعة حسب الطلب وبعاطفته الزائدة التي تندي العين بانفعال زائف ، علي حين تكشف بخبث عن نهد أو ساق ، هذا النوع من الفن كان من أبشع منتجات العالم الرأسمالي الذي يسير في طريق الاضمحلال ، فهو مؤلف من أكاذيب وعبارات فارغة وتضرعات مرائية مستمدة من تراث العصر الكلاسيكي وعصر الرينسانس ، في زمن كان فيه الوقار الزائد يمضي متبجحا زانيا مع التجارة المكشوفة العارية ، ولم يكن ذلك يحدث في الفن وحده ، بل وفي كل مجال : فالسياسي الرجعي الذي يعلن في عصر يوم من أيام الأحد تمسكه " بالحرية والاخاء والمساواة" بينما يلف علم الثورة المثلث الالوان حول سطه كالمنشفة ، لا يختلق في وقاحته إلا من حيث الدرجة مع الرسام الذي يستعير الاشكال والظلال من العصر الكلاسيكي حتي يخدع الجمهور عن طبيعة العالم الذي يعيش فيه.

فأي شيئ أشد انحلالا من أن يتصرف المرء في عالم اختل كل مافيه ، وكأنما كل شيئ علي ما يرام ، وكأنما أهم ما في الوجود أن نكرر بمختلف العبارات الطنانة ما سبق للكلاسيكيين أن عبروا عنه بكل قوة وأصالة ، إذ كان هو تجربة عصرهم وخبرته.

وضد هذا التزييف الفني الذي يرصع صدره بالأوسمة ويخفي عورته بأغصان الغار أعلن الانطباعيون ثورتهم

وعندما كتب كوربيه - الذي أسهم فيما بعد في كوميون باريس - رسالته المعتزة إلي وزير الفنون الجميلة يرفض فيها وسام اللجيون دونير الذي منح أياه ، كان كمن يعزف النغمة الأولي في لحن طويل.
"لم يكن يسعني قبوله في أي وقت . ومن الاولي ألا يسعني قبوله اليوم حين تتكاثر الخيانة في كل ميدان ، وحين لا يملك الضمير الإنساني الا أن يعتصره القلق لكل هذه الأنانية وهذا الغدر ... وضميري كفنان لا يمكن أن يرضي بقبول منحة تفرضها علي يد الحكومة فليست الدولة مؤهلة للحكم في شئون الفن "

لقد اتجهت الانطباعية – كاطبيعية في الأدب ، وهي معاصرتها تماما – بأبصارها إلي العالم المعاصر المحيط بها ، تتأمل الأشياء العادية باهتمام صريح ، بلا خوف أو تكتم ، حتي إذا كانت تلك الاشياء قبيحة أو شوهاء

إن الرسام اليوم لا يقول : انظر إلي هذه اللوحات الخالية من الخطأ ، بل يقول : انظر إلي هذه اللوحات الصادقة

....

لقد أدرك سيزان أن الاسلوب الذي أصبح سائدا هو أسلوب لترقيع ، وأن أحدا لم يعد ينظر إلي اللوحة في مجموعها . لقد ضاعت تلك الوحدة الرائعة ، لا في الفن وحده بل وفي الواقع الاجتماعي أيضا .

وكان دلاكروا الذي لم تخمد فيه بعد نيران الثورة ، والذي كانت أشجانه الرومانسية تعبر عن احساس ميق بالانسانية المكافحة ، كان آخر الرساميين الذين تجلت فيهم النظرة إلي الانسان كحودة مترابطة .

...

وقد صاغ سيزان المبدأ الجديد للانطباعية أكثر من مرة :
" لا يعدو الفنان أن يكون جهاز تسجيل للمدركات الحسية .. لا نظريات وإنما عمل .. فالنظريات تفسد الناس .. إنما نحن فوضي لامعة . أنا آتي قبل موضوعي وأضيع فيه ......
الانطباعية ماذا تعني ؟ إنها المزج البصري بين الالوان ، هل تفهمني ؟ انها تفكيك الالوان علي اللوحة ثم إعادة تركيبها في العين.."

إن الانطباعية التي تفكك العالم وتحوله إلي ضوء وألوان ، وتسجله علي أنه نتيجة للادراك الحسي ، أصبحت بشكل متزايد تعبيرا عن علاقة بالغة التعقيد بالغة التداخل بين الذات والموضوع . فالفرد الذي فرضت عليه العزلة ، والذي تدور أفكاره حول ذاته ، إنما يعرف العالم كمجموعة من المؤثرات العصبية والانطباعات والاحوال النفسية " فوضي لامعة " كتجربة خاصة وأحاسيس شخصية ان الانطباعية في الرسم تقابل الوضعية في الفلسفة ...فهذه بدورها تسمح بألا يكون العالم أكثر من تجربة خاصة وأحاسيس شخصية ، وليس واقعا موضوعيا موجود بشكل مستقل عن حواس الفرد .

إن عنصر السخط في الانطباعية يحد من أثره عنصر آخر هو عنصر الفردية الا أدرية المراوغة غير المقاتلة ، هو موقف المتفرج الذي لا تعنيه غير انطباعاته والذي لا يعتزم تغيير العالم ، والذي لا تزيد بقعة الدم في نظره عن أن تكون بقعة لون ..
وهكذا كانت الانطباعية بمعني من المعاني ، عرضا من أعراض الاضمحلال، من أعراض تفتت العالم وانعدام إنسانيته

28‏/07‏/2009

ضرورة الفن - جمل مختارة 2

الفن والرأسمالية وكيف تطورت المدارس الفنية في مواجهاتها للرأسمالية التي تحول كل شيء إلي سلعة ظهرت المدرسة الرومانسية كحركة احتجاج متحمس ومناقض للدنيا الرأسمالية البرجوازية ، علي دنيا الآمال الضائعة وعلي التفاهة والتجهم اللذين تلتزمهما دنيا الاعمال والارباح ،

كتب نوفاليس يقول : إن الرومانسية تعني إضفاء مغزي رفيع علي الأشياء المألوفة ، وإلقاء مظهر باهر علي الاشياء المعتادة ، وإسباغ روعة المجهول علي ما تصادفه في كل يوم انتهي كلامه

أما في العالم الرأسمالي فالفرد يواجه المجتمع وحيدا دون وسيط ، غريبا بين غرباء

فكانت الرومانسية ثورية تماما ، كانت صيحة لايقاظ الشعوب حتي تنهض للكفاح ضد ظالميها الأجانب والمحليين ، كانت نداء للوعي الوطني وصراعا ضد الاقطاع والاستبداد والحكم الاجنبي

وكان من صفات الرومانسية شعور بالقلق الروحي في دنيا لا يستطيع الفنان أن يشعر فيها بالاستقرار ، وشعور بالعزلة والغربة نشأ عنه توق إلي قيام وحدة إجتماعية جديدة واهتمام بالشعب وأغانيه وأساطيره ( واكتسي الشعب في أذهان الفنانين بوحدة أسطورية )

الفن الشعبي:

الرومانسية في سعيها إلي إعادة الوحدة المفقودة بين الفرد والجماعة ، وإلي توفير الاندماج بينهما ، وفي احتجاجها علي الغربة الناجمة عن الرأسمالية ، وقد اكتشفت الاغاني الشعبية والفنون الشعبية ، فلم تلبث أن نادت بالشعب إماما لها ونادت به باعتباره وحدة عضوية متجانسة ،
...
فالفن إنما نشأ ليشبع حاجة جماعية

الفن للفن :

إن صيحة الفن للفن كما نادي بها " بودلير " هي أيضا احتجاج علي الموقف النفعي الصارخ والاهتمامات العملية الكئيبة للرأسمالية ، إنها نشأت من تصميم الفنان علي ألا ينتج سلعاً ، وذلك في عالم أصبح كل ما فيه سلعة للبيع
فالجمال المنبعث من شعر بودلير يمثل تمثال فخم من الصخر ، هو ربة المصير الحازمة العنيدة ، كأنها ملاك الغضب يحمل السيف الملتهب . عينها تعري هذا العالم الذي يسوده القبح والابتذال واللانسانية ، إن الفقر المقنع والمرض المستور والرذيلة المكتومة تنكشف أمام هذا الجمال العاري الباهر ، كأنما تقف الحضارة الرأسمالية أمام محكمة ثورية : تري فيها الجمال يصدر حكمة وقضاءه في أبيات من الحديد المصهور .


لقد اضطر بودلير إلي المطالبة بكرامة الشاعر في مجتمع لم تعد لديه كرامة من أي نوع حتي يمنحها لأحد.

كان بودلير ينتج من أجل أسواق مجهولة ( فلم يستطع العالم الرأسمالي شراء انتاج بودلير ولو بشكل غير مباشر ) ومن هنا عبارة الفن للفن فلقد كان ينتج في انتظار جمهور متوقع ، إن فنه بعيد عن الدنيا الرأسمالية ، فقد أقصي عنه القاريئ البرجوازي بأنفة وكبرياء

...

لقد نادي الاقتصاديون الرأسماليون بمبدأ الانتاج للانتاج ، واقترن بهذا المبدأ شعاران آخران : هما العلم للعلم والفن للفن ، ومع ذلك نجد السوق في جميع هذه الحالات قابعا في الأرضية الخلفية

...

ثم تحول هذا الاحتجاج الثوري في شعر بودلير إلي تراجع صامت في شعر مالارمية

21‏/07‏/2009

ضرورة الفن - جمل مختارة 1

ملايين من الناس لا حصر لها يقرأون الكتب ، ويشهدون المسرح ويرتادون السينما لماذا ؟
إذا قلنا أنهم يبحثون عن الراحة والمتعة وفراغ البال لا نكون قد أجبنا عن السؤال ، إذ سنسأل مرة أخري : لماذا نشعر بالراحة أو المتعة أو فراغ البال عندما نغرق أنفسنا في حياة غيرنا ومشاكلهم ، عندما نبحث عن أنفسنا في لوحة رسام أو إحدي شخصيات رواية مسرحية أو فيلم ؟


الفن : يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة علي الالتقاء بالآخرين ، وعلي تبادل الرأي والتجربة معهم .

لابد للفنان حتي يكون فنانا أن يملك التجربة ويتحكم فيها ويحولها إلي ذكري ، ثم يحول الذكري إلي تعبير ،أو يحول المادة إلي شكل

وعلي العمل الفني أن يتملك المتفرجين لا عن طريق المطابقة السلبية بينهم وبينه ، بل عن طريق مخاطبة العقل ودفعه إلي اتخاذ مواقف وقرارات


الفن الذي أنتجه مجتمع من المجتمعات في مرحلة من مراحلة هي لحظة من لحظات الإنسانية وهنا تكمن سر قدرته علي التأثير الدائم في فترات أبعد من اللحظة التاريخية التي نشأ فيها ، وبذلك كان له سحره الدائم

تتزايد الأدلة التي تثبت أن اصول الفن انما ترجع إلي السحر ، فالفن هو أداة سحرية للسيطرة علي دنيا واقعية لكنها لا تزال مجهولة

ولكن سواء كان الفن مهدئا أم موقظا ، ملقيا بالظلال أم غامرا بالضوء ، فهو لا يمكن أن يكون وصفا تقريريا للواقع : إن وظيفته دائما أن يحرك الانسان في مجموعه ، أن يمكن "الأنا" من الاتحاد بحياة الآخرين ، ويضع في متناول يدها ما لم تكنه ويمكن أن تكونه

وظيفة الفن الاساسية بالنسبة للطبقات التي تستهدف تغيير العالم لا يمكن أن تكون السحر بل التنوير والحفز إلي العمل، إلا أن هناك في الفن بقية من السحر لا يمكن التخلص منها تماما

إن الفن لازم للإنسان حتي يفهم العالم ويغيره ،

ضرورة الفن

ضرورة الفن

اسم الكتاب : ضرورة الفن

اسم المؤلف : إرنست فيشر

دار النشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب ( مهرجان القراءة للجميع 1998)

عدد الصفحات : 303 صفحة

فصول الكتاب :

1- وظيفة الفن

2- البدايات الأولي للفن

3- الفن والرأسمالية

4- المضمون والشكل

5- ضياع الحقيقة واكتشافها

روح الجماعات - جمل مختارة 9

يكون الزعيم في البداءة وفي الغالب مقوداً نومه الفكر الذي يصبح رسوله بعدئذ

ليس الزعماء رجال فكر في الغالب ، بل هم رجال العمل

الجماعة تصغي دوماً إلي الرجل ذي الإرادة القوية ، والأفراد في الجماعة يخسرون كل إرادة فيتوجهون بغريزتهم إلي من يملكها

لم تُحقق حوادث التاريخ العظيمة في الغالب إلا من قبل مؤمنين مبهمين ليس عندهم سوي الإيمان

سلطان الزعماء إستبدادي إلي الغاية ، ولا يُفرض هذا السلطان إلا بهذا الاستبداد

الإحتياج إلي الخضوع ، لا إلي الحرية ، هو الذي يسود روح الجماعات
وما في الجماعة من تعطش إلي الإطاعة يجعلها تنقاد بغريزتها لمن يُعلن أنه سيدها

من الزعماء من له نشاط مؤقت لا يدوم أكثر من الدافع الذي أوجده عندها يضعفون ، ومنهم من له نشاط دائم ذو نفوذ أعظم

طرق الزعماء في الاقناع:

1- التوكيد
2- التكرار والعدوي
3- النفوذ

التوكيد كلما كان موجزا عاطلا من الدليل والبرهان كان عظيم السلطان

لا يكون التوكيد ذا نفوذ حقيقي إلا إذا دام تكراره بعبارات واحدة ما أمكن

الأمر إذا ما وُ كد انتهي بالتكرار إلي الرسوخ في النفوس علي أنه حقيقة ثابتة

الأمر إذا كُرر لم يلبث في الحقيقة أن يستقر بمناطق اللا شعور العميقة حيث تنضج عوامل سيرنا

بعدوي العواطف تُفسر فجاءة الذعر ، وبالعدوي تنتشر أيضاً اختلالات الدماغ ، وليس بخافي كثرة الجنون لدي أطباء المجانين

النفوذ : كل شيئ ذي سيطرة في العالم ، أفكاراً كانت أو رجالا ، فُرض علي الخصوص بقوة قاهرة يُعبر عنها باللنفوذ

هو ضرب من الرقية يؤثر بها في نفوسنا شخص أو عمل أو مذهب ، وهذه الرقية تبطل ملكة النقد فينا وتملأ نفوسنا عجبا واحتراما
هو أقوي عامل لكل سلطان


ومن الصواب أن أوصي بسكال بضرورة ارتداء القضاة حُللا وشعوراً مستعارة ، ولولا هذه الأشياء لفقدوا قسما كبيراً من نفوذهم

آية النفوذ ، أنه يحول دون رؤية الأمور كما هي وفي إبطال ملكات التمييز فينا

والواقع أن الجماعات علي الدوام ، والأفراد في الغالب تحتاج إلي آراء معدة سلفا ، ونجاح هذه الآراء مستقل عما فيها من حقيقة وخطأ ، ويقوم هذا النجاح علي النفوذ وحده

النفوذ الشخصي : يُطاع صاحب النفوذ الشخصي كما يطيع الحيوان الضاري مروضه مع قدرته علي افتراس هذا المروض بسهولة

تُفرض الآلهة والأبطال والعقائد ولا يجادل فيها ، وهي تزول إذا ما غدت موضع جدل

الإنسان أو الفكر أو الشيء إذا كان ذا نفوذ لا ينشب أن يُقلد بالعدوي في الحال وأن يفرض علي جيل بأسره طرازا للشعور والتعبير عن الأفكار ، علي أن التقليد هو غير شعوري في الغالب ، وهذا هو الذي يجعله تاماً

فالمؤمنون يكسرون تماثيل آلهتهم السابقة بحماسة علي الدوام